ماذا يعني صمت الجمهوريين عن عزل ترامب.. وهل يتمكن الرئيس من قلب الطاولة؟
لا صوت يعلو فوق صوت «معركة العزل» في العاصمة واشنطن إعلامياً وسياسياً، لكن كان لافتاً في الأيام القليلة الماضية ما يشبه اختفاء المدافعين عن دونالد ترامب من حزبه الجمهوري وتصدي ساكن البيت الأبيض بنفسه لخصومه فيما وصفه البعض «بتهور» لا أحد يدرك عواقبه، فما هي أسباب صمت الجمهوريين وهل يتمكن الديمقراطيون بالفعل من توفير الوقود اللازم ليصل لمحطته الأخيرة للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة؟
ما هي آخر التطورات الفعلية؟
تسربت أنباء أمس الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول عن وجود «مخبر» آخر على الأقل تقدم ببلاغ للكونجرس يصف ما زعم أنه مؤامرة من جانب ترامب تمثل ابتزازاً لأوكرانيا كي يفتشوا عن «مزاعم فساد» ضد جو بايدن المرشح الديمقراطي المحتمل أن يكون منافساً لترامب العام المقبل، وذلك بحسب ما أعلنه محامي الشخص المعني.
يتزامن هذا مع قيام مجلس النواب غداً الثلاثاء 8 أكتوبر بالاستماع لشهادة لاعب أساسي في فضيحة أوكرانيا وهو جوردون سوندلاند أحد أبرز المتبرعين لحملة ترامب الانتخابية والذي تم تعيينه سفير واشنطن لدى الاتحاد الأوروبي.
شهادة سوندلاند ستكون الثانية بعد الاستماع الأسبوع الماضي لشهادة كيرت فولكر المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا والتي كشفت أقواله عن سلسلة من الرسائل النصية التي تثبت تورط ترامب في الفضيحة بصورة أكثر عمقاً مما كشفت عنه المكالمة التي أطلقت قطار المحاكمة البرلمانية للرئيس أو التي تعرف إعلامياً بعملية العزل.
صمت جمهوري يثير التكهنات
النقطة التي لفتت الانتباه منذ شهادة فولكر كانت الصمت من جانب المدافعين التقليديين عن ترامب من جانب حزبه الجمهوري، وقد نشرت صحيفة واشنطن بوست الأحد 6 أكتوبر تقريراً مطولاً حول هذه النقطة تحديداً بعنوان: «تغريد خارج السرب»: داخل النقاش الجمهوري بشأن عزل ترامب».
تتسارع تطورات عملية المحاكمة البرلمانية لترامب في مجلس النواب مما تتسبب في حالة من «إعادة الحسابات» داخل أروقة الحزب الجمهوري وأصابت مسؤولي الحزب بالشلل وهم يوازنون بين مستقبلهم السياسي وإرثهم من ناحية وبين ولائهم لرئيس يعاملهم كأسرى، حيث أجبرت محاولات الرئيس الضغط على زعيم أجنبي كي يستهدف منافس سياسي محلي الحزب الجمهوري على التمترس داخل ملجأ في انتظار معركة مطولة تحت إمرة قائد يصدر أوامر مربكة ومتناقضة في معظم الأحيان.
معركة البقاء السياسي
ويمكن تلخيص استجابة المشرعين من الحزب الجمهوري في أنحاء البلاد على الأسئلة المتعلقة بعزل الرئيس في الدرجات المختلفة من الصمت أو هز الأكتاف أو الدفاع على استحياء، حيث يبدو أن الاستراتيجية لدى الجميع تتركز ببساطة على النجاة دون اتخاذ أي حركات مفاجئة.
وجاء أبرز مثال على ما يتعرض له الجمهوريون الخميس الماضي عندما تعرضت السيناتور جوني إيرنست لسؤال من أحد الناخبين في اجتماع في مبنى البلدية: «أين الخط الفاصل؟ متى ستقفون وتقولون (لترامب) كفى! لن نؤيد أياً من هذا بعد الآن!»، وردت إيرنست بالقول (بعد فترة صمت وحيرة): «يمكنني الإجابة بنعم أو لا أو أي يكن، لكن الرئيس هو من سيقول ماذا سيفعل!»
ترامب يزيد من حدة الموقف
من جانبه، تسبب ترامب في مزيد من الجدل بعد أن طلب من الصين بشكل علني التحقيق في أنشطة بايدن، وهو ما أثار حفيظة الجمهوريين في مجلس الشيوخ (حيث لهم الأغلبية)، وغرد ميت رومني (سيناتور جمهوري عن يوتاه) منتقداً الرئيس: «على كل المستويات مناشدة الرئيس الفجة وغير المسبوقة للصين وأوكرانيا بالتحقيق مع جو بايدن أمر خاطئ ومقزز».
أما السيناتور ماركو روبيو (فلوريدا) فقد حاول التخفيف من الأمر: «لا أعرف إذا ما كان ذلك طلباً حقيقياً أو مجرد مزحة لإثارة الإعلام، لأنه يدرك أن ذلك سيصيبكم بالغضب» (موجهاً كلامه للصحفيين).
ترامب يرهب من ينتقده من الجمهوريين
ترامب شن هجوماً لاذعاً على رومني السبت 5 أكتوبر مستخدماً لفظاً خارجاً في وصفه «هذا الـ.. يحاربني منذ البداية»، وهو ما اعتبره الكثيرون رسالة تحذير حادة اللهجة لأي مشرع أو سياسي جمهوري يتجرأ وينتقد الرئيس.
وهذا ما حذر منه كولين باول وزير الخارجية في إدارة جورج بوش الابن (جمهوري)، عندما قال في ندوة سياسية أمس الأحد: «لابد أن يتماسك الحزب الجمهوري، فقادة الحزب وأعضاؤه يلتزمون الصمت لأنهم مرعوبون مما قد يحدث لأي منهم لو تحدث.»
المهمة ليست سهلة بالمرة
لكن الاستقطاب الحاد الذي تشهده واشنطن هذه الأيام والذي ربما يكون لا مثيل له في تاريخها الحديث لا يعني أن مسألة عزل ترامب وإبعاده عن البيت الأبيض أمر محسوم أو مسألة وقت، فالقضية برمتها رغم أنها تسمى «محاكمة برلمانية» وتتعلق بالقوانين وتفسيرات مواد الدستور، إلا أنها في النهاية عملية سياسية بامتياز.
وربما يكون مجلس النواب قادراً على توجيه الاتهامات لترامب بالفعل حيث يسيطر الديمقراطيون على المجلس لكن المحاكمة نفسها ستنتقل إلى مجلس الشيوخ حيث يمتلك الجمهوريون أغلبية 51 صوتاً مقابل 47 للديمقراطيين وصوتين مستقلين يصوتان في العادة مع خصوم ترامب، وكي تتم إدانة ترامب وعزله من منصبه لابد أن يصدر القرار بأغلبية 67 صوتاً، مما يعني أن 20 جمهورياً لابد أن يصوتوا مع قرار الإدانة وهو أمر يبدو مستبعداً إلى حد كبير.