متى تقرر واشنطن أن إيران تتجه نحو المواجهة؟
حسب معرفتنا، الطرفان غير معنيين بحرب، لكن سلسلة من سوء الفهم وحسابات خاطئة يمكن أن تقودهما إلى مواجهة دون أن يقصدا ذلك. هذا التحليل الذي يبدو معروفاً بدرجة كبيرة من جولات القتال الأخيرة بين إسرائيل وحماس ومن ميزان الردع المتبادل الذي يوجد منذ سنوات بينها وبين حزب الله، يتطرقون هذه المرة لجبهة أخرى ـ الجبهة بين الولايات المتحدة وإيران.
هذا استنتاج ديفيد آيجنشيوز، محلل شؤون الخارجية والأمن في صحيفة «واشنطن بوست» في المقال الذي نشره قبل يومين. هذه الأقوال كتبت في أعقاب التصاعد الدراماتيكي في التوتر في الخليج الفارسي في الأيام الأخيرة: الادعاءات بشأن نية إيران ضرب أهداف لأمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط، تحذيرات أمريكا لإيران وإرسال حاملة الطائرات «ابراهام لنكولن» إلى المنطقة وإعلان طهران بشأن نيتها تقليص جزء من الالتزامات التي أخذتها على نفسها في إطار الاتفاق النووي.
حسب ما يقول آيجنشيوز الذي له اتصالات ممتازة مع المؤسسة الأمنية الأمريكية، فإن أجهزة المخابرات في واشنطن غيرت قبل أسبوعين تقديرها بشأن مخططات إيران. حتى ذلك الوقت اعتقد الأمريكيون بأن الإيرانيين معنيين بـ «استيعاب» الضغط الاقتصادي والسياسي الذي تمارسه واشنطن، والبقاء في إطار الاتفاق (الذي انسحبت إدارة ترامب منه قبل سنة) والانتظار لسنة ونصف على أمل أن يخسر دونالد ترامب في الانتخابات القادمة للرئاسة.
حسب أقواله، يبدو الآن أن الاستراتيجية تتغير، سواء لأن الإيرانيين متأثرون من ضغط العقوبات الاقتصادية الأمريكية أو لأنهم قلقون الآن أكثر من إمكانية انتخاب ترامب مجدداً في تشرين الثاني 2020. إضافة إلى الخط المتشكك الذي تبديه إيران بخصوص استمرار تطبيق الاتفاق النووي، وصل إلى أيدي الأمريكيين إنذار استخباري بشأن نية قريبة للمس بصورة مباشرة أو بواسطة مندوبين (المليشيات الشيعية في العراق أو الحوثيين في اليمن) بأهداف أمريكية في المنطقة.
المقال يذكر بإمكانية المس بالقوات الأمريكية في العراق التي فيها الآن أكثر من 500 جندي. تقديرات أخرى وردت في قناة «أخبار 13» في إسرائيل تقول إن معلومات استخبارية نقلتها إسرائيل تطرقت إلى نية إيران مهاجمة المنشآت المتعلقة بتجارة النفط السعودي، كانتقام غير مباشر على خطوة أمريكا إلغاء الإعفاءات للدول الثمانية من الدول التي واصلت شراء النفط من إيران. الحوثيون سبق وأطلقوا صواريخ في تموز الماضي على حاملات للنفط نقلت إرساليات كبيرة من السعودية إلى مصر، من شمال مضائق باب المندب.
مؤخراً نقل مكتب شؤون الأسطول في الولايات المتحدة تحذيراً للسفن التجارية الأمريكية من محاولات ضرب ناقلات النفط في تلك المنطقة أو في مضائق هرمز في الخليج الفارسي. إلى جانب إرسال حاملة الطائرات، التي حسب ما نشر تم تخطيطه مسبقاً، أعلنت أمريكا عن نشر بطارية صواريخ مضادة للطائرات من نوع باتريوت وعن إرسال عدد من قاذفات «بي 52» التابعة لسلاح الجو إلى الشرق الأوسط.
هذه خطوات ليست دراماتيكية جداً لأن نشر القوات الأمريكية محتوم. لكن الطريقة التي تم فيها الإعلان عن هذه الخطوات من قبل الإدارة الأمريكية وبعد ذلك التغطية الإعلامية الواسعة، تعطيها حجم خطوات مدوية تسبق الحرب.
هذا يثير سؤال إذا ما كان الأمريكيين يعملون حسب خطة منظمة وما الذي يريدون تحقيقه؟ هل يريد ترامب-الذي هو غير متحمس لشن حرب أخرى في الشرق الأوسط-إعادة إيران إلى التفاوض على اتفاق جديد بشروط أفضل؟ (أمس جاء في الـ «سي.ان.أن» بأن الأمريكيين حولوا لإيران من خلال سويسرا رقم هاتف يمكنهم من خلاله التحدث مع الرئيس ترامب)، أو أن الجناح الأكثر صقورية في الإدارة ومنهم أشخاص مثل مستشار الأمن القومي جون بولتون، يريد أن يشن حرباً ضد إيران ليفرض عن طريقها تغييراً للنظام هناك.
في الخلفية هناك ما يكفي من الأمثلة التاريخية بشأن الألاعيب التي تمارسها الحكومات وأجهزة الاستخبارات بالمعلومات الاستخبارية الخام. الحالة الصادمة أكثر بالنسبة للأمريكيين في العشرين سنة الأخيرة تتعلق بسنة 2002، ومن أجل تضليل إدارة بوش بشأن حيازة سلاحاً للدمار الشامل في العراق عشية غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين.
إسرائيل لا تقف الآن وسط الجبهة الحالية بين أمريكا وإيران. مع ذلك، إذا تحقق السيناريو الذي يبدو الآن أقل معقولية، بشأن مصادمة عسكرية ما بين الدولتين، سيكون لذلك تداعيات غير مباشرة حتى على إسرائيل. هذا هو السبب الذي من أجله تبدأ كل محادثة مع شخصية رفيعة في جهاز الأمن في الأسابيع الأخيرة بالوضع في قطاع غزة، لكنها تنتقل بسرعة إلى ما يحدث في الخليج. إيران تستطيع أن تستخدم بعد ذلك ساحات أخرى قريبة من إسرائيل مثل غزة، لبنان وسوريا، كوسيلة تمويه أو مسار غير مباشر للمس بالمصالح الأمريكية أو مصالح حلفائها في المنطقة. ربما هذا هو جزء من الاعتبارات التي تقع في خلفية قرار إنهاء جولة اللكمات الأخيرة مع حماس والجهاد الإسلامي بسرعة، رغم موت أربعة مدنيين وإطلاق 700 صاروخ على جنوب البلاد.