مصير منبج يرسم مستقبل سوريا
كان الأسبوع الماضي حافلًا بالتطورات الخاصة بمدينة بمنبج، أبرزها إعلان دمشق دخول قوات من الجيش السوري إلى المدينة بعد دعوة وجهتها وحدات حماية الشعب الكردية، لمنع هجوم تركي محتمل، بعد قرار واشنطن سحب قواتها من سوريا.
واقتصر دخول القوات السورية الحكومية على منطقة “العريمة” فقط الواقعة إلى الغرب من منبج المدينة، بحسب ما أكدت العديد من المصادر.
وبحسب تقارير دولية، فإن ما يحدث أو سيحدث في منبج، يكشف الوضع المعقد الذي تعيشه سوريا، بعد أصبحت ساحة لصراعات إقليمية ودولية.
وتقع منبج في شمال شرق محافظة حلب شمالي سوريا، على بعد 30 كلم غرب نهر الفرات و80 كلم من مدينة حلب، وفي تعداد عام 2004 الذي أجراه المكتب المركزي للإحصاء، كان عدد سكان منبج يبلغ حوالي 100 ألف نسمة.
وفي عام 2011، شاركت منبج في الاحتجاجات السلمية، وفي عام 2012 أصبحت إدارة المدينة من مسؤوليات أبنائها حيث جرت انتخابات لتعيين مجلس محلي.
وفي يناير 2014 سيطر تنظيم داعش على المدينة، وفي يونيو 2016 شنت قوات سوريا الديمقراطية، وهي قوات في غالبيتها كردية، هجوما على منبج من أجل استعادة السيطرة على المدينة، تحت غطاء جوي من قوات التحالف الدولي، وهي في غالبيتها طائرات أميركية، بالإضافة إلى وجود عناصر قيادية من القوات الأميركية في الميدان.
وفي 12 أغسطس سيطرت القوات الكردية على المدينة بعد هجوم استمر شهرين، حاولت بعدها تركيا الهجوم على منبج من أجل طرد القوات الكردية منها، ولكن واشنطن حالت دون ذلك الهجوم على حلفائها في محاربة داعش.
استيراد وتصدير داعش
وكانت منبج قاعدة مهمة لاستقبال وتصدير مقاتلي داعش، حيث دخل غالبتهم عبر هذه المدينة القريبة على الحدود الشمالية لسوريا مع تركيا، واتخذها داعش مركز إمداد وتموين ومكان آمن لإقامة قادته، فسمتها صحيفة “تلغراف “البريطانية، لندن المصغرة لكثرة البريطانيين الدواعش فيها.
ويشكل موقع منبج الجغرافي الحساس القريب من الحدود الشمالية مع تركيا، ورقة مزدوجة أثارت اهتمام الأميركيين، إذ دعمت قوات سوريا الديموقراطية، من ضمنهم الأكراد، لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي وضغطت من خلالهم على تركيا في آن واحد.
صراعات معقدة
ولكن بعد قرار الرئيس الأميركي سحب القوات الأميركية من سوريا، استشعر الأكراد خطر الأتراك الذين لم يتوقفوا عن التهديد بشن عملية عسكرية في منبج وشرق الفرات لطرد المقاتلين الأكراد منها.
وتعتبر تركيا المجموعات الكردية التي تسيطر الآن على منبج، جزءا من حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة “منظمة إرهابية”. وتزعم أنها تسعى إلى منع إقامة “دويلة كردية” على حدودها، ومنها ردع التفكير المماثل بالإشارة إلى أكراد تركيا.
بينما تعتبر منبج بالنسبة إلى وحدات حماية الشعب الكردية الشريان الاقتصادي لشمال سوريا، إذ تنشط فيها الحركة التجارية ونقل البضائع إلى مناطق القامشلي والرقة والحسكة وشرق دير الزور.
وعسكريا، تعتبر منبج مدينة القواعد العسكرية حيث أنها تحوي على أكثر من قاعدة للتحالف الدولي، ومراكز دعم العمليات اللوجستية لقوات سوريا الديموقراطية.
وتحشد تركيا منذ أيام قواتها مع فصائل المعارضة التي تدعمها في الريف الشمالي للمدينة، في حين يوجد الأكراد والأميركيون داخلها، بالإضافة إلى الوجود الروسي والسوري في ريفها الغربي. لتبدو المدينة وكأن “حربا عالمية” قد تشهدها مع وجود قوات أميركية وروسية وتركية، إضافة إلى القوى الكردية وتلك التابعة للحكومة السورية والمعارضة لها.
وكان التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية نفى، في 28 ديسمبر، أي تغيير في خريطة السيطرة في مدينة منبج، بعد ساعات على إعلان دمشق قوات دخولها.
وسبق النفي الأميركي تحذير وجهته وزارة الدفاع التركية من أي أعمال استفزازية في منبج، وقالت: “نحذر جميع الأطراف في سوريا بشأن ضرورة الابتعاد عن كل التصرفات والخطابات الاستفزازية التي من شأنها مفاقمة الوضع”.
ويبقى الترقب سيد الموقف عما سيحول إليه حال المدينة بعد إعلان سحب القوات الأميركية. فإن دخلتها القوات السورية بعد الدعوة التي وجهها الأكراد لهم، فذلك يعني خطوات مماثلة في شرق الفرات وبالتالي بسط سيطرة دمشق على معظم الأراضي السورية.
أما لو خاص الأتراك عمليتهم العسكرية في منبج، وسيطروا عليها كما فعلوا في جرابلس والباب وعفرين، فهذا قد يعني استمرار الوجود العسكري التركي في سوريا بذريعة ملاحقة الأكراد.