ما هي الأسباب التي دفعت بكين للدخول إلى ساحة القتال في سوريا؟
تجنَّبت الصين لزمنٍ طويل التورُّط في أي نزاعٍ عسكري مباشر خارج حدودها. لكنَّ السفير الصيني لدى سوريا ألمح الأسبوع الفائت إلى أنَّ الصين وسوريا ربما يكون لهم اهتمام مشترك الفترة المقبلة من خلال دراسة بكين القيام بهذا، وفي سوريا.
ونقل موقع “ذا ديلي بيست” الأمريكي تصريحات السفير تشي جيان حين والتي صرح بها لصحيفة الوطن الموالية للنظام السوري في الأول من أغسطس، بأنَّ الصين وسوريا ، يتباحثان مشاركة الجيش الصيني في سوريا الذي قال عنه أنه «مُستعدٌ للمشاركة بصورةٍ ما إلى جانب الجيش السوري الذي يقاتل الإرهابيين في إدلِب وفي أي منطقة أخرى بسوريا».
وأشاد تشي بالتعاون العسكري بين الصين وسوريا وقال الملحق العسكري الصيني في سوريا، وانغ روي تشانغ، إنَّ التعاوُن بين الصين وسوريا من خلال جيشيهما «مستمر»
مضيفاً: «نرغَب -نحن-بتطوير علاقات الصين وسوريا ،وتطوير علاقات الجيشين ، وأمَّا بالنسبة للمشارِكة في عملية إدلب، فالأمر يتطلَّب قراراً سياسياً».
الصين وسوريا شهدا تقاربا في مجلس الأمن قبل ذلك
وقال الموقع الأميركي، أنه طالما تناثرت شائعات بأنَّ الصين وسوريا يتعاونان ، من خلا إرسال مستشارين عسكريين أو قوَّات خاصة من الجيش الصيني إلى سوريا، مع أنَّ تلك الشائعات لم تثبت بالدليل إلى الآن ونفتها الصين.
لكن إذا التزمت الصين بتصريحات سفيرها، فمن شأن هذا أن يُمثِّل تخلياً جذرياً مِن جانب الصين وفي العلاقة بين الصين وسوريا عن سياستها السابقة بعدم التدخُّل في الشؤون الخارجية، وتبدُّلاً مهماً في الجيوسياسية الإقليمية.
واشار موقع The Daily Beast الأميركي إلى أنه على الرغم من أن سياسة الصين الخارجية، هي عدم التدخل في شؤون الدول، إلا أنه حين احتدم الصراع السوري، كانت الصين وسوريا في جانب واحد حيث ساندت الصين روسيا، المتدخِّلة بشكلٍ مكثَّف في الصراع إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، باستخدامها حق النقض (الفيتو) على قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كان مِن شأنها أن تضع الصراع السوري تحت المجهر بصورة أكبر.
بل إنَّ حتى ازدياد استخدامها لحق الفيتو قد مثَّل تغيُّراً، بعد أن كانت في السابق تستخدم الامتناع عن التصويت للتعبير عن عدم موافقتها.
لذلك فهناك أسباب لتداخل العلاقات بين الصين وسوريا خلال الفترة المقبلة
وتساءل الموقع الأميركي، حول الدوافع التي من الممكن أن تدفع الصين لتغيير سياسة تبنَّتها لعشرات السنوات وتتورَّط في مستنقع سياسة خارجية في الشرق الأوسط؟
وسرد الموقع الأميركي في معرض رده على التساؤل السابق، ثلاثة أسبابٍ محتملة وهي، الأول: مشروع الرئيس شي جين بينغ للتحديث العسكري.
والثاني: وجود مخاوف متزايدة تتعلَّق بوجود جهاديين صينيين في روسيا ربما يعودون إلى الصين في ظلِّ خمود الحرب تدريجياً.
والثالث: رغبة صينية في تملُّك حصةٍ من عقود إعادة إعمار سوريا المُربحة التي سيطرت على نصيب الأسد منها حتى الآن شركاتٌ روسية وإيرانية.
إذ تمثِّل الكباري والطُرُق والمدارس والمستشفيات والمباني الحكومية المدمَّرة كلها فرصاً لإعادة إعمار محتملة في نظر شركات البناء الجريئة في حال كانت محظوظة بما فيه الكفاية للحصول على عقود تلك المشروعات.
وفيما تراجَعت حدة النزاع، انتزعت شركاتٌ روسية وإيرانية العقود الحكومية المربحة لإعادة إعمار البنية التحتية في البلاد.
وحتى الآن، حلَّت الشركات الصينية في المرتبة الثالثة مُتخلِّفةً بكثير عن نظيراتها الروسية والإيرانية، برغم كَون الاستثمار في البنية التحتية أحد مواطِن قوَّة بكين.
إذ ركَّز الرئيس شي مبادرته الاقتصادية العالمية الشهيرة (المعروفة باسم الحزام والطريق) حول الاستثمار في البنية التحتية.
فضلاً عن ما يراه خبراء، من حاجة الجيش الصيني لمسرح عمليات خارجي لتطوير قدراته العسكرية
وينقل الموقع الأميركي عن أبيغيل غرايس
التي عملت حتى وقتٍ قريب على الملف الآسيوي بمجلس الأمن القومي الأميركي قولها: «مِن منظور التخطيط والقدرة بالنسبة لجيش التحرير الشعبي الصيني، فإنَّهم بحاجةٍ للتطوير وتعميق قُدرتهم على خوض قتالٍ حقيقي. وأن يكون هناك علاقة قوية بين الصين وسوريا
فلا تكفيهم المناورات العسكرية كي يصلوا للجودة العسكرية اللازمة لتطبيق حملة التحديث العسكري بشكلٍ كامل».
وكان هذا أحد أسباب الزيادة الملحوظة في مشاركة الصين بمهمَّات حِفظ السلام.
ففي عام 2015، التزم الرئيس شي بتوفير 8 آلاف جندي لمهمَّات السلام، أي 20% من مُجمَل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
وقال أندرو سمول، وهو زميلٌ أقدم ببرنامج آسيا التابِع لصندوق مارشال الألماني، إنَّ جيش التحرير الشعبي، وهوَ لقب القوَّات المسلَّحة الصينية، بحاجةٍ لمسرح عمليات حيّ خارج الجوار الصيني المباشر يختبر فيه معدَّاته وقدراته.
ليس هذا أمراً مفاجئاً. فقال سمول: «دائماً ما يكون المرجع هنا هو دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إذ تستغل الولايات المتحدة هذه الحروب باعتبارِها وسيلة للتطور».
ورفضت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) التعليق، مُحيلةً أمر الإجابة على الأسئلة المتعلِّقة بالتدخُّل العسكري الصيني في سوريا إلى الجيش الصيني.
وتبقى «مكافحة الإرهاب» السبب الذي سوف تلجأ إليه الصين لترويجه كذريعة لدخول سوريا
ويقول موقع The Daily Beast الأميركي إذاً كيفَ تُبرِّر الصين التدخُّل العسكري في دولةٍ أخرى في حين أنَّ حجر الزاوية في سياستها الخارجية هو مبدأ عدم التدخل.
ويرد الموقع الأميركي، بالقول، هُنا يأتي دور مكافحة الإرهاب. إذ يغلي تمرُّدٌ بسيط شمال غربي الصين ببطء منذ سنوات، حيث ازداد سخط أقليَّة الأويغور الإثنية التي تتحدث بلغة تركية مِن سيطرة بكين على موطنهم.
وفي السنوات الأخيرة، اجتذب الإسلام المتطرِّف عدداً صغيراً من الأويغور، الذين أسَّسوا الحزب الإسلامي التركستاني، وهو حزبٌ إسلامي يهدِف للقتال من أجل نيل الاستقلال.
ترى الصين في الحزب الإسلامي التركستاني خطراً وجودياً
وقد توافَد عدة آلاف من مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني إلى إدلب في السنوات الأخيرة قادِمين من تركيا ومناطق أخرى ازدهر فيها الحزب في جيوب صغيرة للشتات الأويغوري.
وقالت رندا سليم، مديرة برنامج تسوية النزاعات في معهد الشرق الأوسط الأميركي: «هُناك عددٌ من الأويغور الصينيين تمركزوا ومعهم عائلاتهم في قرية خارج إدلب» وباتت لديهم «خبرة أصقلتها الحرب».
وقالت رندا إنَّه مِن مصلحة الصين أن تظل هذه المشكلة داخل سوريا، مضيفةً أنَّ هذا يعني أن «يُقتَل (مقاتلو الحزب الإسلامي التركستاني) أو يقعوا في الأسر وألا يعودوا إلى الصين».
لكن مشاركة الصين في سوريا متوقفة على موافقة روسيا
وهو ما يمكن ان يساعِد الصين في تجنُّب الوقوع في مفارقة بالسياسة الخارجية من شأن التدخل في سوريا أن يُسبِّبها.
وقالت أبيغيل غرايس: «نظراً لأنَّ الوحدة الإقليمية لإقليم شينجيانغ وتبعيته للصين أمرٌ ذو «أهميةٍ جوهرية» للقِيادة الصينية في بكين، فإنَّ محاربة نشاط الأويغور في الخارج (سواءً كان ذلك حقيقياً أم لا) يسمَح لها بالإبقاء على مظهر الاتِّساق المبادئي مع مواقِف السياسة الخارجية المُغايرة، مثل سياسة عدم التدخل».
وفي ظل التعرُّف على وجود الآلاف من مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني في إدلب، «يكون للصين مصلحة في القتال».
لكن قبل أن تتَّخذ بكين قراراً، سيحتاج التدخُّل الصيني إلى موافقةٍ مسبقة من الروس. إذ ترى موسكو القوَّة الخارجية الرئيسية على الأرض في سوريا.
لكن رندا سليم، مديرة برنامج تسوية النزاعات في معهد الشرق الأوسط الأميركي ترى أن قرار بكين بالدخول المسلح في الساحة السورية متوقف على شرط هام وتضيف قائلة: «إن كان هناك من قرارٍ بالمشاركة في معركة إدلب، لاجتثاث جذور كُل الجماعات الإرهابية وإعادة فرض النظام سيطرته على المنطقة»، فإنَّ ذلك سيكون قراراً يُتَّخَذ بين موسكو وبكين.