ماذا وراء موافقة إسرائيل على جلب 2000 إثيوبي من “الفلاشا” إليها الآن؟
صادقت الحكومة الإسرائيلية، على قرار بجلب 2000 إثيوبي من سلالة “الفلاشا مورا”، وهم أقارب يهود إثيوبيا الذين هاجروا إلى إسرائيل منذ عدة سنوات، لكن ستعتبر هجرة هؤلاء ضمن ما يُعرف بقانون “لمّ الشمل” وليس طبقاً لما يعرف بقانون “العودة لإسرائيل” كحال بقية اليهود المهاجرين إلى الأراضي المحتلة، فما أسباب ذلك؟ وما وراء جلب هؤلاء الفلاشا الآن في ظل معاناة أبناء هذه الطائفة أصلاً في إسرائيل وعدم اندماجهم؟
“بقية اليهود الإثيوبيين”
كانت الحكومة الإسرائيلية في الماضي قد قررت عدة مرات وقف الهجرة من إثيوبيا بحجة عدم العثور على المزيد من اليهود هناك، لكن آلاف الإسرائيليين الإثيوبيين يقولون إن لهم أسلافاً في إثيوبيا تُقدر أعدادهم بنحو 8 آلاف شخص، يجب على تل أبيب جلبهم وإعادة توطينهم، وظل الفلاشا يضغطون لأجل ذلك بأساليب عدة خلال السنوات الأخيرة، لتقرر حكومة نتنياهو ولأهداف سياسية، بالموافقة على نقل 2000 فقط من الفلاشا مورا إلى إسرائيل خلال الأشهر المقبلة، مما أثار ردود فعل غاضبة من النشطاء الإسرائيليين الإثيوبيين الذين يصرون على ضرورة إعادة توطين حوالي 8000 إثيوبي.
والعام الماضي، وخلال الأزمة الانتخابية التي كادت أن تطيح به، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد “تعهد بإحضار بقية الجالية اليهودية الإثيوبية”، ووصف نتنياهو، الإثنين، الـ2000 القادمين من إثيوبيا بأنهم “بقية شعب إسرائيل وإخواننا وأخواتنا”، مضيفاً: “سنعمل على إحضار البقية أيضاً”.
ويأتي قرار نتنياهو الاستثنائي في خطوة فسرت على أنها محاولة لاستغلال الخلاف الذي انفجر بحدة بين قادة المتظاهرين ضده وبين اليهود الإثيوبيين، لكسب أصواتهم واستغلال قضيتهم سياسياً، ففي الأسبوع الماضي، أثيرت ضجة كبرى إثر نشر فيديو بين أحد قادة المتظاهرين ضد نتنياهو، هو العميد أمير هيسكل، أحد القادة السابقين لسلاح الجو الذي شارك بـ”عملية شلومو” لجلب اليهود الإثيوبيين في عام 1991، وهو يؤنب ضابطة شرطة إثيوبية جاءت لاعتقاله من أمام منزل نتنياهو، فقال لها: “ألا تخجلين. أنا الذي جلبتكم من إثيوبيا”. وقد اعتبرت هذه الجملة تعبيراً عن الاستعلاء العنصري ضد الفلاشا. وراح اليمين المناصر لنتنياهو يستغله للتحريض على المتظاهرين بأنهم متغطرسون عنصريون، وجاء نتنياهو ليصب في الاتجاه نفسه، فقرر جلب 2000 شخص من أقاربهم في إثيوبيا.
وقال نتنياهو بعيد إقرار موافقته الإثنين: “لقد استثمرنا ميزانيات ضخمة بعشرات الملايين في استيعاب ودمج المهاجرين، وفي النهوض بالمجتمع وتعزيزه في مختلف المجالات، وسنواصل القيام بذلك”، بحسب تعبيره. وأعلن نتنياهو أنه سيتم تخصيص ميزانية تبلغ قيمتها 370 مليون شيكل من أجل تحقيق هذه العملية. وأوضح: “تحدثت قبل أيام قليلة مع صديقي رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، وقال إنه سيقدم أي مساعدة في هذه العملية المهمة، وأضاف أن “إثيوبيا منفتحة على هذا العمل والتعاون السياسي بيننا وبينهم يسمح بالطبع بهجرة مَن تبقَّى من يهود إثيوبيا دون انقطاع”.
لكن في رسالة إلى نتنياهو، انتقد ضباط في الجيش الإسرائيلي من أصول إثيوبية قرار الحكومة الأخير بجلب 2000 مهاجر فقط، وقال الضباط، وجميعهم لديهم أقارب في إثيوبيا للمجيء إلى إسرائيل: “من غير المفهوم أن تستمر الهجرة من جميع أنحاء العالم، بينما يتم وضع حصص صغيرة وقيود كبيرة على هجرة اليهود الإثيوبيين”.
وبعيد احتجاجات الفلاشا في إسرائيل العام الماضي، عاقب الناخبون من أصول إثيوبية حزب الليكود وامتنعوا عن التصويت له بانتخابات الكنيست في سبتمبر/أيلول الماضي. وعليه، عمد نتنياهو إلى التقرب من الفلاشا لامتصاص غضبهم الشعبي واستمالتهم بالانتخابات، حيث وضع المرشح غادي يفركان من أصول إثيوبية في مكان متقدم ضمن قائمة الليكود، ووعدهم باستقداهم الآلاف من أقاربهم.
الخلاف حول أصولهم اليهودية
تسمح إسرائيل لليهود في جميع أنحاء العالم بالاستقرار في إسرائيل والحصول على جنسيتها مباشرة بموجب “قانون العودة” الخاص بها ، لكنها لا تمنح هذا الامتياز لأقلية “الفلاشا مورا”، وهم أحفاد اليهود الإثيوبيين الذين اعتنقوا المسيحية قبل قرن من الزمان -يقولون إن ذلك وقع “تحت الإكراه”- على الرغم من تعريفهم بأنهم يهود أو أنهم ينحدرون من النسب اليهودي.
ويقول كاساهون شيفيرو، وهو ناشط إسرائيلي إثيوبي لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية : “نحتاج إلى إحضار جميع إخوتنا وأخواتنا إلى هنا، السماح فقط بقدوم جزء منهم لا يكفي”.
وكان اليهود في إثيوبيا أو ما يعرف بـ”بيتا إسرائيل” معزولين إلى حد كبير عن التيار الرئيسي للديانة اليهودية منذ آلاف السنين، وتطورت تقاليدهم الدينية في شكل مختلف نوعاً ما، لكن السلطات الإسرائيلية اعترفت بهم عموماً على أنهم يهود، ومنذ سبعينيات القرن الماضي تم قبول عشرات الآلاف من المهاجرين من إثيوبيا.
لكن العديد من الجماعات الدينية والأصوات في إسرائيل ما زالت ترفض الفلاشا وتشكك في يهوديتهم وتتهمهم بجلب الأمراض، متهمين في الوقت نفسه الساسة الإسرائيليين وزعماء الأحزاب بأنهم يدعمون هجرة الفلاشا رغبة في الحصول على قوة سياسية خلال الانتخابات.
ولا يُثار هذا الجدال ضد المهاجرين غير اليهود من الاتحاد السوفييتي، الذين وصل عددهم لأكثر من 300 ألف شخص في إسرائيل، إذ يعتبر باحثون أن الهجرة من تلك الدول هي خِلاف الهجرة من إثيوبيا، لأنها تحافظ على الهيمنة “الاشكنازية البيضاء” مقابل الطوائف الأخرى.
“تصحيح عقيدة”
على الرغم من أن العديد من أحفاد يهود الفلاشا الذين تحولوا إلى المسيحية يقولون إنهم “يهود ملتزمون”، فإن الحكومة الإسرائيلية لا تعتبرهم يهوداً بالكامل ويعترض بعض الإسرائيليين على جلبهم باعتبار أنهم ليسوا يهوداً.
كما أنهم يحتاجون إلى إذن خاص للهجرة إلى إسرائيل وبموافقة استثنائية من مكتب رئيس الوزراء، وعند وصولهم إلى إسرائيل يجب أن يخضعوا لعملية “تصحيح عقدي”، حتى لو كانوا يمارسون اليهودية بالفعل.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وافقت إسرائيل على خطة لإحضار من تبقى من يهود الفلاشا، حوالي 10 آلاف شخص، إلى أراضيها بحلول نهاية عام 2020. لكن بعد بضعة أشهر من القرار، قال مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه لن يتابع الخطة بسبب قيود الميزانية. منذ ذلك الحين، سمحت إسرائيل لحوالي 2000 من الإثيوبيين بالهجرة فقط لإسرائيل.
وستسمح الخطة التي تمت الموافقة عليها يوم الإثنين بقبول حوالي ربع الـ8000 الذين بقوا يعيشون في مجتمعات متهدمة في المدن الإثيوبية كأديس أبابا، وجوندار، إذ يحاول البعض الانتقال إلى إسرائيل منذ 20 عاماً أملاً في البحث عن مستقبل جديد يغير حياتهم.
العنصرية ضد الفلاشا
ويقول الإسرائيليون من أصل إثيوبي، الذين يبلغ تعدادهم اليوم حوالي 150 ألفاً، إنهم يواجهون دوماً التمييز والعنصرية ويتعرضون دوماً للاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة، وبسبب ذلك تندلع مواجهات واسعة بينهم وبين الشرطة من حين لآخر، في حين يواجه الكثير منهم صعوبة في الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، وترتفع بينهم معدلات الفقر والبطالة والجريمة.
ويعيش الفلاشا في إسرائيل بأحياء فقيرة ومهملة وأحياء من صفيح على أطراف المدن القائمة، كما هو الحال في مدينتي الخضيرة والعفولة المحتلتين، حيث تتزايد نسبة المعتقلين الجنائيين بينهم وتبلغ نحو 40% خصوصاً من الشباب الذين يعانون الفقر والبطالة.
وخاض أبناء الجالية الإثيوبية عدة مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية على خلفية التمييز خلال الفترات السنوات الماضية، ارتفعت وتيرتها خلال العامين الماضيين، مما يناقض ما تحاول إسرائيل إظهار نفسها فيه، بأنها دولة ديمقراطية وسلام تحوي جميع الألوان والطوائف والأديان والجاليات. وبحسب تقارير صحفية، فمنذ عام 1997، قُتل نحو 11 يهودياً من الجالية الإثيوبية في اشتباكات مع ضباط الشرطة.
ويرى محللون أنه خلافاً ليهود البلدان العربية والشرقية واليهود الروس، فإن عدد يهود الفلاشا الصغير، مقارنة بباقي المجموعات العرقية المكوّنة للمجتمع الإسرائيلي، يجعلهم أقل قدرة على تشكيل أي خطر أو تهديد لمنظومات وموازين القوى الاقتصادية، والحزبية في إسرائيل.