ما هو الخيار الرابع أمام إسرائيل بعد خطة ترامب “صفقة القرن”؟
تفتح خطة ترامب أمام إسرائيل لأول مرة إمكانية تصميم الواقع في يهودا والسامرة بشكل يخدم احتياجات الأمن القومي. كان أمامها حتى الآن ثلاث إمكانيات خطيرة وضارة. أما الآن فنشأت ظروف جيدة للكفاح في سبيل خيار رابع يعطي جواباً لأساس احتياجاتها.
الخليط الوطني الفلسطيني من العدوان والعنف وانعدام المسؤولية، فرض على إسرائيل أن تختار بين دوام الاحتلال، وضم ملايين الفلسطينيين عملياً إلى سكانها وإقامة دولة سيادية تهدد إسرائيل بمعونة جملة من القوى الراديكالية – العرب، والإيرانيين، وآخرين. المجتمع الفلسطيني وقيادته لا يسعيان لأخذ المسؤولية عن دولة لاعتبارات بناءة في بناء الأمة والمجتمع، بل لإقامة قاعدة لمواصلة الكفاح ضد إسرائيل. لا يوجد في إسرائيل اليوم جهة ذات وزن جماهيري تعرض على الفلسطينيين سيادة حقيقية، بما في ذلك السيطرة على المجال الجوي والإلكترومغناطيسي والسيطرة التامة على المعابر البرية. وباستثناء جهات هاذية في هوامش المعسكر (أو رافعي الشعارات ممن لم يكرسوا تفكيراً لمعناها)، يفهم الجميع بأن كل هذه سيستخدمها الفلسطينيون للكفاح ضد إسرائيل فيلزموا كل حكومة تحب الحياة لإعادة احتلال الضفة، وعندها تعلق هناك إلى الأبد.
الخيار الثاني هو دوام الاحتلال. كون سيادة الفلسطينيين ستكون خطيرة، وتضطر إسرائيل للتحكم بهم لأخذ المسؤولية عن مصيرهم والقيام بالاتصال مع مجتمع غير معني بدماء نفسه إلى جانب دولة إسرائيل.
الخيار الثالث هو استيعاب ملايين الفلسطينيين في داخلنا سواء بالضم الذي يفترض حقوق المواطنة أم بالتذاكيات القانونية التي تنفي استيعابهم بحكم الأمر الواقع. وفي مثل هذه الحالة لا تعود إسرائيل قادرة على أن تسعى بنجاح إلى تحقيق أهدافها الصهيونية، وتبذر مقدراتها القومية وتدهور الدولة اليهودية إلى التخلف وعدم أداء المهام، الأمر الذي تتطلبه التشكيلة السكانية الجديدة.
تنوع الخيارات يخدم التطرف الفلسطيني، لأن هذا التنوع يقوض قصة النجاح الإسرائيلي ويعفي الفلسطينيين من مسؤوليتهم الوطنية. هكذا سيستخدمون مرة أخرى أحد أدوارهم التقليدية: المعتدي في الأول أو الضحية في الاثنين الآخرين. إضافة إلى تضحياتهم التي تنتج مليارات الدولارات سيحظون أيضاً بالعيش في دولة فاعلة، تعرض -تحت الاحتلال العسكري- جودة حياة أفضل من تلك المتوقعة للفلسطيني في مجتمع أبناء شعبه في العالم العربي.
منذ مئة سنة، يوجد بين إسرائيل والقومية الفلسطينية “لعبة مبلغها الصفر”: تفضيل الضار لإسرائيل على المجدي للفلسطينيين. في 1948 فهم بن غوريون بأنهم ليسوا شريكاً لحل وسط تاريخي لتقسيم البلاد وارتبطوا بعبد الله كي يخرج حركتهم الوطنية الهدامة من المعادلة الاستراتيجية.
يمكن لخطة ترامب أن تساعد إسرائيل في أن تملي على الفلسطينيين خياراً رابعاً: فك الارتباط بلا اتفاق، في ظل فرض الحدود والترتيبات الأمنية، بشكل يضر بقدرتهم على إضرار إسرائيل وبناء الذات من مقدراتها. لهذا الغرض، ينبغي ضم الكتل الاستيطانية وغور الأردن لإسرائيل والتثبيت على الحدود الجديدة لعائق صلب يمنع الدخول إلى إسرائيل. يمر الاتصال مع العالم العربي في الرواق في أريحا ويجري برقابة إسرائيلية. غزة تفصل كي لا تسيطر حماس على الضفة. وفقط تحول ثوري في المجتمع والنظام الغزي، يبرر إعادة النظر في هذا الشأن. الجيش الإسرائيلي يحافظ على حرية عمله حتى في الأرض الفلسطينية، ويدخل إلى مدنهم لإحباط الإرهاب إذا لم يفعل الفلسطينيون ذلك بنجاعة بأنفسهم.
لهذا الخيار ثمن أليم، بل ومأساوي، سيتحدى المجتمع الإسرائيلي. فهو يستوجب أرضاً فلسطينية متواصلة لغرض فك ارتباط كامل. من هنا، مطلوب اقتلاع المستوطنات التي خارج الكتل والغور. وحتى في التعريف الواسع لهذه وفروعها الإبداعية، يدور الحديث عن عشرات آلاف الإسرائيليين الذين استوطنوا بإذن رسمي في أقاليم الوطن التاريخي للشعب اليهودي. يمكن تخفيف حدة الإخلاء بالمسيرة التدريجية التي يترك المستوطن فيها بيته فقط عندما تبني له الدولة بديلاً مناسباً في نطاق 67 أو في الكتل، ولكن الألم سيكون كبيراً والشرخ المؤقت محتماً.
ليس الخيار بين قدرة الصمود والظلم التاريخي، بل بين الاضطرار المؤلم وبكاء الأجيال. إذا ما بسطنا السيادة على كل مستوطنة، سنجتذب إلى أهون الشرور المتمثل بالخيار الثالث، لفرحة الفلسطينيين.