متى يتعلم نتنياهو معنى الاحتجاج الشعبي بعيداً عن المصلحة الشخصية؟
قال لي صديق جيد ومعلم شاب إن ضميره يؤلمه. خلال أسابيع خاف من إحضار أولاده إلى المظاهرة بسبب عنف مؤيدي نتنياهو. السبت الماضي، لم يستطع تحمل مزيد من الوخزات في قلبه ووقف على الجسر مع أولاده. وقد حملوا أعلام إسرائيل وراح يراقب وينظر إلى كل الجهات بأرجل مرتجفة. علينا ألا نخاف الآن.
الاحتجاج ضد نتنياهو يتعاظم، إنه احتجاج شعبي ومذهل بجماله. وكل واحد من المشاركين والمشاركات هو قائد بنفسه، بدلاً من قيادة رسمية. وكلما زاد الاحتجاج فسيحطم تحالف الفساد. وليس غريباً أن يخافه نتنياهو. لذلك، تحرص أبواق اليمين على أن تلصق بالمحتجين دوافع غريبة وادعاءات بأن الأمر يتعلق باحتجاج تآمري قام به معارضوه. “ليس شعبياً، بل هو وهمي”، هذا أسلوب معروف، لكن الانتظام الشعبي في نظر كتاب اليمين أمر غير مفهوم ولا بد أن يكون هناك سبب لذلك، وفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية.
نتنياهو هو السياسي الوحيد الذي صعد إلى السلطة باحتجاج تم تنظيمه بتمويل أجنبي. وهكذا كان الأمر: عندما كان رئيس المعارضة، نظم تبرعات في الخارج لاحتجاج جنود الاحتياط ضد إيهود أولمرت، وقام بتبديل أجهزة الهاتف لمنع التشخيص. ومثلما نشر رفيف دروكر – تجنيد لصالح جمعية “إذا شئتم” التي اهتمت بهذه الاستراتيجية. ليس مفاجئاً أن تمول جمعية “إذا شئتم” التماساً للمحكمة العليا ضد الاحتجاج في بلفور وهي تقود المظاهرات أمام رئيسة المحكمة استر حيوت. ومن غير المعقول أن من يحذر بأن الاحتجاج ممول ويصرخ أمام كل الميكروفونات، هو نفسه السياسي المتورط في تمويل الاحتجاج –الفاشل– لصالحه. في علم النفس يسمون هذا “إسقاطاً”.
اعتاد اليمين على هذا الأسلوب، ومنذ سنوات وهو في السلطة يحظى بميزانيات ضخمة وبالقوة، وها هو الآن ينظم الاحتجاجات باسم مجلس “يشع”، لتمويل حافلات لمظاهرات ضد الحكومة (لدفعها على بناء المستوطنات) وهذه تضخ إليها أموال ضرائبنا عبر مسار غير مباشر. ليس مفاجئاً أن من تربوا في هذا المناخ يجدون صعوبة في تشخيص احتجاج أصيل: فلا شيء كهذا عندهم.
لذلك، ينشغل وزراء من اليمين في العثور على لوائح ميزانية سرية لتحويل أموال دولة إلى جمعياتهم. والأمر الذي لا يفهمونه أن ليس هناك أموال في العالم، حتى جميع الأموال الموجودة في كازينو أدلسون، قد تصنع احتجاجاً عظيماً مثل الاحتجاج الجاري الآن. آلاف المواطنين الذين تظاهروا ضد فساد الحكومة رغم التشويهات في وسائل الإعلام، وجنرالات في الجيش الإسرائيلي الذين وقفوا لسنوات وحدهم وحملوا لافتة على الشارع، وعشرات الآلاف الذين يتدفقون إلى القدس في وقت وباء خطير – لم يكونوا قادرين على المواصلة من أجل الأموال. إن محفز الوقوف أمام الشتائم وخراطيم المياه العادمة والاعتقالات أكبر من الأجر. عندما تقف في ساحة الحرب فلا تكون قوياً إلا إذا كنت تدافع أيضاً عن عائلتك والمجتمع الذي تعيش فيه، وليس عن نفسك فقط.
في السنوات الأخيرة تلقيت تهديدات بالقتل من مؤيدي منظمات فاشية وعنصرية حاربت من أجل إبعادها عن الكنيست. لو أنهم سألوني ذات مرة إذا كان هذا شيئاً أتحمله، ربما كنت سأقول لهم لا. ولكن في وقت النضال، عندما تكون النار مشتعلة داخلك فسيختفي الخوف. هكذا يشعر كل من يحارب الآن في الشارع أو ينام في الخيمة قرب أسوار بلفور. هو يفهم أن الحكومة تدهورنا نحو الهاوية، وضميره أقوى من رجفات قلوبنا.
الناس الذين يعملون بدافع الايمان وليس لصالح مصلحة شخصية في نظر نتنياهو هم كائنات من الفضاء. ولكن نتنياهو في الواقع هو المقطوع عن الكرة الأرضية. الذي يعيش في إسرائيل يعرف أن عليه التضحية من أجل مستقبل مجتمعنا.