ما خيارات بريطانيا للتعامل مع احتجاز ناقلة النفط؟
كتب هنري كيسنجر، الدبلوماسي الأمريكي السابق والمستشار غير الدائم لوزير الخارجية البريطاني، ذات مرة: «السياسة هي فن الممكن، وعلمُ ما هو نسبي». وبينما تنقّب وزارة الخارجية البريطانية في حطام علاقاتها مع إيران، يبدو أن حتى «الممكن» خيار غير متوافر أمام الدبلوماسية البريطانية. ولا يوجد سوى القليل من الخيارات الجيدة -إن كانت هناك أي منها من الأساس- لدى بريطانيا، بينما تخضع تحالفاتها وقوتها لاختبار في سياق خطير وجديد، بحسب صحيفة The Guardian.
جونسون رئيساً للوزراء
بعد فوز بوريس جونسون بمنصب رئيس الوزراء، أصبح من الصعب التنبؤ بما لديه، من حسّ تفضيلي للولايات المتحدة الأمريكية على أوروبا على سبيل المثال. وليس لدى وزير الخارجية الحالي جيريمي هانت -الذي رفض عرضاً من جونسون بتولي وزارة الدفاع- سوى دعم فاتر من أوروبا، ليس بسبب حادث الاستيلاء على ناقلة النفط التي تحمل العلم البريطاني ستينا إمبيرو الذي اجتذب التضامن، بل من أجل قرار المملكة المتحدة الأصلي بالاستيلاء على الناقلة جريس 1 التي كانت تحمل العلم الإيراني في مضيق جبل طارق. أدى ذلك التحرك مباشرة إلى سيطرة الحرس الثوري الإيراني على ستينا إمبيرو.
إلى ذلك، تعتبر التوترات في العلاقات مع إيران هي المشكلة الدبلوماسية الأكثر إلحاحاً في الأجندة السياسية لبوريس جونسون. فبينما تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم ترسل بريطانيا المزيد من السفن الحربية إلى منطقة الخليج وسط مخاوف من احتجاز إيران لناقلات نفط أجنبية.
ولا يدعم رئيس الوزراء الجديد مواجهة عنيفة مع إيران، وهو الخيار الذي لا يستبعده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقال جونسون: «لمن يقول إن الدخول في حرب ضد إيران يمثل خياراً معقولاً لنا في الغرب، أنا لا أصدق ذلك على الإطلاق. فالدبلوماسية لا بد أن تكون أفضل طريقة لإحراز تقدم»، وذلك أثناء مناظرة سياسة في إطار انتخابات رئاسة حزب المحافظين الحاكم مؤخراً.
وأضاف جونسون: «إذا سُئلت عما إذا كنت سأدعم إجراءً عسكرياً ضد إيران حال كوني رئيساً للوزراء، فسوف تكون الإجابة بلا». لكنه أشار إلى استعداده لإعادة فرض العقوبات على إيران إذا استمرت في تخصيب اليورانيوم بمعدل يخالف الاتفاق النووي.
النوايا البريطانية لا تشابه الأمريكية تجاه إيران
عموماً، لدى وزير الخارجية هانت أيضاً دعمٌ لا يُعوّل عليه من رئيس أمريكي تختلف نواياه تجاه إيران تماماً عن نوايا المملكة المتحدة، وهو رئيس بلغت أفعاله على مدار الأعوام الماضية مستوى التخريب الدبلوماسي المتعمّد، وفقاً لسفير المملكة المتحدة المنتهية ولايته في واشنطن، السير كيم داروش.
وبسبب عقود من تقليص القوّة الدفاعية، الأمر الذي يمقته وزير الخارجية، لا يتمتع هانت بالقدرة على التصرف باعتباره ممثلاً لقوة بحرية مستقلة، ولكنه يخشى أيضاً من الطريقة التي ستقود بها الولايات المتحدة العملية الأمنية البحرية في الخليج. ولا أحد يعرف تماماً ما قد تكون عليه شروط الاشتباك. على سبيل المثال، صنّفت الولايات المتحدة الحرس الثوري منظمةً إرهابيةً، وهو ما لم تفعله أوروبا.
ولعل ترامب أبدى انعدام الرغبة لخوض حرب مع طهران، بالعزوف عن شنِ هجومخلال الشهر الماضي، لكن هناك من لديهم تلك الرغبة من حوله. ومن المُرّجح أن يتّفق من هم في وزارة الخارجية مع وصف وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو لمستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي جون بولتون بأنه «غريب الأطوار» عندما يتعلق الأمر بإيران.
في المناوشات اليومية التي يخوضها ترامب، يندر التنبؤ بالفائز. ويزعم بولتون بتواضع أنه مستشار الأمن القومي للرئيس فقط وليس صانع القرار، ولكن كل يوم يختلف عن الآخر في البيت الأبيض، كما تقول الغارديان.
بريطانيا ربما تبحث عن التهدئة
لذا ربما تريد بريطانيا في هذا المجال الضيق -وحتى في الوقت الراهن- أن تجد طريقة لتهدئة الأزمة. ولا مفرّ من بعض العقوبات المحدودة التي تستهدف الأفراد في الحرس الثوري. ولن تكون العقوبات في هذه المرحلة بمثابة عودة إلى نوع العقوبات التي كانت قائمة قبل خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPA) لعام 2015 والمعروفة باسم اتفاق إيران. اعترف المستشار البريطاني المنتهية ولايته، فيليب هاموند، بالأمر نفسه في برنامج The Andrew Marr على فضائية BBC One.
وستبدأ المفاوضات – التي تعوقها الجوانب القانونية – بشأن إطلاق سراح الناقلة غريس 1 من مضيق جبل طارق، وقد ينتهي الأمر في المحكمة العليا في المملكة المتحدة.
لكن البريطانيين يصرون على عدم وجود مساواة أخلاقية بين الحادثين. إذ يقول هانت إن احتجاز غريس 1 قانونيٌّ لفرض عقوبات الاتحاد الأوروبي، وحتى الآن يرفض الإيرانيون التعهد بأنه إذا أطلق سراح غريس 1 فلن تعود إلى سوريا. على النقيض من ذلك، جرى الاستيلاء على ستينا إمبيرو بشكل غير قانوني بينما كانت تؤدّي أعمالاً مشروعة.
المملكة المتحدة تعاني معاناة منفردة
سوف تتكثّف الجهود لحماية سفينة الشحن التجارية البريطانية في الخليج، ربما متأخراً، ولكن لا توجد إجابة حتّى الآن على ما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة أن تقود قوّات الحماية. ويطالب أنصار التعاون الأطلسي بالفعل، مثل إيان دنكان سميث، بمعرفة ما إذا كان البريطانيون قد رفضوا عرضاً أمريكياً للمساعدة البحرية؛ إذ إن المملكة المتحدة تعاني معاناة منفردة، ويدور الحديث عن تقديم دعم إضافي من سلاح الجو الملكي البريطاني.
ووجهت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا تحذيرات إلى إيران حتى الآن بسبب هذه الانتهاكات، ولكنها قالت يوم الإثنين الماضي 15 يوليو إنها لن تصدر قراراً بعد بشأن آلية المنازعات الرسمية. وعلى الصعيد الاقتصادي، يمكن أن يزيد الاتحاد الأوروبي من مصداقية آلية INSTEX، وهي أداة لدعم التبادلات التجارية، أنشأتها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة للمساعدة في المعاملات التجارية ذات الأغراض الإنسانية بين أوروبا وإيران بطريقة قد تتحايل على العقوبات الثانوية الأمريكية.
وستكون المهمة الرئيسية لرئيس الوزراء الجديد جونسون هي الجلوس مع ترامب وحثه على توضيح ما يحاول تحقيقه في إيران: إما فرض القيود على طموحاتها النووية أو خضوعها الإقليمي. ويحتاج ترامب إلى تفسير أكثر مصداقية لما يبدو عليه النجاح.
فالمشورة هي الدور البريطاني التقليدي. وبحسب ما جاء في مذكرة وزارة الخارجية لعام 1944 التي استشهد بها في نهاية هذا الأسبوع ديفيد رينولدز، أستاذ التاريخ الدولي في جامعة كامبريدج: «يجب أن يكون غرضنا استخدام القوة الأمريكية لأغراض نعتبرها جيدة. إذا توجّهنا بأعمالنا في المسار الصحيح، يمكننا أن نساعد في توجيه هذا البارجة الثقيلة -وهي الولايات المتحدة الأمريكية- إلى الميناء الصحيح». ومع وجود السفن الراسية في الميناء الخطأ، لا يمكن قيادة البارجة إلى بر الأمان.