ماكرون يطلب «الصفح» بسبب حرب الجزائر
أقرّت فرنسا، الخميس 13 سبتمبر 2018، بأنها أنشأت خلال حرب الجزائر (1954-1962) «نظاماً» استُخدم فيه «التعذيب»، الأمر الذي يمثل خطوة فارقة في نزاع لا يزال يتسم بحساسية خاصة، بعد ما يقرب من 6 عقود من انتهاء الاحتلال الفرنسي للجزائر . وسلّم الرئيس إيمانويل ماكرون إعلاناً بهذا المعنى إلى أرملة موريس أودان الشيوعي المؤيد لاستقلال الجزائر، والذي فُقد أثره بعد اعتقاله عام 1957، يطلب منها «الصفح».
ماكرون يعِد بفتح أرشيف «المحظورات»
وقال ماكرون: «من المهم أن تُعرف هذه القصة، وأن يُنظر إليها بشجاعة وجلاء. هذا مهم من أجل طمأنينة وصفاء نفْس أولئك الذين سبَّبت لهم الألم (…) بالجزائر وفي فرنسا على حد سواء»، في حين بات الرئيس يُعرف بصراحته في التطرق إلى المسائل التاريخية وكسر المحظورات.
ووعد ماكرون كذلك بـ»فتح الأرشيف المتعلق بقضايا اختفاء مدنيين وعسكريين من فرنسيين وجزائريين» خلال حرب الجزائر التي لا تزال أحد الملفات الأكثر إثارة للجدل في تاريخ فرنسا الحديث، ونظراً إلى ما لذلك من أثر على العلاقات الوثيقة والمعقدة القائمة بين فرنسا والجزائر.
ويُتوقع أن تثير هذه التصريحات ردود فعل قوية في فرنسا، حيث لا تزال مسألة التعذيب خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر -وإن كانت معروفة- من المحظورات في الرواية الرسمية للأحداث التاريخية.
وأفاد الإليزيه قبل الزيارة، بأن الإعلان يقر بأن أودان «تُوفي تحت التعذيب، الذي نشأ عن نظام وُجد عندما كانت الجزائر جزءاً من فرنسا».
وسواء تعلَّق الأمر بالفرنسيين الذين هربوا من الجزائر، أو الجزائريين الذين قاتلوا إلى جانب القوات الفرنسية التي تخلت عنهم، أو عائلات المفقودين الذين اختطفهم الفرنسيون أو الجزائريون، أو المجندين الشباب الذين أُلقي بهم في أتون الحرب- فلقد عانت قطاعات واسعة من المجتمع الفرنسي خلال تلك الحقبة، ويبدو أن ماكرون عازم على إنهاء هذه المعضلة.
والجزائر تعتبرها «خطوة إيجابية»
وعنونت صحيفة «لوموند» بالعنوان التالي «حرب الجزائر: بادرة إيمانويل ماكرون التاريخية». وقال المؤرخ باتريك غارسيا إن «البادرات الأولى تعود إلى فترة جاك شيراك عندما اعترف من خلال سفيره في 1998 بمجازر سطيف (في 1945)، وفتح بذلك عملية اعتراف تواصلت مع فرنسوا هولاند، الذي أقر بقمع تظاهرات أكتوبر 1961 في باريس، وكذلك بقساوة النظام الاستعماري، عام 2012».
وأضاف: «لقد تم تجاوز عتبة مهمة مع الاعتراف بالتعذيب من خلال حالة موريس أودان النموذجية. إن ماكرون أقرب إلى أعمال المؤرخين الذين خطوا مسار الأمور منذ فترة طويلة».
ورحبت الحكومة الجزائرية بهذا التطور، ورأت فيه «خطوة إيجابية يجب تثمينها». وقال وزير المجاهدين الطيب زيتوني، إن فرنسا والجزائر ستعالجان ملف الذاكرة «بحكمة».
خلال سنوات الحرب التي أودت بـ1.5 مليون جزائري، لجأت القوات الفرنسية إلى العنف والقمع في البلد الذي احتلته فرنسا طيلة 130 عاماً.
للكشف عن حقائق الاحتلال الفرنسي للجزائر
وجُنِّد مئات الآلاف من الشبان الفرنسيين لخوض الحرب، التي خلفت ندوباً عميقة في نفوس الفرنسيين، مع تراجع فرنسا عن كونها قوة استعمارية بعد الحرب العالمية الثانية.
ولم يسبق أن اعترفت الدولة الفرنسية بأن قواتها استخدمت التعذيب بصورة منتظمة خلال الحرب.
كما أن الجهات التي حاربت من أجل الاستقلال أساءت بدورها معاملة أسراها في أثناء نزاع معقد، خيضت خلاله حرب عصابات ونُفِّذت هجمات وتفجيرات دامية.
وخلال الحرب، فرضت الحكومة الفرنسية رقابة على الصحف والكتب والأفلام التي تحدثت عن ممارسة التعذيب، وبعد الحرب، ظلت التجاوزات التي ارتكبتها قواتها من المواضيع التي يحظر الحديث عنها في المجتمع الفرنسي.
وقالت المؤرخة سيلفي تينو إن اعتراف الدولة الفرنسية بأن وفاة أودين نجمت عن «منهج»، يشير إلى اعتراف بارتكاب أخطاء على نطاق أوسع خلال حرب الجزائر .
وفي مقال نشره موقع «ذي كونفرسايشن» الخميس 13 سبتمبر 2018، تساءلت المؤرخة الفرنسية: «عبر الإقرار بمسؤولية الدولة عن اختفاء موريس أودان، أفلا يتم الإقرار من ثم بمسؤوليات الدولة في كل حالات الاختفاء التي حصلت في عام 1957 بالجزائر العاصمة؟»، ولسيلفي تينو كتاب بعنوان «تاريخ حرب الاستقلال الجزائرية».
فهل ترقى لدرجة جرائم حرب؟
وقالت المؤرخة رافايال برانش، لصحيفة «لوموند»، إنه «للمرة الأولى، تعترف الجمهورية بأنه خلال حرب الجزائر قد يكون عسكريون فرنسيون ارتكبوا خلال أداء واجبهم ما يمكن تسميته جرائم حرب». وبرانش مؤلفة كتاب «التعذيب والجيش خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر «.
لكن زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبن، قالت: «ما هي مصلحة الرئيس في نَكْءِ الجراح عبر التطرق إلى حالة موريس أودان؟ إنه يسعى إلى استغلال انقسام الفرنسيين بدلاً من توحيدهم في مشروع».
كما ندد والدها جان ماري لوبن، الشخصية اليمينية المتطرفة تاريخياً الذي قاتل في الجزائر، كذلك، بهذه البادرة، ووصفها بأنها «في غير محلها».
خاصة أن ماكرون سبق أن اعتبر حرب الجزائر «جريمة ضد الإنسانية»
أثار ماكرون، وهو أول رئيس مولود بعد الحرب، جدلاً خلال الحملة الانتخابية العام الماضي (2017)، عندما أعلن أن الاحتلال الفرنسي للجزائر كان «جريمة ضد الإنسانية». لكنه تراجع عن تصريحاته، مقترحاً موقف «لا الإنكار ولا التوبة» بشأن تاريخ فرنسا الاستعماري، وأضاف: «لا يمكننا أن نبقى أسرى الماضي».
وعن زيارة الرئيس لها الخميس، قالت جوزيت، أرملة أودان، للصحافيين في شقتها بضاحية بانيوليه في شرق باريس: «لم يخطر ببالي أن هذا اليوم سيأتي».
كان أودان، الأستاذ المساعد بجامعة الجزائر، في الخامسة والعشرين من عمره عندما اعتقله جنود فرنسيون -على الأرجح- من منزله بتهمة إيواء مناضلين شيوعيين مؤيدين للاستقلال.
وتعرض أودان، وهو أب لـ3 أطفال، للتعذيب خلال حرب الجزائر بصورة متكررة في فيلا بحي البيار في الجزائر العاصمة. وبعد 10 أيام، أخبرت جوزيت بأن زوجها هرب في أثناء نقله إلى سجن آخر.
وظلت هذه هي الرواية الرسمية للأحداث حتى عام 2014، عندما اعترف هولاند، الرئيس الفرنسي السابق، بأن أودان مات قيد الاعتقال.
وفي 2014، ورد في كتاب للصحافي جان شارل دونيو أن أستاذ الرياضيات قُتل على يد ضابط في الجيش الفرنسي بأمر من الجنرال جاك ماسو. ووافق على هذا الأمر جنرال آخر هو بول أوساريس، الذي تُوفي عام 2013 بعد أن اعترف بأنه عذب وقتل عشرات السجناء.