مخاوف من تكرار حرب الناقلات التي حولت الخليج لمقبرة للسفن
«صواريخ وألغام وطوربيدات»، ارتفاع في أسعار النفط، زيادة في تكلفة التأمين، هل نحن على شفا حرب في الشرق الأوسط، هل يتدخل العالم لحماية تجارة النفط في الخليج؟.
فقد دعا الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي المجتمع الدولي التعاون لحماية الشحن وتأمين نقل الطاقة، قائلاً إن الأدلة حول الهجمات التي وقعت على 4 ناقلات نفط داخل المياه الإقليمية لدولة الإمارات تشير بوضوح إلى أن الجهة المنفذة دولة، دون أن يقول إن هذه الدولة هي إيران.
كما نقلت وزارة الطاقة السعودية عن الوزير خالد الفالح قوله على تويتر «لابد من الاستجابة السريعة والحاسمة لتهديد إمدادات الطاقة واستقرار الأسواق وثقة المستهلكين، الذي تشكله الأعمال الإرهابية الأخيرة في كل من بحر العرب والخليج العربي، ضد حلقات سلسلة إمداد الطاقة العالمية الرئيسية».
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان أكثر صراحة، إذ أنحى باللوم على إيران في الهجمات التي تعرضت لها ناقلتا نفط في خليج عُمان.
ودعا المجتمع الدولي إلى اتخاذ «موقف حاسم» ولكنه قال في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط نشرتها اليوم الأحد إن السعودية لا تريد حرباً في المنطقة.
وقال إن «المملكة لا تريد حرباً في المنطقة.. لكننا لن نتردد في التعامل مع أي تهديد لشعبنا وسيادتنا ووحدة أراضينا ومصالحنا الحيوية».
ومثل السعودية الجميع لا يريد حرباً ولكن الحرب قد تحدث رغم أنف الجميع.
من ضرب الناقلات؟
وازداد التوتر مع تحميل الولايات المتحدة مسؤولية وقوع الهجمات على ناقلتي نفط في خليج عمان قرب مضيق هرمز على إيران بما يزيد من مخاوف نشوب مواجهة أوسع نطاقاً في المنطقة.
وأدت الهجمات على ناقلتين يوم الخميس الماضي إلى تفاقم الأزمة الناجمة عن هجمات مماثلة على أربع سفن في مايو/أيار 2019 إذ ألقت واشنطن بمسؤوليتها على طهران أيضاً.
ويعتقد أن إيران تشن هذه الهجمات كرد فعل على إلغاء إدارة ترامب للإعفاءات الممنوحة لعدد من الدول من العقوبات الأمريكية المفروضة على استيراد النفط من إيران، بهدف الوصول إلى الصادرات النفطية الإيرانية إلى مستوى صفر.
ونفت إيران أي دور لها في الهجمات على الناقلتين جنوبي مضيق هرمز الذي يمر منه أغلب نفط السعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، وباقي الدول المنتجة للخام في المنطقة للأسواق العالمية.
ونشر الجيش الأمريكي مقطع فيديو يوم الخميس قال إنه يظهر ضلوع الحرس الثوري الإيراني في الهجمات التي استهدفت الناقلة النرويجية فرنت ألتير والناقلة اليابانية كوكوكا كاريدجس في خليج عمان عند مدخل الخليج.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشبكة فوكس نيوز أمس الجمعة «إيران فعلتها.. وتعلمون أنها فعلتها لأنكم رأيتم القارب».
وشددت واشنطن الشهر الماضي العقوبات على النظام الإيراني وسعت إلى دفع مشتري النفط من إيران إلى وقف وارداتهم.
وسبق أن هددت طهران من قبل بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره خمس استهلاك العالم من النفط في حالة منعها من تصدير نفطها.
ترامب يتوقع أن تغلق إيران المضيق ولكن ليس لفترة طويلة
وارتفعت أسعار النفط بنسبة 3.4 بالمئة منذ هجمات الخميس وقالت شركات للتأمين على الملاحة إن تكلفة التأمين على السفن التي تمر في الشرق الأوسط قفزت بنسبة 10 بالمئة على الأقل بعد الهجمات.
وقال وزير الطاقة السعودي خلال اجتماع في اليابان لوزراء الطاقة لمجموعة العشرين إن المملكة ملتزمة بضمان استقرار أسواق النفط العالمية.
من جانبه، قال وزير الصناعة الياباني هيروشيجي سيكو خلال الاجتماع «الأمر المهم أننا توصلنا لتفاهم بين وزراء الطاقة بشأن الحاجة للعمل معاً للتعامل مع الحوادث الأخيرة من منظور أمن الطاقة».
وقال ترامب إن أي تحرك لإغلاق مضيق هرمز لن يستمر طويلاً.
لكن ترامب أبدى استعداده للتفاوض مع إيران.
وقال ترامب «نريد أن نعيدهم لطاولة التفاوض.. أنا مستعد عندما يكونون مستعدين.. لست في عجلة».
كانت إيران قالت مراراً إنها لن تدخل في محادثات مع الولايات المتحدة من جديد إلا في حالة تراجع ترامب عن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي.
وعبرت طهران وواشنطن أكثر من مرة عن عدم رغبتهما في خوض حرب. لكن هذا لم يسهم بشيء يذكر في تهدئة المخاوف من انزلاق البلدين إلى أتون صراع مسلح.
وقال مسؤول أمريكي لرويترز إن صاروخ سطح-جو انطلق من إيران صباح يوم الخميس مستهدفاً طائرة مسيرة أمريكية كانت بالقرب من الناقلة فرنت ألتير بعد الهجوم عليها مشيراً إلى أن الصاروخ لم يصب الطائرة المسيرة.
وقال باتريك شانهان القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي إن بلاده «تخطط للتعامل مع مختلف الحالات الطارئة» في رد على سؤال عن إرسال مزيد من القوات للمنطقة لكنه أضاف أن التركيز ينصب الآن على التوصل لإجماع دولي.
فقد أصيبت ست ناقلات نفط خلال الأيام الثلاثين الماضية في هجومين قرب مضيق هرمز الذي يمر عبره نحو خمس شحنات النفط العالمية.
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين لرويترز «لا نعتقد أن هذا قد انتهى»، في إشارة إلى احتمال وقوع المزيد من الهجمات.
والآن العالم يخشى من تكرار حرب الناقلات المدمرة
والآن مع تكرار الهجمات على الناقلات في الخليج، تعيد هذه الأحداث واحداً من الفصول المأساوية في تاريخ المنطقة حرب الناقلات التي وقعت في الثمانينيات.
هذه الأحداث، تذكر بمجريات الحرب بين إيران والعراق (1980-1988)، إذ اشتعلتحرب الناقلات بين البلدين وحلفائهما، واستهدفت في تلك الفترة الزمنية، 543 ناقلة نفط وسفينة في مياه الخليج، بينها 160 سفينة أمريكية استهدفتها إيران، وإغراق أكثر من 250 ناقلة نفط عملاقة.
فخلال الحرب بين إيران والعراق، انحازت الدول العربية -باستثناء الجزائر وليبيا وسوريا- للعراق، وشرعت إيران في استهداف ناقلات النفط الكويتية، فطلبت الكويت حماية أميركية، تردَّدت واشنطن أولاً في تقديمها، ثم قررت نشر سفن حربية في الخليج لمرافقة الناقلات الكويتية. وذلك في وقت تبادلت فيه بغداد وطهران مهاجمة السفن المحملة بالنفط لحرمان بعضهما بعضاً من عائدات النفط.
وقعت «حرب الناقلات» في ذروة الحرب الكبرى بين إيران والعراق، خلال السنوات الأخيرة من إدارة الرئيس الأميركي، رونالد ريغان. فمع خسارتهم ساحة المعركة، قرر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله الخمينى، آنذاك، إغلاق الخليج العربي في وجه السفن المحملة بالنفط العراقي، التابعة للدول الداعمة لصدام حسين، وعلى رأسها الكويت والإمارات.
هددت إيران بأنها لن تترك طرق الملاحة آمنة في الخليج إذا ما بقي الطريق إلى مينائها النفطي في جزيرة «خرج» مهدداً، وشهد ربيع عام 1984 مهاجمة السفن الكويتية والسعودية.
ففي 13- 14 مايو قصفت الناقلتان الكويتيتان (أم القصبة) و(بحرة)، وفي 16 مايو، قُصفت الناقلة السعودية (مفخرة ينبع) في ميناء «راس تنورة» السعودي.
وبعدها طلب الكويتيون المساعدة من الغرب، وبالفعل أرسلت الولايات المتحدة أسطولاً إلى الخليج، رافعين العلم الأميركي فوق الناقلات التجارية الكويتية.
أكبر معركة بحرية للأمريكيين منذ الحرب العالمية
يقول الكاتب الأمريكي، لي ألن زاتاريان، في كتابه الصادر في يناير 2009 «حرب الناقلات: أول حرب لأمريكا ضد إيران 1987-1988″، إن هذا التدخل أدى إلى ساحة صراع مفتوحة، حيث زرع الإيرانيون الألغام في مضيق هرمز وأطلقوا قوارب هجومية ضد كل من الناقلات والسفن الحربية الأمريكية.
وبالفعل اصطدمت سادس أكبر سفينة في العالم، الناقلة الأميركية «إس إس بريدجستون»، في 24 يوليو/تموز 1987، بلغم إيراني وغرقت.
وخاضت بعدها القوات البحرية الأمريكية أكبر معركة منذ الحرب العالمية الثانية ضد زوارق هجوم آية الله.
رغم هزيمة إيران فإن هذه الحرب جعلتها أكثر تطرفاً
يقول بروس ريدل، مدير مشروع الاستخبارات لدى مركز بروكينجز، إن «الحرب الأمريكية الأولى مع إيران ساعدت في جعل إيران دولة أكثر تطرفاً وتشدداً. واحتمال نشوب حرب ثانية قد يفعل الشيء نفسه. وبالتالي، قد تثبت الحرب الأخرى مع إيران لوقف برنامجها النووي في النهاية أنها المحفز الذي يدفع إيران للحصول على ترسانة أسلحة نووية خطيرة. وبدلاً من وقف الانتشار النووي، سيتم التحريض عليه أكثر»
«الدرس الأساسي للحرب في الثمانينيات هو أنه من السهل بدء صراع مع إيران ومن الصعب للغاية وضع حد له»، لكن ريدل يشير إلى درس آخر من الحرب الأولى وهو أن «إيران لن تخيفها الولايات المتحدة بسهولة. فبحلول عام 1987، دمرت الحرب إيران، ودمرت العديد من مدنها وأضرت بشكل كبير بصادراتها النفطية التي وصلت إلى نقطة ضئيلة، وبالتالي تضرر اقتصادها.
لكنها لم تتردد في قتال البحرية الأمريكية في الخليج واستخدام وسائل غير متماثلة للرد في لبنان وفي أي مكان آخر. حتى مع غرق معظم قواتها البحرية من قبل القوات البحرية الأمريكية، استمرت إيران في القتال واستمر الشعب الإيراني في التجمع خلف الخميني».
هل يتدخل العالم لحماية تجارة النفط؟
الولايات المتحدة تبحث مع حلفائها مجموعة من الخيارات بشأن كيفية حماية الملاحة الدولية في خليج عمان بعد إصابة ناقلتين نفطيتين بمياه خليج عمان، حسبما نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين أمريكيين.
وقال خبراء ومصادر في الخليج إن الولايات المتحدة وحلفاءها قد يضطرون لتخصيص وحدات مرافقة أمنية لحماية السفن التجارية، للحيلولة دون وقوع مزيد من الهجمات في ممرات شحن النفط بالخليج.
لكن حتى إذا تم تسيير مثل هذه الحراسات فإن استخدام القدرات البحرية والجوية التقليدية لدول الخليج والدول الغربية -التي تتولى حفظ الأمن في المياه التجارية الحيوية- قد يكون محدوداً أمام تكتيكات الحرب في العمليات الأخيرة، ومنها الألغام البحرية.
وذكرت ثلاثة مصادر في الخليج أنه توجد خيارات محدودة، منها طرح تدريجي لنظام المرافقة الأمنية الذي استخدم في «حرب الناقلات» إبان الحرب الإيرانية العراقية خلال الثمانينيات من القرن الماضي ولاحقاً في هجمات القراصنة الصوماليين، وتطبيق قواعد اشتباك جديدة، والقيام بعمليات لإزالة الألغام.
وقال أحد المصادر الخليجية «إن الأمريكيين وغيرهم يتحدثون عن الحاجة لتعزيز الأمن داخل مسارات الشحن وحولها وحماية السفن التجارية كخطوة أولى، والقدرة على إطلاق النار على زوارق سريعة معادية حال اقترابها من مثل هذه السفن وفقاً لقواعد اشتباك جديدة».
وأضاف «قد ترى قوى أخرى إرسال سفن حربية في النهاية، إنها عملية بطيئة الآن في ظل تحسس الخطى داخل الأمم المتحدة ولبناء تحالف».
المشكلة أن حماية الناقلات صعبة بسبب طبيعة مضيق هرمز
وقال مصدر آخر إن إرسال واشنطن وحلفائها قوافل بحرية لمرافقة الناقلات سيحتاج دراسة للوقوف على جدوى ذلك في ظل حركة النقل المزدحمة في الممر المائي الضيق. وتهدد هذه الخطوة أيضاً بتفاقم التوتر.
ويسجل عرض مضيق هرمز 33 كيلومتراً في أضيق نقطة، ويبلغ عرض الممر الملاحي نحو ثلاثة كيلومترات فقط في كلا الاتجاهين.
وشبه الرئيس التنفيذي لمجموعة أكسفورد للأبحاث ريتشارد ريف تفادي هذا النوع من الهجمات في البحر بتفادي الهجمات بعبوات ناسفة بدائية أو الهجمات الانتحارية على العسكريين في البر.
وقال مدير إدارة الأمن والأزمات في رابطة ملاك السفن النرويجية جون هامر سمارك «يصعب جداً على السفن التصدي للتهديد الماثل أمامها في هذه المنطقة».
وأضاف سمارك لرويترز «ينبغي على المجتمع الدولي التحرك وفقاً للإجراءات المتاحة لديه، خاصة الهيئات الحكومية، وإذا ازداد هذا الأمر سوءاً فإن الملاحة أو جزءاً منها على الأقل ستتوقف».
والأمر قد ينتهي إلى أن يحارب العالم إيران
وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري رياض قهوجي إنه إما أن يتمكن المجتمع الدولي من دفع واشنطن لتخفيف نهجها تجاه إيران أو أن الهجمات المتواصلة ستشجع على ممارسة ضغط عالمي على الجمهورية الإسلامية.
وأضاف قهوجي «إذا اندلعت حرب فستكون بين المجتمع الدولي وإيران، لا يريد أي طرف أن ينزلق بمفرده إلى حرب مع إيران».
وأوضح أن العبء سيقع على عاتق القوى الغربية -ولا سيما الولايات المتحدة ولكن أيضا فرنسا وبريطانيا- لحماية مياه المنطقة.
وقد يرسل الجميع سفنهم للخليج حتى الروس والصينيين
وقال «لن أندهش إذا أرسل الصينيون واليابانيون سفناً لمرافقة الناقلات والسفن التي ترفع أعلامهم على الأقل»، في إشارة إلى اعتمادهم على نفط الخليج.
ويشبه الموقف الراهن ما حدث خلال حرب الناقلات التي نشبت عام 1984 خلال الحرب بين العراق وإيران والتي استمرت ثماني سنوات، ونفذ الجانبان آنذاك هجمات على ناقلات وسفن تجارية في الخليج، في تصعيد هدد إمدادات النفط العالمية وتسبب في تدويل الصراع.
وقدرت لويدز لندن -وهي شركة للتأمين- أن تلك الحرب أسفرت عن إلحاق أضرار بنحو 546 سفينة تجارية وقتل ما يصل إلى 430 بحاراً مدنياً.
وقال المصدر الثاني من منطقة الخليج «ما يحدث الآن أمر مختلف، هذا ليس صراعاً مفتوحاً، كيف نحمي الممرات المائية ولأي مدة من الزمن هو سؤال مهم، لا نريد حرباً».