ماكرون المحبط مدد مهلته لمن اتهمهم بالخيانة، فماذا قد يحقق ذلك للبنان؟
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليست لديه خطة بديلة لذلك مدد مهلته لزعماء لبنان لتنفيذ مبادرته رغم أن جميع المؤشرات ترجح أن مصير المهلة الجديدة لن يختلف عن مصير المهلة التي انتهت، فهل هناك سيناريو يمكن أن ينقذ لبنان من الانهيار؟
على ماذا يدل خطاب ماكرون؟
ماكرون وجه اللوم لقادة لبنان واتهمهم بإعلاء مصلحتهم الخاصة على مصلحة البلد، ونال حزب الله النصيب الأكبر من تلك الاتهامات بعد أن ذكره الرئيس الفرنسي بالاسم ووجه له رسالة مباشرة: “لا يمكن لحزب الله أن يكون في الوقت نفسه جيشاً في حالة حرب مع إسرائيل وميليشيا مطلقة العنان ضد المدنيين في سوريا وطرفاً يحظى بالاحترام في لبنان”، مضيفا: “هل هو حقاً حزب سياسي أم أنه يمضي فقط بمنطق تمليه إيران وقواتها الإرهابية؟ أريد أن نرى ما إذا كان هناك شيء ممكن في الأسابيع القليلة المقبلة. لست ساذجاً”.
لكن الغريب أن الرئيس الفرنسي أجاب على سؤال بشأن سعي إيران لإجهاض مبادرته بخصوص لبنان، بالقول أنه “لا يرى دليلاً على أن طهران تتدخل في مبادرته”، والأغرب أنه وصف أحداث الأيام القليلة الماضية بأنها خيانة وقال إن الزعماء السياسيين اختاروا “تسليم لبنان إلى لعبة القوى الأجنبية”، مما يزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
ومن المهم هنا ذكر أن زيارة ماكرون الأولى للبنان في أعقاب تفجير المرفأ في 4 أغسطس/آب قد أحدثت جدلاً بين اللبنانيين أنفسهم بشأن طريقة تعامل رئيس دولة الاحتلال السابقة للبلاد؛ فهناك من رحب بالتدخل الفرنسي بل وطالب البعض بعودة الانتداب، وهناك من اعتبر مبادرة ماكرون تدخلاً خارجياً وإملاءات لا يجب الرضوخ لها.
هل يملك ماكرون خطة واضحة؟
لكن الأهم هو أنه منذ اللحظة الأولى لظهور الرئيس الفرنسي على الساحة السياسية المشتعلة في لبنان وزيارته لموقع التفجير وحديثه المباشر لبعض المواطنين وكذلك زيارته للسيدة فيروز في زيارته الثانية، كان هناك تشكيك في قدرة الرجل على تقديم حلول واقعية لأزمات لبنان المتفاقمة، وتحدث كثير من الساسة والمتابعين عن أن “مبادرة ماكرون” تتسم بعدم الوضوح على أقل تقدير.
فالنظام السياسي الحالي في لبنان يقوم على المحاصصة الطائفية ولم يكن متوقعاً أن يحدث تغييراً جذرياً في ذلك النظام بمجرد أن يطلب ماكرون ذلك، وهو ما عبر عنه كثير من المراقبين، ورغم ذلك لم يقدم ماكرون جديداً في خطابه أمس الأحد 27 سبتمبر/أيلول بعد اعتذار مصطفى أديب المكلف بتشكيل الحكومة والذي ينظر إليه على أنه “مرشح ماكرون”.
فعندما سئل ماكرون عما إذا كانت العقوبات مطروحة على الطاولة، قال إنه لن ينظر في أمرها إلا في مرحلة لاحقة بالاشتراك مع قوى أخرى لأنه لا يرى استخدامها في الوقت الحالي، مضيفاً: “هذا النظام لم يعد يتقدم وهناك بضع عشرات من الناس يسقطون دولة وشعبها.. المبادرة الفرنسية ستستمر. التزامي.. لن يتراجع”، في إشارة واضحة إلى أنه لا يملك خطة بديلة إذا فشلت مبادرته.
ولم يكن اعتذار أديب مفاجئاً لأحد، باستثناء ماكرون نفسه على ما يبدو، فبعد عدّة زيارات قام بها للرئيس ميشال عون لم يصل أديب إلى حلٍ يرضي جميع الأطراف، وخاصةّ الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله الذين أعلنا تمسكهما بحقيبة المالية تحديداً لأسباب تتعلق بالمحاصصة (الرئيس مسيحي ورئيس الحكومة سني وصاحب التوقيع الثالث على القرارات الهامة وزير المالية شيعي).
واعتبر محلل سياسي أنه باعتذار أديب تم “تعطيل” المبادرة الفرنسية، بينما رأى آخر أن باريس ستحاول إنقاذها، فيما توافق محللون، في أحاديث لوكالة الأناضول، على أن ما ينتظر لبنان في القريب العاجل ليس أقل سوءاً مما هو عليه الآن.
سيناريوهات كارثية
ويحذر بشارة خير الله محلل سياسي في حديث للأناضول، من أن “سيناريوهات كارثية” تنتظر لبنان بعد استقالة أديب، قائلاً: “استقال أديب لأنه لم يستطع أن يقنع الثنائي الشيعي أن الرئيس المكلّف هو من يشكّل الحكومة”.
“الثنائي الشيعي يعتقد نفسه أخطأ في إسقاط حكومة دياب، ويريد له (دياب) أن يصرّف الأعمال إلى ما بعد الانتخابات (الرئاسية) الأمريكية (3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، لأنه يراهن على تغيير في الرئاسية أي سقوط (الرئيس الجمهوري دونالد) ترامب (أمام الديمقراطي جو بايدن)”.
لكنه أردف قائلاً: “كأنّ هذا الفريق لا يعلم أن ترامب سيربح، وأن أياً كان رئيس أمريكا فإن البرامج السياسية هي نفسها ولن تتغير”، مضيفاً أن “هذا رهان إيراني، وهناك من يريد أن يغلّب المصلحة الإيرانية على الوطنية (اللبنانية)؛ خاصة بعدما سهّل (رئيس الحكومة السابق) سعد الحريري قدر الإمكان وأعطى الثنائي حقيبة المال خلافاً للدستور”.
ويفترض الآن من ناحية الدستور أن يُجري عون استشارات نيابية ملزمة جديدة لتكليف شخصية جديدة بتشكيل حكومة، لكن خير الله استبعد تكليف شخصية جديدة بتأليف الحكومة، محذراً بالتالي من أن “لبنان متجّه إلى مزيد من التأزّم والتدهور الاقتصادي وهبوط للعملة الوطنية (الليرة) أمام الدولار الأمريكي، وكذلك مزيد من العقوبات الدولية والعزل الدولي”.
وبتهمة الفساد ودعم “حزب الله”، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في 8 سبتمبر الجاري، أنها أدرجت على “القائمة السوداء” كلاً من وزير الأشغال اللبناني السابق، يوسف فنيانوس، ووزير المالية السابق، علي حسن خليل، المحسوب على بري.
ملفات إقليمية على الأراضي اللبنانية
من جهته، اعتبر الكاتب والمحلّل السياسي نبيل بومنصف أن ما ينتظر لبنان هو ما أراده له الفريق الذي عطّل مهمة أديب وعطّل المبادرة الفرنسية، قائلاً للأناضول: “نُفّذ في لبنان أمر عمليات إقليمي بالانقلاب على المبادرة الفرنسية وإجبار أديب على الاعتذار”، محذراً من أن “لبنان مقبل على مرحلة تفاقم للانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية”.
ويرى أن هذه الحكومة، برئاسة أديب، كان يمكن أن توفر فرصة إنقاذ وتنفس للبنان كي يتمكن من مواجهة تحديات بالغة الخطورة: “الثنائي الشيعي أجهض هذه الفرصة، لارتباطاته الواضحة والموثقة بإيران وبحسابات أمريكية. قد يكون فريق 8 مارس (يضم الثنائي الشيعي) باتجاه أن يعود إلى تفعيل حكومة دياب إلى حين الانتخابات الأمريكية، لأنهم بارتباطهم الإقليمي يخدمون إيران بترك لبنان بفراغ إلى حين معرفة من سيأتي إلى البيت الأبيض، فإيران تراهن على التفاوض”.
وبشأن احتمال تكليف شخصية جديدة بتأليف حكومة، يقول بومنصف: “اعتدنا مع الرئيس عون إطالة تحديد موعد الاستشارات (..) وهذه المرة سيأخذ وقته أكثر لأنه سيتحجج بأنه لا توجد شخصية مُتبلور عليها توافق معيّن”.
أما الكاتب والمحلّل السياسي علي حمادة، فيقول إن “الإيرانيين، وبموقف حلفائهم هنا على الأرض (الثنائي الشيعي) من قضية وزارة المال وتعيين الوزراء الشيعة وتحوير المبادرة الفرنسية، استطاعوا أن يسيطروا على الواقع الحكومي مرة جديدة”، مضيفاً للأناضول أن المشكلة الآن على صعيدين داخلي وخارجي.
داخلياً، فإن الأمور أكثر تعقيداً من قبل، وبالتالي “إمكانية تكليف رئيس جديد موجودة، لكنها ستكون أكثر صعوبة خاصة لناحية انتقاء شخص ضمن المعايير المطلوبة في مرحلة إنقاذ لبنان اقتصادياً”، أما خارجياً، فـ”ربما سنذهب إلى تأجيل الاستشارات الملزمة لاختيار رئيس حكومة جديد بانتظار أن يأتي الضوء الأخضر الإقليمي، ربما بعد الانتخابات الأمريكية”، بحسب حمادة.
ويرى أن “الموقف الفرنسي سيعتبر أن المبادرة مستمرة، وأن جولة انتهت وبدأت أخرى.. الفرنسيون سيحاولون إنقاذ المبادرة عبر خطة باء ستُحضّر أو محضّرة سلفاً”.
غياب البدائل والاتجاه للمجهول
المحلّل الاستراتيجي سامي نادر ذهب في حديث للأناضول إلى أن لبنان أمام “انهيار حتمي، ولا توجد خيارات بديلة”، واعتبر أن لبنان فرّط بالفرصة الأخيرة للإنقاذ، وبالتالي هو “أمام المجهول.. لا يوجد سوى مسلكين للوضع الحكومي، الأوّل هو تعويم حكومة تصريف الأعمال، وهي حكومة مكانك راوح لا تستطيع الإنقاذ، والثاني هو تكليف شخص مثل دياب”.
ورفض “تيار المستقبل” وقوى سياسية عديدة المشاركة في حكومة دياب، التي تواجه اتهامات إقليمية وغربية تنفيها بالخضوع لسيطرة “حزب الله”، وقال نادر: “أديب، وبكل الدعم الدولي لم يستطع تشكيل حكومة وفق المعايير المطلوبة لاستعادة الثقة الدولية، فالأمر صعب أن يحصل مع شخص آخر”.
وحذر من تداعيات اعتذار أديب على الوضع الاقتصادي، بقوله: سيحدث “هبوط لسعر صرف الليرة مقابل الدولار”، وبعد اعتذار أديب، سجل سعر صرف الليرة ما يزيد عن ثمانية آلاف للدولار الواحد في السوق غير الرسمية، مقابل 1507.5 ليرة لدى مصرف لبنان.
البعض يرى أن القادم أفضل
على الجانب الآخر، يرى فيصل عبدالساتر وهو كاتب ومحلل سياسي أن “السيناريوهات المقبلة أقل خطورة من السابق.. والاستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية جديدة بتأليف الحكومة لن تكون بعيدة”.
ويضيف للأناضول: “قبل الاستشارات سيكون هناك اتصالات فرنسية مع الأطراف اللبنانية للوصول إلى تسمية رئيس ممكن أن يكون موضع ثقة لدى الجميع، وأن تكون الحكومة الجديدة مهمة، وهذا يتطلب من القوى السياسية مرونة في التعاطي مع موضوع الوزارات والأسماء”.
وعن إمكانية وجود عراقيل بوجه الحكومة المقبلة، كعقدة تمسّك الثنائي الشيعي بوزارة المال، يرى عبدالساتر أن “الثنائي الشيعي ربما لم يكن ليتمسك بوزارة المالية لو لم تكن العقوبات الأمريكية قد فرضت مثل هذا الأمر، وبعدها ما قام به تجمع رؤساء الحكومات السابقين”.
ويقول عبدالساتر إنه “كان هناك كسر إرادات من الأطراف الداخلية اللبنانية.. ترف الوقت لم يعد لصالح أحد، وعلى القوى السياسية العودة لشيء من الواقعية والذهاب سريعاً للجم المزيد من التدهور الذي يمكن أن يؤثر على الاستقرار في البلد”.
ويستبعد أن تكون حكومة لبنان المقبلة رهينة لحين الانتخابات الأمريكية، معتبراً أن كل ما يتردد في هذا السياق “يأتي في إطار الحملات المتواصلة على الثنائي، وحزب الله خاصة”، ويرى أن من يعتقد أن “إيران تساوم على حساب بعض الدول لتحقيق نقاط على مستوى ملف النووي الإيراني وعلاقتها بأمريكا، فهذا نوع من الوهم”، ويختم حديثه متسائلاً باستنكار: “ما الذي سيقدمه لبنان كورقة أساسية في التفاوض بين إيران وأمريكا (؟!)”.