مسلمو الروهينجا ضحايا الاتجار بالبشر من جديد في بورما
من العمالة الإجبارية إلى تهريب الفتيات للاتجار بالجنس، يبدو أن التطهير العرقي يلاحق مسلمي الروهينجا أينما حلوا، والمأساة التي تسبَّبت بنزوح الأقلية الأكثر اضطهاداً في العالم عام 2015، على وشك أن تتكرر من جديد.
إلى الآن ما زالت أعداد الروهينجا الذين توفوا بسبب المجاعة والعطش خلال تلك الأحداث مجهولة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، سُجل وصول العديد من القوارب الجديدة المليئة بالنازحين الروهينغا إلى إندونيسيا، كما احتجزت العديد من هذه القوارب في بنجلاديش وحتى في بورما.
وفقاً لمعلومات أدلى بها السكان المحليون لوكالة رويترز، وصل الثلاثاء الماضي حوالي 20 فرداً من الأقلية المسلمة المضطهدة، إلى جزيرة إندونيسية صغيرة، وهي جزيرة سومطرة، التابعة لمقاطعة آتشيه.
وأكد السكان المحليون أن غالبية الروهينغا كانوا من الرجال الشبان، الذين من المتوقع أن يواصلوا طريقهم نحو ماليزيا القريبة.
العام الماضي، سُجّل وصول ثلاثة قوارب محمَّلة بالروهينغا إلى إندونيسيا.
وعلى الرغم من أنه لم يتجاوز عدد اللاجئين الروهينغا العشرات، فإنه لوحظ خلال الأسابيع الأخيرة أن عدد الأقليات المسلمة في مقاطعة آتشيه قد تزايد، وأصبح في حدود الأعداد التي سُجلت في هذه المنطقة خلال عام 2015، أي في حدود ألفي نازح.
خرجوا من المعتقلات متجهين إلى ماليزيا
يوم الأحد الماضي، اعتُرض مركب يحمل حوالي 93 فرداً من الروهينغا في السواحل البورمية، عندما كان متجهاً نحو ماليزيا.
وكان هذا هو المركب الثالث الذي تحتجزه القوات البحرية البورمية خلال الأسابيع الأخيرة، وفق ما ذكرت صحيفة el mundo الإسبانية.
ووفقاً للصحافة المحلية، جاء الركاب من قرى ومعسكرات الاعتقال في سيتوي، عاصمة ولاية راخين، حيث اعتُقل أكثر من 100 ألف فرد من الروهينغا، وذلك منذ أن شهدت هذه المدينة عمليات تطهير عرقي خلال سنة 2012.
تمكنت المجموعات التي اعترضت على السواحل البورمية من الخروج من معسكرات الاعتقال، بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني.
فاعترضتهم سلطات بورما وأرسلتهم إلى تايلاند للمتاجرة
تعد معسكرات الاعتقال في سيتوي مجموعة من الأكواخ الغارقة في فقر مدقع، ومحاطة بأسلاك شائكة، وخاضعة لحراسة الجيش.
ومنذ سنوات، كان هذا المعسكر المكان الذي يعبره الروهينغا قبل اتجاههم نحو ماليزيا.
كما كشف عن شبكة اتجار بالبشر، التي تتكفل بنقل الروهينغا المنفيين من ماليزيا إلى تايلاند، حيث يسجنون في مجمعات كبيرة بُنيت من الخيزران، والمخفية في الغابات.
ونشرت صحيفة The Guardian البريطانية مقطع فيديو حصلت عليه لمعسكرات سرية مبنية للروهينغا، بجزيرةٍ متآكلة في بنغلاديش، ضمن خطةٍ مثيرةٍ للجدل تهدف إلى إعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين هناك.
وفي بنغلاديش أيضاً تواجه مسلمات الروهينغا خطراً جديداً في مخيمات اللجوء، يتمثل في استغلال عصابات الاتجار بالبشر لهن، وإجبارهن على العمل في الدعارة، بحسب تحقيق استقصائي أجرته BBC.
وغالباً ما يتم اقتياد الضحايا إلى خارج المخيمات، واغتصابهن للزّج بهنَّ في أعمال الدعارة، أو استغلالهن كعمالة أخرى.
إن لم يدفعوا فدية فمصيرهم البقاء في «معسكرات الموت»
علاوة على ذلك، لا يُطلق سراح الروهينغا من هذا المعتقل التايلاندي إلا بعد دفع فدية، للتمكن من مواصلة رحلتهم نحو أحد البلدان المجاورة.
توفي الآلاف من الروهينغا، في ظلِّ الظروف الرهيبة التي كان عليهم مواجهتها في تلك المخيمات، التي أصبح يُطلق عليها اسم «معسكرات الموت».
وبعد تجاهل هذا الوضع لفترات طويلة فكَّكت السلطات التايلاندية خلال سنة 2015 شبكات الاتجار بالأشخاص، الأمر الذي نتج عنه انهيار نظام بأكمله، ترك وراءه عدداً غير معروفٍ من سفن الشحن المليئة بالمهاجرين الذين تقطَّعت بهم السبل، وبقوا دون مساعدة.
التطهير العرقي يلاحق مسلمي الروهينغا أينما ذهبوا
بقي حوالي مليون من الأقليات المسلمة لاجئاً في بنغلاديش، بعد أن واجهوا موجات متتالية من التطهير العرقي خلال السنوات الأخيرة في مقاطعة راخين.
وقد كانت حملة التطهير العرقي الأكثر حدة ضد الروهينغا خلال سنة 2017، التي نتج عنها فرار أكثر من 700 ألف فرد من هذه الأقلية المسلمة.
وبعيداً عن تغيير سياسة الاضطهاد والتمييز العرقي التي حافظ عليها النظام العسكري الذي حكم البلاد حتى سنة 2015، أيَّدت حكومة أونغ سان سو كيي وبرَّرت الأعمال التي اقترفها الجيش البورمي خلال سنة 2017 ضد الروهينغا.
خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أكدت تصريحات وزير الشؤون الدينية في ميانمار، يو أونغ كو، الذي كان جنرالاً سابقاً له شهرة في البلاد، وتحالف مع الحائزة جائزة نوبل للسلام، على الموقف المهين الذي تبنَّاه مجلس الوزراء بقيادة سو كيي تجاه الروهينغا.
يتهمونهم باتباع «ديانة متطرفة» تسمح بتعدد الزوجات
وفي هذه التصريحات اتهمت هذه الأقلية الدينية بأنها تتبع «ديانة متطرفة».
ووفقاً ليو أونغ كو «يملك متبعو هذه الديانة المتطرفة ثلاث أو أربع زوجات، وتتكون عائلاتهم من 15 أو 20 طفلاً».
وأشار إلى أن «هذه المجموعة التي تضم أعداداً غفيرة، والتي تعرضت إلى غسيل دماغ «تملك طموحات بالتوسع في منطقة راخين وبورما».
وقد ولَّدت عبارات ليو أونغ كو ردة فعل سريعة من الأقلية المسلمة في بورما، التي لا تشمل فقط الروهينغا.
ومن جهته، اتَّهم سان أونغ، رئيس الجمعية الإسلامية في بورما، التي يقع مقرها في رانغون «الجنرال السابق» بالإدلاء بتصريحات غير مسؤولة.
بورما الآن تواجه تهم إبادة جماعية وجرائم حرب
شهدت حملة التطهير العرقي الوحشية التي أطلقتها بورما خلال سنة 2017 العديد من المجازر، وأعمال العنف، وحرق القرى؛ الأعمال التي صنفت في قائمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
وقد أكدت على هذا الجانب مجموعة السياسة والقانون الدولي العام، التي أجرت تحقيقاً حول الجرائم المرتكبة ضد الروهينغا بتكليف من وزارة الخارجية الأميركية.
وأكد المحققون أن الهجوم الذي قاده الجيش البورمي ضد الروهينغا «يهدف في الأساس إلى ارتكاب إبادة جماعية».
وحجم الهجمات وشدتها يدل على نية إبادة لشعب بأكمله
تبعاً لذلك، طالبت هيئة التحقيق بتحويل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
أعدت المجموعة التي سبق ذكرها التقرير المكلفة به، بناء على حوارات أُجريت مع أكثر من ألف روهينغي.
كما أُتيحت لهم فرصة معاينة هجمات مدمرة كان يواجهها الروهينجا، التي شملت عمليات قصف جوي وهجمات عبر قاذفات لهب، التي تواصلت حتى عند فرار الأقليات المسلمة في قوارب نحو بنغلاديش.
وأشار التقرير الذي حرَّرته المجموعة المكلفة من قبل وزارة الخارجية الأميركية إلى أن «حجم وشدة الهجمات والانتهاكات أمر يؤكد أن الهدف منها لم يتمثل في طرد الروهينغا فقط، بل يسعى إلى إبادتهم بالكامل».
ولا تعد هذه الاستنتاجات جديدة، في أغسطس الماضي، نوَّهت مجموعة تابعة للأمم المتحدة بنفس الجرائم، وحمَّلت قائد الجيش البورمي و5 من الجنرالات الآخرين مسؤولية هذه الانتهاكات.