ما سر رفض حماس المنحة القطرية لغزة؟
في ظل استمرار المعركة الانتخابية بإسرائيل وصراع الأحزاب المختلفة على الفوز فيها ونيل ثقة الجمهور، تبرز قضية قطاع غزة كأحد الملفات المُؤثرة في الانتخابات بشكل كبير، إذ تتقاذفها الأطراف الإسرائيلية فيما بينها للتأثير على النتائج التي ستحسم من الذي سيقود الحكومة في أبريل/نيسان القادم.
فداخل جبهة «اليمين الإسرائيلي»، تحاول الأحزاب اليمينية الحصول على أكبر قدر من أصوات الجمهور المتطرف، مستخدمة «غزة» مجالاً للمزايدات السياسية، ضد بعضها البعض.
وفي هذا السياق، تبرز المنحة المالية التي تقدّمها دولة قطر لموظفي قطاع غزة، حيث تسعى أحزاب مثل «إسرائيل بيتنا» بزعامة أفيغدور ليبرمان، و «اليمين الجديد» بزعامة نفتالي بينت، لإبراز تطرفها عبر معارضة نقل رئيس الحكومة، وزعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، هذه الأموال للقطاع.
كما يطالب الحزبان بتوجيه ضربة قاصمة لـ «حماس»، متهمين نتنياهو بالاستسلام للحركة. ويرى المراقبون أن نتنياهو تأثر بهذا الخطاب، وأوقف «مؤقتاً» نقل المنحة القطرية عدة مرات، كي يحافظ على تأييد الجمهور المتطرف بإسرائيل لحزبه، وللضغط على حماس سياسياً في ذات الوقت.
حماس فاجأت إسرائيل.. وهذه مبررات قرارها
لكن الجديد والمفاجئ، هو إعلان حماس، الخميس 24 يناير، رفضها استقبال المنحة المالية، رداً على ما سمّته «سلوك» الحكومة الإسرائيلية، ومحاولتها «التملص من تفاهمات التهدئة، وابتزازها المتواصل للقطاع وحالته الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية قبيل الانتخابات القادمة».
وقالت حماس، على لسان خليل الحية، نائب رئيسها بغزة، في مؤتمر صحفي: «نرفض استقبال المنحة القطرية الثالثة، رداً على محاولة ابتزاز شعبنا، والتملص من تفاهمات التهدئة التي رعتها مصر وقطر والأمم المتحدة».
وحول أسباب القرار وتبعاته، قال مصدر سياسي في الحركة رفض الكشف عن اسمه لـ «عربي بوست»، إن القرار جاء بعد ضغوطات شعبية وحالة استياء عام، رفضت ربط مسيرات العودة بالأموال القادمة عبر المعابر الإسرائيلية، مضيفاً أن القرار جاء منسجماً تماماً مع الموقف الشعبي.
وأضاف المصدر: «الاحتلال اعتقد أن حماس لا يمكن لها أن ترفض المنحة، في ظل ما يعاني منه قطاع غزة، فحاول إخضاعها وابتزازها بإسكات صوت المسيرات على الحدود التي أضرت به بشكل بالغ، وكذلك حاول خفض سقف مطالبنا المشروعة برفع الحصار».
وأكد المصدر أن حماس الآن خارج أي تفاهمات فيما يتعلق بالمنحة القطرية، وهي غير ملزمة من الآن فصاعداً بأي استلام أو توزيع لأموال المنحة، حتى إشعار آخر، وبالتالي هي خارج التفاهمات فيما يتعلق بمبدأ «الهدوء مقابل المنحة».
ما مصير المنحة؟ ومَن سيدير الأموال إذا أُدخلت؟
لكن بُعيد قرار حماس، أعلنت هيئة البث الإسرائيلية، الخميس، نبأ سماح الحكومة بنقل الأموال القطرية لغزة، استجابة لتوصية الدوائر الأمنية، بغرض «استمرار الهدوء في المنطقة الحدودية وعدم التصعيد».
وحول مصير المنحة بعد موافقة إسرائيل عليها، قال المصدر في حماس : إن الحركة لم تعد معنية باستلام أو توزيع أموال المنحة على المطلق، مشيراً إلى احتمالية استلام هيئة إعادة الإعمار القطرية في غزة هذه الأموال وربما تقوم بتوزيعها خلال أسبوع.
إلى ذلك، يتوقع محللون أن تتدخل وساطات إقليمية ودولية، لإيجاد حل يُرضي الطرفين، فيما يتعلق بإدخال المنحة وطريقة إدارتها.
وفي السياق، نقلت صحيفة «يسرائيل هيوم» المقربة من نتانياهو على موقعها «أن إسرائيل حاولت أن تجد حلاً مبتكراً عن طريق السفير العمادي هو إيصال الأموال دون أن تكون تل أبيب تحت تهديد حماس».
ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي القول: «إن إحدى الأفكار هي أن توزع النقود الجمعة خلال فترة المسيرات حتى يلتفت الناس إلى الرواتب ولا يتوجهوا إلى السياج الأمني للمشاركة في أعمال الشغب»، في إشارة إلى «مسيرات العودة».
وتشترط إسرائيل، في هذه الحال، أنه إذا جرت مواجهات عند السياج الجمعة، أو جرى تصعيد من أي نوع، فإن المنحة لن تحول إلى سكان غزة».
والسفير القطري غادر مساء الخميس غزة على أن يلتقي مع المسؤولين الإسرائيليين للبحث في سبل إيجاد حلول لأزمة إدخال المنحة القطرية، بحسب مصادر لوكالة الأنباء الفرنسية.
لكن هل ستسمح المعارضة لنتنياهو بإدخال المنحة بهذه السهولة؟
إلى ذلك، يوجّه كل من ليبرمان وبينت سهام نقدهما المباشر لنتنياهو، فيما يتعلق بالمنحة القطرية، كما أن شعاراتهما الانتخابية قائمة على قضية غزة واستهداف حماس، وتركيعها.
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني وديع أبو نصار يعتقد أن إسرائيل قد تكون وضعت شروطاً قد تكون أعقد من الشروط التي وضعتها سابقاً للسماح بدخول الأموال إلى غزة.
وقال في ذلك الصدد: «يبدو أنه وضع شروطاً جديدة لإدخال الأموال القطرية لغزة بسبب الضغوط الداخلية عليه في تلك القضية»، مضيفاً: «حماس وافقت على الشروط السابقة، كما يبدو فإن هناك شروطاً إسرائيلية جديدة غير مقبولة لدى الحركة، ما دفعها لرفض استقبال الأموال».
ويقول أبو نصار للأناضول: «لو تحدثنا في قضية نقل الأموال القطرية إلى غزة، حينما يحدث تصعيد أمني مع غزة، لا يمكن لنتنياهو أن يدخل تلك الأموال للقطاع في ظل معارضة داخلية من اليمين».
واعتبر أبو نصار أن نتنياهو في حال تجاوز تلك الأصوات المعارضة لنقل الأموال، وقام بإدخالها بالفعل، سيكون ذلك الأمر محرجاً سياسياً له.
هل تصعّد إسرائيل ضد غزة وتفتح نيرانها؟
نتنياهو كان قد حذّر الأربعاء غزة برد «قاصم ومؤلم للغاية»، في حال انطلاق أي هجمات من قطاع غزة.
وأضاف نتنياهو في مقطع فيديو نشره على حسابه بتويتر: «إن الرد الإسرائيلي سيكون قاصماً ومؤلماً للغاية، إذا سوّلت لأي شخص نفسه أن يرفع رأسه لغرض الاعتداء».
وحتّى موعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في أبريل/نيسان القادم، لا يتوقع محللون سياسيون أن تتغير السياسة الإسرائيلية المتبّعة مع قطاع غزة والقائمة حالياً على تفاهمات «التهدئة» التي ترعاها أطراف إقليمية ودولية.
إذ قال الخبير الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي محمود مرداوي لـ «عربي بوست»، إن نتنياهو يحاول رسم صورة دعائية لنفسه بأن سياسته قد أمنت وسيطرت على القطاع ونجحت في ضبطه، من خلال رعاة إقليميين ودوليين، فهو لن يستطيع تحمل تكلفة التصعيد، وغزة تمثل ورطة له ربما تطيح به قبل الانتخابات بدل أن تنقذه.
لكن وفي الوقت نفسه، أشار المرداوي إلى أن الحالة الوحيدة التي من الممكن أن يلجأ فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي للتصعيد، هي تفاقم ملفات الفساد المثارة ضده، وشعوره بضياع فرص فوزه بالانتخابات، حينها، ربما يضطر إلى شن ضربات عسكرية على القطاع تحت شماعة تعزيز الأمن، لإنقاذ نفسه من الخسارة.
وفي السياق يرى طلال عوكل، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، أن هناك أصواتاً إسرائيلية يمينية، تحرّض ضد ملف غزة، خلال حملتها الانتخابية، أبرزهم «ليبرمان» و «بينت».
وأشار عوكل بذلك إلى افتتاح «ليبرمان» مكتباً له في إحدى مستوطنات غلاف غزة، بهدف ما وصفه عوكل بـ «اللعب على وتر مخاوف المستوطنين من حركة حماس والمقاومة».
لكن تَشدُّد «ليبرمان» و «بينت» بتعاملهما مع القضايا المختلفة سيما ملف غزة، سيدفعهما نحو الخسارة في الانتخابات، إذ تشير كافة الاستطلاعات الإسرائيلية إلى أنهما سيحصلان على أقل الأصوات، وفق عوكل.
نتنياهو يتلاعب بالتهدئة
ويشير عوكل إلى أن نتنياهو في حملته الانتخابية يأخذ بعين الاعتبار «اتجاهات الشارع الإسرائيلي والمستوطنين»، ويحاول قدر الإمكان التساوق معها.
لذا يتلاعب «نتنياهو» بورقة المنحة القطرية المقدّمة لغزة، بين الفينة والأخرى، خاصة عند حدوث تصعيد ميداني عسكري بغزة أو على الحدود الشرقية للقطاع.
يقول عوكل: نتنياهو يتلاعب بموضوع التفاهمات التي رافقت التهدئة بغزة، وهو يعتمد بالأساس على دور الوسطاء الذين يعرف جيداً أنهم سيصبرون عليه وأنهم يمارسون ضغطاً على طرف واحد وهو حماس».
وبذلك يدّعي نتنياهو أن «سياسته نجحت فيما يتعلق بملف قطاع غزة والمنحة القطرية، ما أدى إلى خفض التهديدات الصادرة من القطاع»، كما قال.