مصر وارتيريا.. قفزة عسكرية استراتيجية لإحكام القبضة على شرق أفريقيا ورسالة لتحالف السودان واثيوبيا المتخبط
عبالمنعم أحمد
بدأت مصر تحركات قوية لإحكام قبضتها على شرق أفريقيا وتأمين مصالحها الاستراتجية في القارة، وذلك بتعزيز علاقتها السياسية والعسكرية مع ارتيريا، في الوقت الذي تتخبط فيه السودان في علاقتها بدول المنطقة وتغرق في أزمات داخلية وصراع داخلي ومظاهرات الخبز.
وعقد الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والإرتيري أسياس أفورقي، يوم الثلاثاء، في القاهرة، لقاء هو الثالث من نوعه بينهما منذ 2014، ويحمل دلالات كثيرة على مدى التقارب بين البلدين وتعاظم دورهما في المنطقة الهامة والحساسة لمصالح البلدين، سواء جنوبي البحر الأحمر أو بالقرب من منابع النيل.
رد قاسي على البشير
وجاء اللقاء وسط تصعيد سياسي واستراتيجي بين مصر من ناحية والسودان وإثيوبيا، العدو اللدود لإرتيريا، من ناحية أخرى.
وزادر قلق الخرطوم وأديس أبابا من تلك الزيارة الأمر الذي الرئيس البشير لإرسال رئيس أركان جيشه إلى اثيوبيا في نفس يوم الزيارة للقاء رئيس الوزراء هالي مريام ديسالين، لبحث الموقف الجديد.
كما أنها بعد أيام من تصعيد الموقف بين السودان وارتيريا أيضا، وإعلان البشير إغلاق الحدود بين البلدين بحجة مواجهة فوضى الأسلحة ووقف تهريبها عبر الحدود.
وبحسب التقديرات فإن هذه الزيارة تهدف إلى توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى إثيوبيا في المقام الأول ومن ثم السودان، مفادها بأن العلاقات الثنائية بين القاهرة وأسمرة هي في حقيقتها سلاح محتمل للرد على أت تحرك ضد مصر ومصالحها في المنطقة سواء كانت تعلق بمياه النيل أو دعم التنظيمات الإرهابية، وهي الرسالة التي فهمهتا جميع الأطراف.
فضلا عن أنها ستكون بمثابة رد على أي تعاون تركي سوداني يخل بالأمن الاستراتيجي وأمن البحر الأحمر، خاصة بعد أن منح البشير للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، جزيرة سواكن في البحر الأحمر والسماح لقوات تركية بالبقاء على أراضي السودان.
ملف سد النهضة وسحب البشير السفير
وتعنتت إثيوبيا بشكل كبير مع مصر مؤخرا فيما يتعلق بملف سد النهضة وانضم البشير إليها في موقفها وأيد خططها في إدارة مرحلة ملء خزان سدّ النهضة، بعد فشل المفاوضات الثلاثية بينهما في تجاوز المشاكل العالقة حول تقرير الخبراء الاستشاريين بشأن مرحلة ملء الخزان، وهو ما دفع مصر للمطالبة بإدخال البنك الدولي كخبير أعلى حاسم، الأمر الذي لم ترد عليه أديس أبابا أو الخرطوم حتى الآن.
وكان نظام البشير قد صعد ضد مصر خلال الفترة الماضية وسحب سفيره في القاهرة عبدالحليم عبدالمحمود، للتشاور وهو الموقف الذي اعتبرته “غير مبرر” ويحمل نوايا سيئة تهدف للإضرار بمصالح مصر.
ويأتي هذا اللقاء بعد أيام معدودة من زيارة أفورقي للإمارات التي تطرّقت المحادثات فيها إلى التعاون العسكري بين البلدين، وتداول معلومات غير موثّقة في الصحف السودانية والإثيوبية عن نقل مصر أسلحة ثقيلة وطائرات عسكرية إلى إرتيريا لتهديد سدّ النهضة الإثيوبي.
تعاون عسكري لمكافحة الإرهاب
وتسعى القاهرة بجانب التعاون الاستراتيجي والسياسي إلى تعزيز التعاون العسكري مع أسمرة، خاصة في مجالات التسليح والاستخبارات ومكافحة الإرهاب والأمن العام، حيث تعد تلك المنطقة في شرق أفريقيا منطقة توتر وتقلق مصر، خاصة مع بعض تقارير تتحدث عن خطط لتهديد امن واستقرار المنطقة بالكامل انطلاقا منها.
ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تطويراً للتعاون العسكري والأمني بين القاهرة وأسمرة، بإرسال مزيد من الخبراء العسكريين والشرطيين المصريين إلى معسكر ساوه شمالي إرتيريا، فضلاً عن مساعدات لوجيستية لدعم الجيش والشرطة في الدولة “الصديقة”.
لا وجود لقاعدة عسكرية مصرية
وهناك نفي مصري دائم لتقارير سودانية أنها تسعى لإقامة قاعدة عسكرية في ارتيريا، ومصر لا تحتاج إليها في الوقت الحالي حيث يمكنها تأمين مصالحها عسكريا واستراتيجيا بطرق مختلفة، كما أن الإمارات أصبحت قاب قوسين من تدشين أول قاعدة خاصة بها في منطقة عصب بارتيريا، بعدما كانت توجد قوات إماراتية وسعودية بصورة مؤقتة منذ بدء الحملة العسكرية في اليمن، إذ من المتوقّع أن تستخدم مصر القاعدة الإماراتية، التي ستكون بحرية وجوية في آن، حال احتياجها لذلك، علماً بأن تقارير إعلامية تحدّثت عن أن العمر المبدئي لهذه القاعدة سيكون 30 عاماً قابلة للتجديد.
السودان يغرق داخليا واقليميا وسحب السفير خطأ
ياتي هذا في الوقت الذي حذر فيه أكاديميون سودانيون من ان نظام البشير يغرق في أزمات داخلية وسياسة خارجية واقليمية متخبطة.
وقال الأكاديمي السوداني عطا البتاهاني، أستاذ العلوم السياسية ومدير تحرير دورية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنشرها جامعة الخرطوم، إن السياسة الخارجية الأخيرة للسودان فشلت في تبديد مخاوفه والشعور بعدم الأمان. فلا الانحياز إلى التحالف الذي تقوده السعودية في حرب اليمن ولا رفع العقوبات الأميركية حسَّنا الوضع الاقتصادي المتردي كما يتضح من أرقام ميزانية 2018.
كما حذر من الارتجالية والتخبط الذي تدار بهما السياسة السودانية في الملفات الاقليمية، وحذر من خسارة مصر كداعم وحليف قوي للسودان، وأن خطوة سحب السفير من القاهرة لم تكن موفقة أو لها هدف محدد.
وأضاف عطا إن نام البشير يشعر بحالة من انعدام الأمن متأصل في هيكل نظام الحكم منذ انقلاب يوليو 1989: إذ أنَّ الصراعات التي تشهدها البلاد منذ ذلك الحين لاتزال مستمرةً دون هوادة، فضلاً عن انفصال جنوب السودان في عام 2011 وما نجم عنه من استحواذ الجنوب على إيرادات البلاد النفطية، والاتهامات التي يواجهها رئيس الدولة وكبار المسؤولين الحكوميين من المحكمة الجنائية الدولية لمسؤوليتهم عن المجازر التي تحدث في دارفور.
كل هذه التطورات أدت إلى تفاقم الشعور بانعدام الأمان. لكن الحقيقة هي أنَّ السودان أكثر عرضة من مصر للمخاوف المتعلقة بتغيير نظام الحكم أو بقائه.