مدرسةٌ أمريكية تُسمَّى باسم شاب مهاجر يفترض ترحيله
على أرض كانت حقلاً عشبياً محاطاً بأشجار الصنوبر الطويلة في مدينة ماونتن فيو بولاية كاليفورنيا الأمريكية، يبني بعض العمال مدرسةً ابتدائية عامة جديدة لامعة، مُغطاة ببعض أغطية الإنشاءات مؤقتاً.
ونظراً إلى أنَّ هذا مجتمعٌ تطلُّعي في وادي السيليكون، حيث توجد مقراتٌ لشركات جوجل وسيمانتك وإنتويت، فربما ليس من المستغرب أن تُسمَّى المدرسة باسم خوسيه أنطونيو فارغاس (38 عاماً) الذي كان زميلاً سابقاً في صحيفة “واشنطن بوست” لأمريكية نشأ بالقرب من هذه المنطقة، وهو مهاجرٌ غير موثَّق في الوقت الحالي.
يقول كاتب التقرير: صحيحٌ أنني لم أتمكن من العثور على دراساتٍ عن أعمار الأشخاص الذين أطلِقت أسماؤهم على المدارس وقت إطلاقها، لكنَّ فارغاس هو أصغر شخصٍ حيٍّ قابلته يحظى بذلك الشرف. إذ توفي ناثان هيل بطل حرب الاستقلال الأمريكية عن عمر يناهز 21 عاماً، قبل فترة طويلة من تسمية أي مدارس باسمه.
ويضيف: تجدر الإشارة هنا إلى أنني لم أصف فارغاس بأنَّه أمريكي، لكنَّه يشعر بأنه كذلك بالفعل. والكثيرون ممن يعرفونه، بمن فيهم أنا، يشعرون بذلك أيضاً. بيد أنَّ الحكومة الفيدرالية لا تتفق مع ذلك. وهذا النزاع، بالإضافة إلى مواهبه في الكتابة وصناعة الأفلام وكونه ناشطاً، جعله من المشاهير بين 11 مليون مهاجر ليسوا مُسجَّلين قانونياً.
ومن المذهل أنَّ تُطلِق إحدى المناطق التعليمية اسمه على إحدى المدارس في وقتٍ يشهد اتجاهاً وطنياً متمثلاً في إزالة الألقاب المثيرة للجدل من على المؤسسات التعليمية، وليس إضافتها. وكذلك يبدو أنَّ تمجيد فارغاس يتناقض مع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحادة بشأن المهاجرين، حسب تقرير صحيفة The Washington Post الأمريكية.
تمارا ويلسون، عالمة الأبحاث وعضو مجلس إدارة منطقة ويسمان التعليمية في مدينة ماونتن، هي من اقترحت اتخاذ هذه الخطوة. وقالت تمارا للمجلس، موضِّحة دوافع اقتراحها، إنَّ فارغاس «تعلَّم في مدارسنا ومضى في حياته قدماً ليحقق إنجازاتٍ استثنائية. إنه يمثل الوجوه الكثيرة لطلابنا، ونضالاتهم وإنجازاتهم، ويمثل طريقاً نحو الإنجازات». ومن المنتظر أن تكون القوة الطلابية في المدرسة كالآتي: حوالي 40% من ذوي البشرة البيضاء، و32% آسيويون، و16% من أصول إسبانية، و2% بشرتهم سوداء، و4% فلبينيون (وهو العِرق الذين ينتمي إليه فارغاس) و6% غير محددين.
اسم المدرسة رسالة لكل أب خائف
وقالت تمارا إنَّ إطلاق اسم فارغاس على المدرسة سيبعث بـ»رسالةٍ قوية إلى كلِّ والد أو طفل في منطقتنا يخاف ويتساءل عمَّا يحمله المستقبل وعن فرصه في النجاح». وهذا قد شهد مجلس الإدارة موافقة أربعة أعضاء على الاقتراح، وعدم رفضه من أي عضو، فيما امتنع عضوٌ واحد عن التصويت. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تمارا رئيسة مجلس الإدارة.
وينتقل فارغاس كثيراً في جميع أنحاء البلاد رغم نصيحة العديد من أصدقائه المحامين له بأن يبقى في كاليفورنيا. وقال إنَّ وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية «يمكن أن تحتجزني في أي وقت».
يُذكَر أنَّ والدته، التي ما زالت تعيش في الفلبين، دفعت مالاً لأحد الأشخاص كي يُصطحبه في رحلةٍ جوية إلى كاليفورنيا حين كان عمره 12 عاماً حتى يتمكن من العيش مع جدَّيه. ولم يكن يعلم أنَّه غير موثَّق قبل أن يُقدِّم طلباً للحصول على رخصة قيادة وهو في سن السادسة عشرة. إذ تفحَّص موظف تلقي الطلبات آنذاك بطاقته الخضراء بعناية، وقال له هامساً: «هذه مزورة. لا تعُد إلى هنا مرةً أخرى».
الكتابة في صحيفة المدرسة وسيلة تُشعره بالانتماء
بيد أنَّه دفن مخاوفه تحت العمل الجاد. وحين كان في مدرسة ماونتن فيو الثانوية، أصبحت الكتابة في الصحيفة المدرسية والصحيفة المجتمعية «وسيلةً تُشعره بالانتماء» على حد وصفه. وقد تجاهل مخاوف جدّه من ظهور اسم فارغاس في تلك الصحف. وكذلك شارك في الأنشطة المدرسية كالغناء والتمثيل والإخراج والنقاشات، وانتُخِبَ لتمثيل مصالح المدرسة في مجلس التعليم. وفي سنته المدرسية الأخيرة، أعلن أنَّه مثلي الجنس. وأقام صداقةً عميقةً دائمة مع مديرة المدرسة بات هايلاند عندما اقتربت منه ذات ليلة وسألته: «ألَّا تذهب إلى المنزل أبداً؟».
وقد ساعده بعض الأصدقاء مثل تلك المديرة في دفع الرسوم الدراسية في جامعة ولاية سان فرانسيسكو، والحصول على رخصة قيادة من ولاية أوريغون، نظراً إلى أنَّها لا تتطلب بطاقة خضراء أو جواز سفر. وانضمَّ إلى صحيفة The Washington Post في عام 2004، بدا لي زوبعةً تتعمَّق في تعقيدات جيله.
وفي عام 2011، أعلن في صحيفة The New York Times الأمريكية أنَّه مهاجر غير موثَّق. وفي العام نفسه، شارك في تأسيس Define American، وهو مشروع غير ربحي يهدف إلى تسهيل الحوار بشأن الهجرة.
لكنَّ ما زال عُرضةً للخطر لأنه أكبر بأربعة أشهر من الحد الأقصى الذي يؤهله للحصول على الحماية التي يوفرها قانون Dream للأشخاص الذين دخلوا البلاد بطريقةٍ غير شرعية حين كانوا أطفالاً. ويُذكَر أنَّ خبر احتجازه في مطار ماكالين في تكساس في عام 2014 انتشر في جميع أنحاء البلاد. وقد تدخَّل بعض أصدقائه النافذين آنذاك وأقنعوا إدارة الرئيس السابق أوباما بالسماح له بالرحيل. وتحدث عن تلك الواقعة في مذكراته، التي صدرت في العام الماضي 2018 بعنوان Dear America: Notes of an Undocumented Citizen، قائلاً إنَّ أحد العوامل التي ساعدته آنذاك أنه ليس مكسيكياً.
وقال فارغاس إنَّ إطلاق اسمه على إحدى المدارس ما زال يبدو أمراً «سريالياً». وأضاف أنَّه لا يعرف ما سيقوله في افتتاح المدرسة يوم 15 أغسطس/آب المقبل أمام حشدٍ من العائلة والأصدقاء. لكنني أتوقع أن يعرض فكرةً تربوية عن المفاجآت العديدة التي تعرَّض لها في حياته الأمريكية.