مجموعة العشرين تتوصل إلى حل توافقي وتحذّر من خطر التوترات التجارية
في جو خيّم عليه الخلاف الصيني-الأمريكي، ألقى وزراء المالية وحكام المصارف المركزية لدول مجموعة العشرين الضوء الأحد على “المخاطر” المرتبطة بتصاعد التوترات التجارية، رغم تحفظات الولايات المتحدة.
ولم يصدر البيان الختامي للاجتماع إلا بعد محادثات طويلة و”معقدة” بين الولايات المتحدة والدول الأخرى الأعضاء في المجموعة.
ودارت المحادثات، وفق بعض المشاركين، حول سطر واحد في البيان، فيما قال مصدر مطلع على مجراها إنّ “الأجواء كانت متوترة، واستغرقت المفاوضات حوالى ثلاثين ساعة”.
وشدد المشاركون في الاجتماع المنعقد في اليابان على أن “النمو العالمي في طور الاستقرار على ما يبدو (…) لكنه يبقى ضعيفا ولا تزال مخاطر التدهور قائمة. والأهم أن الخلافات التجارية والجيوسياسية تكثفت”، وفق نص البيان الذي اطلعت عليه وكالة فرانس برس قبل نشره رسمياً.
-“هم في مواجهة الجميع”
وصدر الموقف المخالف الوحيد عن الولايات المتحدة التي باتت الطرف المثير للبلبلة والذي قلب النظام التعددي. وهي مقتنعة بأنّ المسألة التجارية غير مسؤولة عن التباطؤ الاقتصادي، وذلك في مواجهة شركاء يلوّحون بشكل موحد بخطر التصعيد بين بكين وواشنطن.
وقال المفوّض الأوروبي للشؤون الاقتصادية بيار موسكوفيسي “لن أقول إنّهم هم في مواجهة الجميع، ولكنها (صورة) شبيهة جداً بذلك”.
وتابع “لم تكن المهمة سهلة، ليس الأمر مثالياً، ولكنّ النتيجة جيدة”. وأضاف “بذلنا جهداً لنعكس في البيان إرادتنا لمكافحة الحمائية”.
بدوره، أكد وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير أنّ “كل نقاشاتنا أظهرت القلق البالغ جداً إزاء خطر حرب تجارية”. وقال لوكالة فرانس برس على هامش الاجتماع “إنّ حرباً تجارية سيكون لها تأثير سلبي مباشر على اقتصادنا وحياتنا اليومية ووظائفنا، ونريد تجنبه بأي ثمن”.
وكانت النبرة مماثلة في خطاب المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد التي أعلنت، في بيان، أن “الخطر الرئيسي ناجم عن الخلافات التجارية المتواصلة”، مؤكدة أنّ “الطريق أمامنا لا يزال محفوفاً بالمخاطر”.
أما الصين فحرصت خلال اللقاء على “الحفاظ على موقف هادىء”، وفق موسكوفيسي.
والتقى وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشن في فوكوكا باليابان حاكم المصرف المركزي الصيني يي غانغ، وتحدث في وقت لاحق عبر تويتر عن نقاش “بنّاء” و”صريح حول المسائل التجارية”.
ولكنّه حذر من أنّه يجب عدم انتظار حصول تقدّم قبل قمة مجموعة العشرين المرتقبة نهاية حزيران/ يونيو في اوساكا، حيث ستطرح الأمور بين أعلى هرمي السلطة في البلدين، الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جينبينغ.
-تقدّم بشأن غافا-
وفي انتظار حل محتمل للخلاف بين أكبر قوتين عالميتين، فإنّ المصارف المركزية الكبرى، التي كان حكامها حاضرين في فوكوكا، تبقى في حال ترقب وعلى استعداد للتدخل عند الضرورة، ولو أن هامش التحرك أمامها بات محدوداً بعد التدابير المكثفة التي اضطرت إلى اتخاذها منذ الأزمة المالية قبل عشر سنوات.
وأكد حاكم بنك اليابان هاروكيهو كورودا لزوم الحذر حيال “الغموض” المحيط بمستقبل الاقتصاد.
في الأثناء، هيمن موضوع آخر على اجتماع مجموعة العشرين، هو إصلاح نظام الضرائب على مجموعات الإنترنت الكبرى، وهيمن التوافق على ما يبدو في هذا المجال رغم الانقسامات حول النهج الواجب اتباعه.
ووعد المسؤولون الماليون للاقتصادات الكبرى في العالم ب”مضاعفة الجهود” بغية “إعادة العدالة الضريبية إلى الساحة الدولية”، وفق تصريح برونو لومير.
والهدف هو التوصل إلى اتفاق نهائي بحلول العام 2020، وهو ما بات من الممكن تحقيقه مع تبديل الولايات المتحدة موقفها، بعدما كانت تعرقل المفاوضات حول هذا الموضوع منذ سنوات.
والفكرة هي في فرض ضرائب على شركات الإنترنت الأربع الكبرى المعروفة بمجموعة “غافا”، وهي غوغل وآبل وفيسبوك وأمازون، استناداً إلى البلد الذي تسجّل فيه مداخيلها، وليس استناداً إلى حضورها المادي، أي المكان الذي تتواجد به مكاتبها.
وشرح برونو لومير أنّه “من الضروري” إقامة النظام الضريبي على القطاع الرقمي، وأضاف أنّه “من الضروري بنفس القدر فرض نظام حد أدنى من الضرائب على الشركات (المتعددة الجنسيات) للتصدي بقوة للتهرّب الضريبي الذي يثير بشكل محق مواطنينا”.
غير أن خلافات مهمة لا تزال قائمة حول سبل تطبيق ذلك، إذ تدعو واشنطن إلى مقاربة واسعة النطاق في هذا المجال، لا تقتصر على القطاع الرقمي.
وعلّق موسكوفيسي “بالطبع لا تزال ثمة مشاكل للحل، ولكن إذا استمررنا بهذا النسق، سيكون الأمر قابلاً للتحقق”. واوضح أنّ الأمر “يتعدى إمكان تحققه، إذ لا بدّ من التوصل إلى اتفاق في 2020”.