ما لم تفعله المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين… فعله كورونا
يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون في ذات البوتقة في كفاحهم ضد عدو مشترك – تفشي فيروس كورونا. وباستثناء حالات قليلة وبشعة، يفهم الجميع في المجتمعين بأنه يجب إعطاء جواب مشترك لهذا العدو الفتاك والهادئ، بلا دعاية أو سياسة.
هذا الوباء يذكّر الفلسطينيين والإسرائيليين بارتباط مصير بعضهم ببعض؛ فالحدود بين إسرائيل والضفة الغربية، أو يهودا والسامرة، هي حدود يمر عبرها عشرات آلاف الأشخاص من جهة إلى أخرى. المخاطر التي تتربص بالإسرائيليين هي ذات المخاطر التي للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وإذا لم يحترسوا، وإذا لم يقاتلوا بشكل جذري ومشترك ضد هذا الفيروس، فالطرفان سيعانيان، وفقا لصحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية.
إن رد إسرائيل والسلطة الفلسطينية على الوباء مؤشر على أن الإسرائيليين والفلسطينيين قادرون على التغلب على بعض العوائق، التي صممت علاقاتهم على مدى عشرات السنين. ويدور الحديث عن عوائق اعتبرت غير قابلة للتغلب. نحن على وعي بأن الاستعداد لهذا التعاون ينبع بقدر كبير من الاعتراف بأنه في غيابه ستتضرر الصحة والاقتصاد والرفاه والأمن الجماعي للطرفين.
ومع ذلك، فالتعاون بداية طيبة لا ينبغي التقليل من قيمته أو تجاهله. وقد عكس الرئيس ريفلين هذا الإحساس بشكل مناسب حين اتصل برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقال إن “العالم كله يواجه أزمة لا تميز بين الإنسان والإنسان وبين مناطق السكن”، وحين أشار إلى أن “التعاون بيننا ضروري لضمان صحة الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء”. أما عباس فرد عارضاً تعاونه الكامل في الحرب ضد هذا المرض الفتاك.
بفضل كورونا لا توجد مقاطعة
إن المقاطعة الفلسطينية للاتصالات مع إسرائيل اختفت، باستثناء بعض الفلسطينيين الذين يعرفون أنفسهم كمؤثرين أو زعماء. ونتيجة لذلك، تنسق محافل إسرائيلية وفلسطينية رسمية النشاط المشترك ضد الوباء، ويعمل الطرفان بشكل بناء.
يوتم شيفر، المسؤول عن القسم الدولي في وحدة منسق الأعمال في المناطق، قال إن التعاون بين الإسرائيليين والفلسطينيين “وثيق وقوي جداً”.
وتنقل إسرائيل إرشادات الطواقم الطبية الفلسطينية في المستشفيات الإسرائيلية وتعقد ورشات عمل مشتركة، وتحلل المختبرات الإسرائيلية العينات الفلسطينية للعثور على الفيروس، ويشترك أطباء الطرفين في المعلومات وتحليلها، وآلاف أطقم الفحص نقلت إلى وزارة الصحة الفلسطينية، ومعدات وقاية نقلت إلى طواقم طبية ولرجال الأمن الفلسطينيين.
في خطوة نادرة ومهمة سمحت إسرائيل أيضاً بنقل معدات ومستلزمات حرجة من إسرائيل، ومن السلطة الفلسطينية ومن متبرعين دوليين إلى قطاع غزة، وسمحت بنقل قوة بشرية حرجة.
بشكل عام، تسمح إسرائيل لنحو 145 ألف عامل فلسطيني بالدخول إلى أراضيها كل يوم. عبورهم حيوي للاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية. ويحصل العمال الفلسطينيون على سكن نزيه وشروط صحية مناسبة حين يعملون في إسرائيل.
في خطوة غير مسبوقة، سمحت إسرائيل لـ 45 ألف عامل فلسطيني بالدخول والمبيت في إسرائيل لمدة شهر أو شهرين على الأقل في أثناء الأزمة. حركة العمال الفلسطينيين منسقة بين الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية بتقليص عبور الفيروس من منطقة إلى منطقة أخرى.
الطريق طويل إلى السلام
ألقى الوباء أضواء ساطعة على مدى ارتباط الاقتصاد الإسرائيلي والفلسطيني. وتؤكد الأزمة الادعاء بأن من الأفضل لإسرائيل من ناحية اقتصادية استخدام العمال الفلسطينيين من استيراد عمال من الشرق الأقصى أو شرق أوروبا. في نهاية المطاف، إذا عمل الفلسطينيون مع إسرائيل في مجال التكنولوجيا العليا، فسيربحون هم أيضاً. وبدلاً من نقل أجزاء مركزية من قطاع التكنولوجيا العليا الإسرائيلي إلى خارج الدولة، وشرق أوروبا وغيرها، يمكن للفلسطينيين أن يتلقوا تأهيلاً للعمل في التكنولوجيا العليا الإسرائيلية ويواصلوا تنمية قطاع التكنولوجيا العليا الفلسطيني الذي لا يزال في بدايته.
من داخل الوباء ثمة أمل بأن يتمكن الفلسطينيون والإسرائيليون من التعاون ووضع السياسة العادية جانباً، على الأقل على مدى الأزمة وبعدها أيضاً. حتى الأن، باستثناء حالات قليلة، أظهر الطرفان أنه مع الإرداة الطيبة والنوايا النبيلة يمكنهم العمل معاً.
ومن السابق لأوانه القول إن هذا التعاون الجديد سيؤدي إلى مفاوضات صادقة وإلى اتفاق سلام شامل. ولا نقول إن هذا التعاون هو مفتاح تسوية المسائل المركزية التي من الواجب حلها قبل تحقيق السلام للطرفين. لا ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بما سيحصل عندما تعود الحياة إلى مجراها، أو إلى أي مجرى يوصف بالطبيعي، حين يمر الخطر الفوري للوباء، وماذا سيحصل إذا ما عاد الوباء في مرحلة ما. ولكن هذين المجتمعين منذ زمن طويل جداً بلا ثقة متبادلة ويعيشان كل على حدة. أما تحطيم هذه الدائرة فيمكنه أن يساعد بكل جهد للتقدم في السلام.
نأمل بأن تتواصل الدروس المستخلصة من هذا الوباء وأجواء الاحترام المتبادل والتعاون، للتقدم نحو اتفاق سلام يبنى على عناصر مشابهة من الإرادة الطيبة والاحترام والتعاون.
حان الوقت لدينامية إسرائيلية – فلسطينية جديدة. حان الوقت لمستقبل جديد للإسرائيليين والفلسطينيين وللمنطقة.