ما معنى أن تنهار السلطة الفلسطينية باحتلال إسرائيلي للضفة “تدريجياً”؟
إن حكومة نتنياهو جانتس، بتنسيق مع الولايات المتحدة، تنوي البدء بعملية الضم صيفاً. هذا تغيير دراماتيكي عن سياسة حكومات إسرائيل منذ العام 1967. ما الذي ينتظرنا؟ ما التداعيات والتأثيرات المحتملة؟
الحكومة الحالية تصرفت في إطار الضم الزاحف الذي وجد تعبيره في توسيع المستوطنات (حسب القانون الإسرائيلي وخلافاً له)، في خلق ضم فعلي بواسطة جدار الفصل، والبناء في الأحياء اليهودية في شرقي القدس وشق الطرق القطرية وتقليل التطوير الفلسطيني في مناطق “ج” وهدم بيوت غير القانونية فيها، وتعميق التمييز بين اليهود والفلسطينيين عبر خطوات تشريعية، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
تشريع الضم سيبرهن على أن حكومة إسرائيل تنوي الانتقال إلى الضم القانوني، مثلما قال الوزير نفتالي بينيت لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في 2016: “في موضوع أرض إسرائيل، علينا الانتقال من الصد إلى الحسم. وتحديد الحلم، والحلم هو أن يهودا والسامرة ستكون جزءاً من أرض إسرائيل السيادية”.
إلغاء إمكانية حل الدولتين عن طريق خطوات ضم محدودة، واستغلال ما اعتبر كوقت مناسب سياسياً، والدعم غير المسبوق من إدارة ترامب، وضعف الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، والحروب التي في العالم العربي وما أشبه… هو حلم كثيرين في الحكومة الحالية الذين سيرون في هذا إزالة تهديد وجودي عن دولة إسرائيل. ولكنهم حتى الآن يترددون في اتخاذ خطوات عملية بسبب التهديد القائل بأن خطوات ضم مناطق “ج” أو أجزاء منها قد يؤدي إلى التصعيد. وهذا سيؤدي إلى الحاجة إلى إعادة تأسيس حكم عسكري في مناطق “أ” و “ب” وربما حتى ضمها.
مع ذلك يريدون اليوم المقامرة والمخاطرة بما هو مرتبط بتحريك عملية الضم، من أجل تطبيق إيمانهم المسيحاني – القومي المتطرف. من يؤيدون هذا يميلون إلى التقليل من أهمية التهديدات المحتملة على إسرائيل في أعقاب هذه الخطوات. لذلك، لا يخافون من تغيير الوضع القائم لتحقيق هذا الهدف. هذا رغم أنه لم يتم القيام بعمل تحضيري معمق ومنظم من قبل جهة مهنية تتعلق بالضم من كل جوانبه.
إن عدم ضم مناطق “ج” أو أجزاء منها وضم الضفة الغربية كاملة تجب رؤيته كعملية واحدة: بدايته، نقطة التحول في سياسة الحكومة، يمكن تحديدها بقرار رئيس الحكومة واللجنة الوزارية لشؤون التشريع بأن يقدموا للكنيست للحصول على مصادقتها لأحد مشاريع القوانين بهذا الشأن. ويجب أن تُرى المرحلة الأولى من خلال المصادقة على القانون عبر الكنيست.
بعد خطوات الضم يصعب من الصعب تقدير الردود وما يتبعها، ولا يمكن معرفة شدتها أو استمرارها. لذلك، لا يمكن تقدير تأثيرها على مواقف الأطراف وعلى تطورات العملية.
مع ذلك، يجب الإشارة إلى أن مصالح متطابقة لإسرائيل والولايات المتحدة (إذا تم انتخاب ترامب لولاية ثانية) ولدول عربية وجهات أخرى مرتبطة بالاستعداد أمام إيران وتركيا وحركات الإسلام السياسي المتطرف- من شأنها أن تلين ردودها قليلاً. وفي ظل وباء كورونا… حتى المصالح الاقتصادية المشتركة وعدم الاستقرار الأوروبي بسبب زيادة قوة الحركات الإسلامية المتطرفة والأحزاب القومية المتطرفة أو تشغيل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، من شأنها أيضاً أن تلين الردود وتخفيها.
من المتوقع حدوث ضم تدريجي لمناطق “ج”، وهو أمر سيؤدي إلى ضعضعة الاستقرار وتغيير جوهري للوضع القائم. نقطة التغيير – النقطة الحاسمة في العملية – هي حل أو انهيار السلطة الفلسطينية في أعقاب عملية الضم. نتيجة كهذه ستجبر إسرائيل، لأسباب أمنية واقتصادية وقانونية، على العودة وتحمل المسؤولية عن مناطق “أ” و “ب” وعن السكان الفلسطينيين فيها. في المرحلة الأولى عن طريق تجديد الحكم العسكري الذي سيكون مرتبطاً بسيطرة بالقتال على الضفة الغربية، وبعد ذلك إذا تدهور الوضع، في ظل ظروف محددة، ضم الضفة كلها.
يصعب التقدير بصورة دقيقة ما الذي يدفع كرة الثلج للتدحرج واختراق النقطة الحاسمة. ولكن يمكن تعداد عدة مبادئ مخففة: خطر واجتياز النقطة الحاسمة سيقل كلما كان حجم الضم أصغر – “كتلة أو كتلتان على الأقل”. سيساعد أيضاً إذا كانت المنطقة التي ستضم في إطار المناطق التي اقترح الفلسطينيون تبادلها، وأيضاً إذا كانت قريبة من الخط الأخضر وغرب جدار الفصل. وثمة مبدأ آخر مهم وهو أن لا يتم ضم قرى أو سكان فلسطينيين. وفي نهاية المطاف أن لا يتضرر نسيج الحياة الفلسطيني ضرراً حقيقياً وبدون بدائل. ولكن يبدو أن حكومة نتنياهو – غانتس ماضية في فعل عكس ذلك تماماً.
قد تتخذ الحكومة خطوات تعويضية يمكن أن تهدئ الردود، لا سيما ردود الفلسطينيين. مثلاً، يمكن في المرحلة الأولى نقل الصلاحيات في مناطق “ج”، في المناطق التي تربط القرى الفلسطينية المعزولة، إلى السلطة الفلسطينية. وبالنسبة للمناطق المأهولة في القرى الفلسطينية التي امتدت من مناطق “أ” و “ب” إلى داخل مناطق “ج” ثمة تقدير بعدم ضمها إلى إسرائيل. وستظل الصلاحيات فيها مشابهة لمناطق “ب” وتنقل إلى السلطة. يمكن أيضاً ضمان بناء بنية تحتية مواصلاتية لضمان التواصل الجغرافي والمواصلاتي وحركة الفلسطينيين وما شابه. حكومة نتنياهو غانتس لا تنوي فعل ذلك، أو الاستعداد له حتى الصيف.
إذا انهارت السلطة الفلسطينية فستنشئ إسرائيل بدائل حكم لإدارة شؤون الفلسطينيين في المناطق “أ” و “ب”. ولكن نجاح عملية كهذه مرتبط باستعداد تعاون الفلسطينيين وبمستوى وفعالية الضغط (بما في ذلك العنف) الذي سيمارس بلا شك من جهة منظمات مختلفة على بدائل السلطة هذه. من شبه المؤكد في مثل هذه الحالة أن تنشأ قيادة موحدة لكل المنظمات الفلسطينية في الضفة وغزة مع التأكيد على فتح وحماس. والكثير سيكون مرتبطاً بسياستها واستعدادها المسبق لتقديم الخدمات الأساسية للسكان بدون تدخل إسرائيل، لفترة زمنية طويلة نسبياً (بضعة أشهر). احتمالية أن ينجح ذلك، ضعيفة وحتى صفر.
ستفعل إسرائيل كل ما في استطاعتها للامتناع عن فرض القانون الإسرائيلي على الضفة الغربية كلها. ولكن هناك عدة شروط متراكمة قد تجبرها على اتخاذ هذه الخطوة التاريخية والمصيرية: فوضى في الحكم. تغيير جوهري في الموقف الفلسطيني (الذي ستطرحه قيادة موحدة أو حكومة منفى) والذي سيشمل التنازل عن حل الدولتين، والمطالبة بحقوق متساوية وكاملة في دولة واحدة؛ ودعم عربي ودولي للموقف الفلسطيني الجديد، وضغط من جهات سياسية في إسرائيل والمعنيين بذلك، وسلبية الجمهور الإسرائيلي. إن إمكانية تراكم هذه الشروط لضم الضفة الغربية تبقى ضعيفة جداً، وتحول هذا السيناريو إلى سيناريو غير معقول، لكنه يظل ممكناً.
في حالة ضم الضفة كلها ستطرح أسئلة جوهرية فيما يتعلق بهوية ونظام حكم الدولة الواحدة. في البداية قد تواجه حكومة إسرائيل مسائل عملية مثل سريان قانون أملاك الغائبين، وطلبات فلسطينيين للحصول على الجنسية، والمساواة في الخدمات حسب النموذج في شرقي القدس. ولكنها بعد ذلك لن تستطيع الامتناع عن مواجهة مسائل فيما يتعلق بتشكيل أذرع الأمن بشكل عام والجيش الإسرائيلي بشكل خاص، ومستقبل اللاجئين الفلسطينيين وسريان قانون العودة وغيرها.
بناء على ذلك، في وضع انهيار السلطة الفلسطينية وفي ظل الواقع الملزم باتخاذ قرارات من الدولة فيما يتعلق بالانتقال بين المراحل، وفي ظل غياب الشروط المتراكمة المذكورة آنفاً، يتوقع أن نرى محاولة من قبل إسرائيل لإعادة العجلة إلى الوراء. وسيكون هذا جهداً مرتبطاً بتنازلات ستكون أكبر كلما كانت العملية متقدمة أكثر.
تكلفة فكرة الضم أكبر بكثير من فائدته، لأن كل عملية صغيرة من الضم ربما تتطور وتؤدي إلى الحاجة إلى ضم الضفة الغربية كلها. فرض القانون الإسرائيلي في الضفة سيلقى رفض المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة التي ستواصل رؤيتها كمنطقة محتلة فيها سكانها الفلسطينيون محميون حسب ميثاق هاغ وميثاق جنيف الرابع، ويستحقون تقرير مصير في دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها شرقي القدس.
التداعيات المتوقعة في المجال السياسي يمكن تلخيصها بالمس باتفاق السلام مع الأردن واتفاق السلام مع مصر وفي الخسارة المحتملة لنظام تحالفات إقليمية مع الدول العربية وكبح المحور الإيراني وبزيادة تدخل روسيا وإيران وتركيا في المنطقة، والمس بالعلاقات مع دول أوروبا، وفي ظل إدارة أمريكية مختلفة، وأيضاً سيمس بالعلاقات الاستراتيجية الجيدة مع الولايات المتحدة.
في المجال السياسي الإسرائيلي يتوقع أن نجد أنفسنا في مواجهة مسلحة شديدة مع الفلسطينيين، وهم من ناحيتهم يتوقع أن يدفعوا نحو قيادة مشتركة، وإلغاء التنسيق الأمني والعودة إلى الكفاح المسلح وزيادة حدة نضالهم في المجال الدولي. كما سيتضرر التنسيق الأمني مع الأردن ومصر، أما براعم التعاون مع العالم العربي فستتوقف قبل الإزهار. وفي المجال الاقتصادي سيتم طرد إسرائيل من منظمة الدول المتقدمة، الأمر الذي سيسبب مساً دراماتيكياً بالخدمات العامة للمواطن الإسرائيلي مع التأكيد على الرفاه والصحة والتعليم. قد تنجر إسرائيل إلى حرب أهلية، وفي نهاية المطاف يمكن أن تقام دولة مختلفة عن الدولة التي دخلت إلى هذه الحرب.