ما هي المدينة الأكثر ارتفاعاً في العالم؟
حين تُلقي نظرة من sky100، أعلى منصة مراقبة في سماء هونج كونج على ارتفاع 100 طابق فوق قمة أعلى مباني المدينة، مركز التجارة الدولي الذي يبلغ طوله 494 متراً، ستحصل على مشهدٍ بزاوية 360 درجة يُطِلُّ على واحدٍ من أشهر خطوط الأُفق في العالم، وهو عبارةٌ عن غابةٍ حضرية تُحيط بإطارها الجبال من الأعلى وميناء فيكتوريا اللامع من الأسفل، مع مجموعاتٍ لا حصر لها من المباني الشاهق المُتكدسة على مقربةٍ من بعضها البعض، لتُشكِّل معاً صورةً تُشبه لعبة تتريس الشهيرة.
ولا عجب أنَّ هذه المدينة ذات الكثافة الواضحة تمتلك أكبر عددٍ من ناطحات السحاب في العالم. فبحسب «مجلس المباني الشاهقة والمساكن الحضرية» الأمريكي، تمتلك هونج كونج 355 مبنى يزيد ارتفاعه على 150 متراً.
لكن امتلاك هذا الشرف لا يعني بالضرورة أنَّ هونغ كونغ هي أكثر مُدِن العالم عمودية. إذ تأتي مدنٌ أخرى على رأس القائمة، اعتماداً على مقاييس أخرى.
أطول المباني حول العالم
وبحسب صحيفة The Guardian البريطانية، وشركة Emporis لأبحاث بيانات البناء، فإنَّ مدينة سول في كوريا الجنوبية تمتلك عدداً أكبر من المباني شاهقة الارتفاع، إذ يبلغ عددها 16,359 مبنى. وتُعرِّف الشركة المبنى شاهق الارتفاع بأنَّه مبنى يزيد ارتفاعه عن 35 متراً، أو 12 طابقاً.
وفي المرتبة الثانية، حلَّت العاصمة الروسية موسكو، إذ تحوي 12,317 مبنى شاهق الارتفاع، وتليها هونغ كونغ التي تضُم 7,913 مبنى فقط.
وحين نتحدَّث عن أطول المباني حول العالم، سنجد أن اسم هونغ كونغ ليس مُدرجاً حتى على قائمة العشر الأوائل. إذ يحتلّ «برج خليفة» في دبي المركز الأول، بارتفاع 828 متراً. وتمتلك دبي 50 ناطحة سحابٍ تحت الإنشاء، وهو رقم يتجاوز أيّ مدينةٍ أخرى.
وتشمل تلك الأبراج تحت الإنشاء «برج خور دبي» الذي سيبلغ ارتفاعه 1,300 متر، ومن المتوقع الانتهاء من إنشائه عام 2020، ليُصبح أطول مبنى جرى بناؤه على الإطلاق.
وفي الوقت ذاته، تُعتبر مدينة شنجن الصينية الجنوبية رائدة العالم في مجال إتمام بناء ناطحات السحاب الجديدة. إذ نجحت في الانتهاء من بناء 14 ناطحة سحاب في العام الماضي، مُتفوِّقةً على دبي التي أتمَّت بناء 10 ناطحات سحابٍ فقط. وهذا هو العام الثالث على التوالي الذي تنتهي فيه مدينة شنجن من بناء أكبر عددٍ من المباني، التي يتجاوز ارتفاعها 200 متر، في العالم؛ لتستحوذ على حوالي 10% من إجمالي ناطحات السحاب حول العالم.
حدودهم السماء
هل هُناك ارتفاعٌ لا يجب أن نتجاوزه؟ يقول دانييل سافاريك، من «مجلس المباني الشاهقة والمساكن الحضرية»: «من الناحية العملية، تستطيع الهندسة الهيكلية اليوم تيسير بناء مبنى يصل ارتفاعه إلى 2000 متر، لكنّ بناءه سيكون مُكلِّفاً للغاية. وحتى لو كُنَّا نمتلك مباني شاهقة الارتفاع للغاية بالمقاييس المُعاصرة، فإنَّ المُهم هو تقسيمها إلى مستويات تسمح للبشر بالتواصل مع بعضهم البعض. ولا شكَّ أنَّه من الرائع امتلاك منظرٍ قيادي، ولكن من الضروري أيضاً امتلاك تفاعلات مُتساوية».
ويرغب بعض المهندسين المعماريين والمُصمِّمين الحضريين -خاصةً مجموعةٌ تُدعى Vertical City- في رفع الحياة العمودية إلى مستويات جديدة. إذ يتوقَّعون مُستقبلاً نعيش فيه داخل أبراج عملاقة مترابطة، تحتوي كلٌّ منها على كافة مُقوِّمات المدينة داخل بناءٍ واحد، حتى لا تُضطر -نظرياً- إلى مغادرة المبنى في حال لم ترغب في ذلك.
ويزعم كينيث كينغ وكيلوغ وونغ، المُهندسين المعماريين وراء مشروع Vertical City، أنَّ الحل من أجل الوصول إلى الحياة المُستدامة يكمُن في مشروعهم.
ويقولون: «مبانٍ شاهقة الارتفاع، عالية السعة، وشديدة الكفاءة، تحتلُّ قطعة أرضٍ صغيرة نسبياً وخالية من السيارات وصديقة للمُشاة. ويحتوي هذا المكان في داخله على كافة ميزات الاستدامة الذاتية من البنية التحتية، والمباني، والمرافق، والخدمات الضرورية لتحسين مستوى الحياة والعمل والثقافة والترفيه والرياضة والإبداع والرفاهية في حياة السُكَّان».
وربما ليست تلك الأبراج العملاقة المترابطة -أو مبانٍ تُشبهها- أمراً بعيد المنال. إذ قال سافاريك: «أعتقد بالتأكِّيد أنَّ بعض الناس سيعيشون داخل تلك المجمعات السكنية المُترابطة، خاصةً داخل المُدن ذات الكثافة السكانية العالية. ويُوجد مُجمَّع مبانٍ سكنية بالفعل داخل مدينة تشونغ تشينغ الصينية، يحمل اسم Raffles City، وهو بحجم مدينةٍ صغيرة وشارفت أعمال إنشائه على الانتهاء. وسيحتوي ذلك المُجمَّع على واحدٍ من أطول وأعلى الجسور المُعلَّقة في العالم.
برج داخل برج
ويعتقد لاب شي كوونج، وشريكته الأمريكية أليسون فون جلينو، أنَّ تصميم «البرج داخل برج» ربما يكون قد توصَّل إلى حلٍّ للمساعدة في مُكافحة مُشكلة الافتقار إلى التفاعل المجتمعي والاجتماعي، والتي تنتُج عن الحياة في المباني شاهقة الارتفاع، عن طريق مُساعدة الناس على لقاء جيرانهم.
ويتألَّف «البرج داخل برج» من مبانٍ سكنية حين تُبنى الوحدات السكنية عمودياً -وتتكدَّس الغرف فوق بعضها البعض في كل وحدة- بدلاً من الشُقِق الأُفقية المُعتادة التي تعوق التفاعل مع الجيران.
وقالت أليسون: «اعتقدنا أنَّ هذه الفكرة ستلقى اهتماماً خاصاً في هونج كونج، لأنَّها مدينةٌ عمودية من النوع الذي سيُمكِّن الناس -باستخدام «البرج داخل برج»- من العيش عمودياً بالفعل وتجربة الحياة على عدة طوابق، بدلاً من الاكتفاء بطابقٍ واحد داخل المبنى. وتناولنا مسألة خلق المزيد من المُجتمعات القابلة للعيش داخل تصميم البرج عن طريق إلغاء الممرات. وصمَّمنا بدلاً من ذلك مساحات دائرية يُمكن أن تكون أكثر مرونةً لتخلق ما نعتقد أنها ستكون مساحات أكثر ملاءمةً للمجتمع داخل البرج».
ولم تتبنَّ شركات التطوير العقاري فكرة إدخال الشقق العمودية من أجل خلق المزيد من المساحات الصالحة للتفاعل بين الجيران، لكن أليسون وشريكها ما يزالان مُتمسكان بالأمل. «تقوم فكرة البرج داخل برج على مساحاتٍ فريدة من نوعها تتكرَّر كل 4 طوابق، وليس كل طابقٍ واحد، لذا سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن ترغب شركات التطوير العقاري أن تُشارك في مشروعٍ من هذا النوع. لكننا مُتفائلون».
والجدل لا يزال مفتوحاً حول ما إذا كانت هونغ كونغ بأكبر عددٍ من ناطحات السحاب، أو سول بأكبر عددٍ من المباني شاهقة الارتفاع، هي أكثر مُدن العالم عموديةً. وفي الوقت ذاته، تبني دبي والعديد من المدن الصينية ناطحات سحابٍ جديدة سنوياً، ولكن ذلك قد يتوقَّف في أيّ يوم. والمُؤكَّد هو أنَّ المُدن العمودية ستُواصل صعودها، في ظل تزايد أعداد السكان الحضريين ومحدودية مساحة الأرض المُتاحة.