ماذا يعني اقتناء تركيا منظومة إس 400 الروسية؟
أعلنت وزارة الدفاع التركية وصول الشحنة الأولى من منظومة صواريخ إس 400 الروسية، التي كانت سبباً في توتر العلاقات بين أنقرة وواشنطن الشريكان والحليفان الهامان في حلف الناتو.
وبحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية فمن الممكن أن يؤدي تسليم هذه المنظومة إلى تدهور العلاقات التركية – الأمريكية، على الرغم من تعبيرات الود بين أردوغان والرئيس ترامب في اجتماع قمة مجموعة العشرين في اليابان الشهر الماضي.
لماذا كانت واشنطن تعارض الصفقة؟
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حازماً في تصميمه على شراء منظومة S-400، وهي أكثر الأسلحة الروسية المضادة للطائرات تقدماً، رغم تحذيرات الولايات المتحدة. إذ حذرت واشنطن من أنَّ هذه الصفقة ستؤدي إلى عقوبات اقتصادية ضد تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، وإلغاء شراء تركيا لمقاتلات F-35 الأمريكية.
وأبدت الولايات المتحدة معارضة صارمة لحيازة تركيا منظومة S-400. وقال مسؤولون أمريكيون إنَّ هذا النظام الصاروخي لا يتوافق مع التجهيزات العسكرية لحلف الناتو، وإنَّ تشغيل تركيا للأسلحة الروسية وطائرات F-35 من شأنه أن يمنح روسيا إمكانية الوصول إلى التقنية السرية للطائرات الأمريكية.
إذ يخشى المسؤولون الأمريكيون من أن يحظى المهندسون الروس، الذين سيُطلب منهم تنصيب المنظومة الدفاعية، بفرصة معرفة الكثير عن المقاتلات الأمريكية التي تعتبر هي الأخرى ضمن الترسانة التركية. وفي المقابل، ليس من الواضح قدرة حلف الناتو على معرفة بعض الأسرار حول التكنولوجيا الروسية في ظل امتلاك تركيا لهذه المنظومة.
لكنَّ المشكلة أعمق من ذلك بكثير؛ ذلك أنَّ خلافاً مع تركيا بخصوص منظومة S-400 يثير الشكوك حول مستقبل قاعدة إنجرليك الجوية، وهي مركز حساس للقوات الأمريكية في المنطقة. وفي حين أنَّ المسؤولين الأمريكيين لا يناقشون ذلك في العلن أبداً، تعتبر هذه القاعدة أيضاً موقعاً لتخزين عشرات الأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية، وهي من بقايا الحرب الباردة.
يرى الخبراء الاستراتيجيون في البنتاغون أن صفقة منظومة S-400 جزءٌ من خطة الرئيس فلاديمير بوتين لتقسيم حلف شمال الأطلسي. ومن الواضح أنَّ المسؤولين الأمريكيين يشعرون بعدم الارتياح عند سؤالهم عن مستقبل الحلف، أو حتى كيف يمكن أن تظل تركيا عضواً نشطاً في حلف شمال الأطلسي في الوقت الذي تستخدم فيه دفاعات جوية روسية الصنع.
وقال إيان ليسر، مدير صندوق مارشال الألماني في بروكسل: «التداعيات السياسية لذلك الأمر خطيرة جداً؛ لأنَّ هذا التسليم سيؤكد للكثيرين فكرة أنَّ تركيا تتحول إلى بديل غير غربي، وسيخلق هذا الأمر الكثير من القلق والمشاعر السيئة داخل حلف شمال الأطلسي، ومن الواضح أنه سيزيد من الشعور المسموم تجاه تركيا داخل الحلف».
دور تركيا الهام داخل الناتو
طالما كانت تركيا مربطاً رئيسياً في حلف الناتو وكذلك أحد أكثر الأعضاء الشائكين في الحزب، في ظل موقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا، وتشاركها الحدود والبحر الأسود مع روسيا،.
ولما كان لتركيا قدمٌ في صراعات الشرق الأوسط وموطئ قدم في أوروبا، فإنَّ مصالحها لم تصطف دائماً بسهولة مع تحالف أنشئ في الأساس ليكون دفاعاً أوروبياً غربياً ضد السوفييت. وبدلاً من ذلك، استفادت تركيا على نحو متزايد، تحت قيادة رجب طيب أردوغان، بكلا الجانبين في هذا الصراع بين الشرق والغرب.
وحاولت تركيا لسنوات شراء منظومة باتريوت خاصة بها، لكنَّ المحادثات مع واشنطن لم تسفر قط عن أية صفقة، وهي نتيجة قال عنها ترامب في اجتماع قمة العشرين الشهر الماضي إنها خطأ إدارة أوباما.
وقال ترامب: «الأمر فوضى، وبصراحة ليس الخطأ خطأ أردوغان حقاً».
وحتى بينما كان وزير الدفاع خلوصي أكار يعلن وصول ثلاث طائرات تحمل الأجزاء الأولى من المنظومة الروسية، فقد قال إنَّ تركيا لا تزال تأمل في شراء نظيرتها الأمريكية. وقال أكار في تصريحات ظهرت على قناة TRT المملوكة للدولة: «نبحث عن حيازة [منظومة] باتريوت، وتعمل مؤسساتنا بشكل مكثف في هذا الصدد».
ماذا تريد روسيا من وراء هذه الصفقة؟
يقول أحمد هان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة آلتن باش في إسطنبول، إن تركيا تحتاج إلى سد ثغرة في دفعاتها، ولكن مع شراء منظومة S-400 «قد تتحول النتائج السياسية العسكرية إلى نقاط ضعف في أمن تركيا. تسبب وصول (المنظومة) بالفعل في نقطة ضعف زاحفة لأنه أضر علاقات تركيا مع حلف الناتو».
وأضاف أن وجود المنظومة الروسية -التي تنطوي على رادارات مُثبتة على ظهر شاحنات، ومراكز قيادة، وصواريخ وقاذفات صواريخ- يمكن أن يحمل اعتبارات إضافية مع كل عملية لحلف الناتو، وأن ذلك الضغط الزائد هو «تحديداً ما تسعى إليه روسيا».
يشكل ذلك أيضاً انتصاراً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ يعمل على تعميق علاقة تزاد قرباً مع تركيا، ويدق إسفيناً في حلف شمال الأطلسي، ويعلن عن جاذبية الأسلحة الروسية المتقدمة.
وكان بوتين قد سعى إلى تقريب تركيا منذ النزاع الدراماتيكي بينهما بسبب الحرب الأهلية في سوريا، حيث دعم الكرملين نظام الأسد بينما دعمت تركيا إحدى فصائل المعارضة. وأسقطت تركيا طائرة روسية على حدودها الجنوبية مع سوريا عام 2015، وفي العام التالي أطلق شرطي تركي النار على السفير الروسي ما أودى بحياته، في معرض فني في أنقرة وهو يصرخ: «لا تنسوا سوريا».
ولا يزال البلدان يدعمان أطرافاً متعارضة في سوريا، لكنهما تجنبا المزيد من الاشتباكات المباشرة وتعاونا عن كثب من خلال مباحثات السلام التي قادتها روسيا وتركيا وإيران.
وقالت ديبا نيغار، مديرة مجموعة الأزمات الدولية في تركيا، إنَّ الكثير من الأتراك يعتقدون «بأنَّ حلفاء الناتو لم يساندوا تركيا، وأنَّ الغرب غضّ الطرف عن الانقلاب لكنَّ موسكو كانت أكثر دعماً».
وتَعد هذه الصفقة أيضاً بزيادة النفوذ الروسي المتزايد في الشرق الأوسط الكبير. ذلك أنَّ تدخل موسكو الحاسم في الصراع في سوريا عزز من هيمنتها هناك، حيث كان الجنرال الليبي خليفة حفتر أحد المستفيدين الآخرين من دعمها.
ربحت كذلك روسيا أصدقاء في طهران من خلال دعم إيران في مواجهتها ضد إدارة ترامب، وفي الوقت نفسه تستمر في علاقاتها التجارية والعسكرية والدبلوماسية مع الممالك والإمارات العربية المصطفة مع الولايات المتحدة. ومنذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، بدأت روسيا أيضاً في بيع طائرات ومروحيات وصواريخ للقاهرة، الحليف الأمريكي الرئيسي الآخر.
تركيا لديها أهدافها أيضاً
حذر أردوغان، أثناء حديثه الشهر الماضي، الولايات المتحدة من المخاطرة بحدوث صدع أكبر في العلاقات مع تركيا بسبب منظومة الصواريخ، وقال إنه واثق أنَّ بإمكانه التوصل إلى تفاهم مع ترامب لتجنب العقوبات.
وقال أردوغان في معرض حديثه عن الولايات المتحدة: «ينبغي لهم التفكير بعمق لأنًّ خسارة بلد مثل تركيا لن تكون بالأمر السهل. لو كنا أصدقاء، ولو كنا شركاء استراتيجيين، فينبغي لنا معالجة هذه المشكلة بين بعضنا بعضاً».
وصرح متحدث باسم حلف شمال الأطلسي يوم الجمعة بأنه على الرغم من أنَّ الدول الأعضاء تقرر بنفسها المعدات التي تشتريها «فنحن قلقون بشأن العواقب المحتملة لقرار تركيا حيازة منظومة S-400».
وقال المتحدث، الذي امتنع عن ذكر اسمه تمشياً مع بروتوكول المنظمة: «إنَّ قابلية التشغيل المتبادل لقواتنا المسلحة أمر أساسي بالنسبة لحلف شمال الأطلسي من أجل إدارة عملياتنا ومهماتنا، ونرحب بعمل تركيا مع العديد من الحلفاء على تطوير أنظمة دفاع صاروخية وطويلة المدى».
وكان حلف شمال الأطلسي قد نصّب منظومة صواريخ باتريوت أرض-جو أمريكية الصنع في الأراضي التركية منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا، لكنَّ أردوغان أصر على أنَّ بلاده بحاجة إلى نظام طويل المدى خاص بها.
ما تتميز به المنظومة الروسية
وتشتمل منظومة S-400على رادار متطور مصمم للكشف عن أهداف سرية (وهي أهداف مصممة لجعل اكتشافها بالرادار أمراً صعباً) فضلاً عن طائرات أخرى، ويمكن استخدامها أيضاً ضد بعض أنواع الصواريخ.
وقالت وزارة الدفاع التركية والروسية إنَّ الأجزاء الأولى من المنظومة وصلت إلى قاعدة مرتد العسكرية في أنقرة يوم الجمعة. وذكرت وسائل الإعلام التركية أنَّ فريقاً من المتخصصين الروس وصل أيضاً لتركيب المنظومة.
واستغل المسؤولون الروس هذه المناسبة للتفاخر بفعالية منظومة S-400، وإغاظة الولايات المتحدة.
إذ قال السيناتور الروسي فرانز كلينتسيفيتش لوكالة أنباء Interfax إنَّ تركيا «تعرضت لضغط غير مسبوق، ومع ذلك أعطت الأولوية للأمن القومي». وزعم كلينتسيفيتش أنَّ صواريخ باتريوت مصممة لتكون غير قادرة على اكتشاف موقع أي «هدف يحمل العلم الأمريكي»، مضيفاً أنَّ «الجميع يعرفون ذلك».
وقال كلينتسيفيتش متحدثاً عن تركيا: «إنَّ أنظمة S-400 الروسية تضمن الحفاظ على سيادتها. لا غرو أنَّ الأمريكيين غاضبون».
وستكون تركيا عرضة لعقوبات بموجب قانون «مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات لعام 2017″، الذي يخول للولايات المتحدة فرض عقوبات ضد أي شخص يبرم صفقة مهمة مع وزارة الدفاع الروسية. وقال مسؤولون أمريكيون إنَّ تركيا ستجلب على نفسها العقوبات فور استلامها نظام الأسلحة على أراضيها.
ويدعو هذا القانون الرئيس ترامب إلى اختيار خمس عقوبات من بين قائمة من 12 عقوبة لفرضها على تركيا. وليس ثمة أي إعفاء أو تعليق يمكن أن ينطبق على تركيا، لكن ليس هناك جدول زمني محدد لتنفيذ العقوبات.