محطات عربية للبابا فرنسيس
لا شك في أن زيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى دولة الإمارات تستحوذ على اهتمام إعلامي عالمي، باعتبارها أول زيارة لرأس الكنيسة الكاثوليكية إلى دولة خليجية، إلا أن هذه ليست محطته العربية الأولى.
وتأتي زيارة البابا في الفترة بين 3 و5 فبراير تجسيدا للحوار بين الأديان ونشر التسامح والاعتدال والمحبة في العالم، كما تلقي الضوء على التنوع الثقافي والتسامح الديني في دولة الإمارات، التي تمثل رمزا ونموذجا للتعايش والإخاء والتسامح والأمن والأمان.
وزيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات، ليست الأولى عربيا له، إذ سبق له أن زار كلا من الأردن وفلسطين عام 2014، ومصر عام 2017، كما أنه سيزور المغرب في مارس 2019.
محطة الأخوة الإنسانية والتسامح
ومن المنتظر أن يشارك البابا فرنسيس في حوار عالمي بين الأديان، تستضيفه العاصمة الإماراتية أبوظبي، حول “الأخوة الإنسانية”.
ووصف مدير العام للمركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الاردن، الأب رفعت بدر، مفهوم المؤتمر بأنه “من أجمل التعبيرات التي تتفوق على كلمة الحوار والعيش والمشترك، وصولا إلى اعتبار الأسرة البشرية بيتا دافئا للأخوة والأخوات بدون تمييز”، مضيفا أنها تتزامن أيضا مع إعلان الإمارات عام 2919 “عام التسامح”.
والزيارة التاريخية ستكون الأولى للبابا في منطقة الخليج العربي. وتحرص الإمارات على نشر قيم التسامح والتعايش والسلام باعتبارها الركيزة الأساسية في تعزيز أسس الأمن والاستقرار بين شعوب المنطقة والعالم.
وتعد الإمارات نموذجا في التسامح والتعايش الإنساني بين الثقافات والحضارات وأتباع الديانات المختلفة على أسس سليمة، قوامها الاحترام المتبادل وقبول الآخر وإشاعة روح المحبة والسلام.
وقال المتحدث باسم الفاتيكان، غريغ بوركي: “هذه الزيارة، مثل زيارته لمصر (في عام 2017) تظهر الأهمية الكبيرة التي يوليها البابا للحوار بين الأديان. زيارة البابا فرنسيس للعالم العربي مثال رائع لثقافة التلاقي”.
الأردن.. أول محطة بابوية
في الرابع والعشرين من مايو 2014، توجه البابا فرنسيس إلى الأردن لتكون أول محطة عربية له منذ انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية العالمية.
ومنذ البداية، حملت زيارة البابا فرنسيس إلى الأردن العديد من رسائل الأمن والتعايش، كما وردت على لسان البابا في كلماته وخطاباته.
وكغيرها من الزيارات التي يقوم بها البابا، كان الهدف منها هو ترسيخ أواصر المحبة والتسامح والإخاء بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز رسالة السلام بين الأديان السماوية.
وفي كلمة له خلال استقبال رسمي أقامه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، شكر البابا الله على هذه الزيارة وقال “على خطى أسلافي.. بولس السادس، يوحنا بولس الثاني، وبندكتس السادس عشر”.
يشار إلى أن البابا زيارة فرنسيس للأردن، هي الرابعة لبابوات الفاتيكان، إذ سبقه إليها البابا بولس السادس عام 1964، ثم يوحنا بولس الثاني عام 2000، وبعده بتسعة أعوام، زارها البابا بندكتس السادس عشر.
وخلال الزيارة أقام البابا فرنسيس قداسا حاشدا في ستاد عمان الدولي، كما زار موقع المغطس، في بيت عنيا، حيث تعمد يسوع المسيح على يد يوحنا المعمدان.
توجه البابا فرنسيس صباح 25 مايو 2014 إلى مدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، قادما من الأردن، حيث كان في استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ومنذ البداية، حملت زيارته دلالات، إذ أصبح بوصوله إلى بيت لحم أول بابا يسافر مباشرة إلى الضفة الغربية بدلا من الدخول عبر إسرائيل، وهو القرار الذي حظي بترحيب المسؤولين الفلسطينيين بوصفه اعترافا بحملتهم من أجل إقامة وطن كامل.
ودعا البابا فرنسيس، بعيد وصوله، إلى مضاعفة الجهود والمبادرات لتحقيق السلام وإيجاد حل يصل فيه الجميع إلى حياة كريمة، وقال “آن الأوان لإنهاء الصراعات التي أدت لنتائج مأساوية وجراح يجب تضميدها”.
وأقيم في كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، المدينة التي ولد فيها عيسى المسيح، قداس كبير حضره نحو 10 آلاف شخص تلقوا دعوات.
والتقى البابا فرنسيس أيضا مع أطفال من مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين، وتناول طعام الغداء مع عائلات فلسطينية في تعبير عن بساطته وإنسانيته، حيث اختار أن يكون وسط أفراد الشعب العاديين.
ومن المدلولات السياسية لزيارته، أكد البابا على حق اسرائيل في الوجود والسلام والأمن، لكنه أكد أيضا على حق الشعب الفلسطيني في أن تكون له دولته المستقلة ذات السيادة.
ودعا البابا إلى الاعتراف بـ”الطابع المقدس والدولي لمدينة القدس.. وإرثها الثقافي والديني”، الذي يجعل منها مكانا لحج جميع المؤمنين من أتباع الديانات التوحيدية الثلاث.
البابا “يحج للسلام” إلى مصر
وفي 28 أبريل 2017 زار البابا فرنسيس مصر، للمرة الأولى منذ 17 عاما، إذ زراها آخر مرة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2000.
وقبل توجهه إلى مصر، أعلن بابا الفاتيكان، في تغريدة نشرها على صفحته في تويتر، أنه يزور مصر بصفته “حاجا للسلام”.
كذلك كانت زيارته من أجل “إقامة جسر جديد مع المسلمين وإظهار تضامنه مع الأقباط في مواجهة الإرهاب”، خصوصا أنها جاءت بعد حادث تفجير كنيستين للأقباط في أسبوع واحد.
وخلال الزيارة التقى البابا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبابا الأقباط تواضروس، كما التقى شيخ الأزهر، الإمام الأكبر أحمد الطيب بعد شهرين من استئناف الحوار بين الأزهر ووفد الفاتيكان.
وخلال الزيارة، سعى البابا إلى تعزيز العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والمسيحيين الأرثوذوكس، وكذلك إلى تعزيز الحوار بين الأديان، والثقافات باعتباره ضرورة لمستقبل البشرية، ومن هنا جاءت مشاركته في “مؤتمر الأزهر العالمي للسلام”، حيث أكد في كلمة له نبذه “للبربرية” التي تدعو إلى العنف وقال “إن العنف يولد العنف والشر يولد الشر”.
“خادم الأمل” في المغرب
بعد زيارته إلى أقصى الشرق العربي، في فبراير، سيتوجه البابا في مارس المقبل، إلى أقصى غربه، حيث تقررت زيارته إلى المغرب بين 30 و31 منه.
وكشف الفاتيكان، عبر موقعه الرسمي، عن شعاره لهذه المناسبة، وجاء بعنوان “البابا فرنسيس خادم الأمل.. المغرب 2019”.
وتأتي زيارة البابا فرنسيس إلى المغرب بعد 33 سنة على الزيارة التي قام بها البابا يوحنا بولس إلى المملكة عام 1985.
ومن المنتظر أن يناقش خلال الزيارة، التي تشمل جولة في مدينتي الرباط والدار البيضاء، القضايا المرتبطة بالتعايش الديني وقضايا الهجرة.