مسيرات “العودة وكسر الحصار” الفلسطينية تفزع إسرائيل
أجمع محللون سياسيون فلسطينيون على أن الطابع “السلمي” لمسيرات “العودة وكسر الحصار”، المقرر انطلاقها غداً الجمعة، 30 مارس 2018، في المناطق الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل، هو أكثر ما يُقلق ويزعج الجيش الإسرائيلي.
وينزع ذلك الطابع، وفق المحللين، الذرائع من إسرائيل لاستخدام الأسلحة ضد المتظاهرين الفلسطينيين، فيما يؤدي استخدام القوة بحقّهم إلى إحراجها أمام العالم.
ورغم ذلك، لم يستبعد المحللون، في حوارات منفصلة لوكالة “الأناضول”، أن يستخدم الجيش الإسرائيلي القوة بحق المتظاهرين الفلسطينيين، معتمدين على أنه “لا يمكن لأحد التنبؤ بتحركات الميدان”.
أهداف المنظمين
كما سيعمل المنظمون للمسيرات، بحسب المحللين، على التحكم وضبط مسارها، كي لا تخرج عن إطار طابعها السلمي، وتُعطي إسرائيل مُبررات لاستخدام القوة.
وقد تنجح تلك المسيرات، وفق المحللين، في حشد التضامن العالمي مع الفلسطينيين في التأكيد على حقوقهم، سيما حق “العودة”، فيما ستلفت أنظار العالم إلى الحصار المفروض على قطاع غزة، للعام الـ12 على التوالي.
وتعتزم الفصائل الفلسطينية تنظيم مسيرة سلمية أطلقت عليها اسم “العودة الكبرى”، في المنطقة الحدودية بين قطاع غزة وإسرائيل، تزامناً مع الذكرى الـ42 ليوم الأرض.
وتعود أحداث يوم الأرض لعام 1976، عقب إقدام السلطات الإسرائيلية، على مصادرة أراض من السكان العرب الفلسطينيين في الجليل (شمالاً)، ما فجَّر مواجهاتٍ قُتل خلالها 6 فلسطينيين وأصيب واعتقل المئات.
استعدادات فلسطينية وتحذيرات إسرائيلية
وبدأ المنظّمون للمسيرات، بتسوية المنطقة الحدودية، تجهيزاً لنصب خيام اعتصام دائمة للمتظاهرين.
ووصف الجيش الإسرائيلي، في مقطع فيديو قصير نشره المتحدث العسكري أفيخاي أدرعي، في صفحته على موقع “تويتر”، الإثنين الماضي، المسيرات بـ”الاستفزازية”.
وجاء في مقطع الفيديو: “مش (ليس) عودة… فوضى، مش شعبية.. استفزازية”.
وأمس الثلاثاء، قال أدرعي على صفحته: “لن نسمح باجتياز جماهيري للجدار الأمني مع قطاع غزة يوم الجمعة القادم، نأتي إلى هذه الأحداث من منطلق القوة”.
وأوضح أن “الجيش الإسرائيلي يقوم بالاستعدادات اللازمة وبتعزيز القوات المتنوعة لذلك”.
ماذا يعني نجاح هذا الأسلوب؟
وتعتبر احتمالية نجاح المسيرات في تحقيق أهدافها، والتوجه الفلسطيني نحو تطويرها واعتمادها كبرنامج وطني، أكثر ما يقلق إسرائيل ويدفعها لمنعها، بحسب المحللين.
ويعتقد طلال عوكل، الكاتب السياسي في صحيفة “الأيام”، الصادرة من الضفة الغربية، أن لمسيرة “العودة وكسر الحصار”، أسباباً جانبية، أهمها تعظيم “الاشتباك مع العدو دون استخدام السلاح، عبر المقاومة الشعبية السلمية”، واصفاً إياها بـ”الإبداع الفلسطيني”.
ويقول: “قطاع غزة لا يملك إمكانات المواجهة المباشرة إلا من خلال المقاومة العسكرية”.
ويرى عوكل، أن تلك المسيرات “ستسهم في تحريك الوضع الداخلي، باتجاه تحديد وجهة الغضب الفلسطيني نحو إسرائيل، والتي كان يُعتقد أنها ستكون باتجاه مصر”.
وأضاف أن هذه المسيرات تطمئن مصر بأن الغزيين لا ينوون التوسع جنوباً نحو أراضيها، بل يريدون العودة شمالاً وشرقاً لأراضيهم التي هُجِّروا منها، وهذا ما يزعج إسرائيل إلى حدٍّ كبير، حسب قوله.
وتعتبر مسيرات “العودة وكسر الحصار” الحدودية، الخيار الوحيد والممكن، في ظل تعطيل المصالحة، وبالتزامن مع الأوضاع المعيشية الصعبة بغزة، بحسب عوكل.
واستبعد الكاتب السياسي أن تتوجه إسرائيل نحو التصعيد العسكري ضد قطاع غزة لمنع المسيرات، مشيراً إلى أن أي تصعيد سيُحرجها أمام العالم، خاصة أن المسيرات تتسم بالطابع السلمي.
قلق إسرائيلي
وتجتاح الأوساط الإسرائيلية حالة من القلق الكبير تجاه مسيرات “العودة وكسر الحصار الحدودية”، عبَّر عنها مسؤولون إسرائيليون رسميون في تصريحات مختلفة.
وفي هذا السياق، قالت شركات نقل فلسطينية، عاملة في قطاع غزة، أمس الأربعاء، إنّها تلقّت اتصالات من السلطات الإسرائيلية، تُحذّرهم فيها من نقل المواطنين المشاركين في المسيرات.
وقال مسؤول في شركة “النيرب” للنقل (رفض ذكر اسمه)، لوكالة، إنه تلقَّى اليوم اتصالاً من ضابط إسرائيلي، حذَّره من نقل المواطنين المشاركين في المسيرات، عبر حافلات شركته.
كما تناقل نشطاء فلسطينيون، اليوم، مقاطع صوتية يُعتقد أنها لضباط إسرائيليين، يهاتفون خلالها أصحاب شركات النقل بغزة.
وفي أحد المقاطع الصوتية المتداولة، هدَّد المتصل الذي عرّف نفسه بـ”علاء حلبي من الارتباط الإسرائيلي (بمعبر) إيريز”، أحد مديري شركة النقل، قائلاً: “أنت وعائلتك تتحملون المسؤولية بشكل شخصي، وسنوقف جميع التسهيلات المقدّمة لشركتك”.
ويوضح عوكل أن حالة القلق الإسرائيلية تنبع من التخوف بنجاح تلك المسيرات، التي قد يدفعها ذلك إلى حالة من التطور والتصاعد، للخروج بعمل أكبر وأكثر إبداعية، في 15 مايو/أيار المقبل، بالتزامن مع القرار الأميركي بنقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى القدس.
ورأى أن المنظمين لتلك المسيرات، سينزعون الذرائع من إسرائيل لاستخدام السلاح ضد الفلسطينيين المشاركين.
لكنه لا يستبعد استغلال بعض “المغامرين أو المندسين أو الفوضويين” لتلك المسيرات، لإخراجها عن سيطرة الفصائل، مضيفاً: “بصفة عامة المنظمون سيحاولون منع مثل هذه الأمور”.
وترسل المسيرات، وفق عوكل، رسائل قوية تفيد “بأن إسرائيل تحاصر غزة وتمنعها من الحياة”.
وذكر أن المسيرات تعمل على حشد التضامن الدولي من شتى أنحاء العالم مع الفلسطينيين.
ولا يتوقع عوكل وجود إمكانية لفشل تلك المسيرات، معتبراً أن حالة القلق التي تسببها بإسرائيل تُحسب “نجاحاً للفلسطينيين”.
ويتفق معه، رائد نعيرات، أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بالضفة الغربية (غير حكومية)، قائلاً: “تسهم المسيرات في تكريس مفهوم حق العودة، من الفصائل والمجتمع الفلسطيني، في ظل ما تعانيه الساحة الفلسطينية اليوم من محاولة شطب لمفهوم حق العودة أولاً، وموضوع القدس ثانياً”.
ويعتقد نعيرات أن تلك المسيرات، المقرر أن تنطلق في ذكرى يوم الأرض، تجعل من ذلك اليوم “ذكرى غير تقليدية، مختلفة عما كانت عليه في السنوات السابقة، نتيجة الوضع السياسي القائم”.
ويرى أن الظروف الفلسطينية الحالية تُشجع المنظمين على تحويل فكرة المسيرات تلك إلى برنامج عمل وطني.
وقال: “يؤمل أن تتحول هذه الفعاليات لبرنامج عمل وطني، ولا تبقى في إطار الظرف أو الوقت وتنتهي”.
وعلى الصعيد الإسرائيلي، يعتقد نعيرات أن الجيش الإسرائيلي لن يتعامل بقسوة مع تلك المسيرات، حتى لا يعطيها صدى تتحول فيه لفعل وطني دائم.
ويتوقع أن يعمل الجيش الإسرائيلي على مقاومة تلك المسيرات بـ”طرق غير قاسية”، مستبعداً إطلاق أعيرة نارية باتجاه المتظاهرين أو إيقاع قتلى أو جرحى، فيما سيعمل على منعهم من إحداث أي اختراق.
كيف ستتعامل إسرائيل مع المظاهرات؟
أما المحلل السياسي وديع أبو نصار، مدير المركز الدولي للاستشارات في مدينة الناصرة شمالي إسرائيل، فيقول إن للمقاومة السلمية غير المسلّحة ثلاثَ فوائد، أولاها أنها “ترفع معنويات الناس بوجود المقاومة، وثانيتها ترسل رسائل بأننا أصحاب حق، وتذكّر الأعداء والأصدقاء أننا لن نتنازل عن حقوقنا”.
وأضاف: “أما الفائدة الثالثة فهي أننا عندما نقاوم بشكل سلمي لا نعطي مجالاً لأحد لأن ينتقدنا، فالمقاومة السلمية لا تستخدم سلاحاً ولا عنفاً”.
وأشار أبو نصار إلى أن “المسيرة مزعجة بالنسبة لإسرائيل أكثر من أي عمل مسلّح آخر”.
ويرى أن إسرائيل قد تختلق الذرائع من أجل استخدام القوة لمنع تلك المسيرات، كأن “تتحجج بأن المسيرات محسوبة على حماس (كما قال مسؤولون إسرائيليون)، أو تروّج لمشاركة مسلحين في المسيرة؛ الأمر الذي يخرجها عن سلميتها”.
ويصف المحلل السياسي تلك المسيرات بـ”الخطوة في الاتجاه الصحيح”، طالما بقيت محافظة على طابعها السلمي.
ويتوقع أبو نصار أن يرد الجيش الإسرائيلي على تلك المسيرات بشكل “متدحرج ومتدرج”.
وقال: “مثلاً يمكن أن تستخدم وسائل تفريق مظاهرات كتوزيع مناشير من الجو، وإطلاق أعيرة نارية في الهواء، استخدام قنابل مسيلة للدموع، لمنع وصول المسيرة للشريط الحدودي”.
لكنه لا يستبعد استخدام القوة في حال سجلت محاولات “اقتراب لمسافات كبيرة من السياج الأمني الفاصل بين غزة وإسرائيل”، قائلاً: “عندها ستكون كل احتمالات الرد واردة”.
ويرى أبو نصار، أن حجم المشاركة في المسيرات هو المُحدد لمدى نجاحها من عدمه، خاصة أن المسيرات انطلقت تحت مسمى “المسيرة المليونية”.
وأضاف: “على الأقل لا بد من مشاركة 100 ألف متظاهر فلسطيني، ولا يقتصر الأمر على بضعة آلاف، وإلا سيكون الأمر محرجاً”.