ماذا تعرف عن اليمين المتطرف الذي يحكم هولندا حالياً؟
أعلنت الشرطة الهولندية الإثنين أن عدّة أشخاص أصيبوا بجروحٍ في إطلاق نار على إحدى عربات ترام مدينة أوتريخت الهولندية.
أشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أن شرطة مكافحة الإرهاب وصلت إلى المكان، وأفادت شرطة أوتريخت على تويتر أن السلطات الهولندية تفكر في «دافع إرهابي محتمل».. لكن ماذا تعرف عن اليمين في هولندا؟
التطرف اليميني في هولندا يُثير القلق منذ فترة
في الثالث من أكتوبر عام 2018 صرح جهاز المخابرات والأمن العام الهولندي AIVD أنّ التيار اليميني، القائم على القومية المتطرفة، والذي من أفكاره الأساسية كراهية العناصر الأجنبية والثقافات الأخرى يكتسب مكانة في هولندا ويزداد انتشاراً، وأن هذا التيار يتكلّم بشكل متزايد عن تشجيع وتمجيد العنف ضد المسلمين على وجه الخصوص.
ووفقاً للتصريح المخابراتي فنادراً ما يلجأ هذا التيّار إلى العنف الجسدي، ورغم ذلك فإن AIVD تشعر بالقلق إزاء المناخ الناشئ في هولندا.
أنشطة المتطرفين اليمينيين، في معظمها، لم تكن بعنفٍ جسدي، وإنما كان العنف اللفظي هو الذي يحتل مكان الصدارة داخل هذا المشهد.
ترى المخابرات الهولندية أن التيار اليميني يصبّ تركيزه الرئيسي في الوقت الحالي على الأفكار المعادية للإسلام، وقد وصلت هذه الرؤية اليمينية المتطرفة من أمريكا إلى المجتمع الهولندي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
رصدت المخابرات أيضاً أنّ استخدام اللغة بين المتطرفين اليمينيين يزداد عنفاً ويظهرون إعجاباً كبيراً بالأسلحة. وحذّرت في بيانها أنه على الرغم من كون هذه المجموعة لا تلجأ سريعاً إلى العنف، إلا أن خطر قيام الأفراد أو المجموعات الصغيرة بذلك أكبر من الماضي.
العنف اليميني وأسباب صعوده
يقول كون فوسن، العالم السياسي بجامعة نيميغن الهولندية إنّ صعود اليمين المتطرف في هولندا يعود فعلياً إلى اغتيالين، هما: اغتيال السياسي بيم فورتوين في عام 2002، واغتيال المخرج السينمائي ثيو فان جوخ بعد ذلك بعام، اللذان كانا بمثابة صدمة كهربائية للعقل الوطني الهولندي.
كان بيم فورتوين (1948-2002) من الوجوه البارزة في كراهية الأجانب، وقد خاض الانتخابات البرلمانية عام 2002 على برنامج مناهض للهجرة ومناهض للإسلام بشكل جذري، وقال إن هولندا كانت «ممتلئة»، والإسلام «ثقافة رجعية».
أما ثيو فان جوخ فقد قُتل على يد شاب هولندي من أصول عربية إسلامية ويدعى محمد بويري، بسبب فيلم «الخضوع» الذي لم تتجاوز مدته 12 دقيقة.
يعرض الفيلم لسوء المعاملة الذي قد يحدث للنساء في العالم الإسلامي بدءاً من الاغتصاب وصولاً إلى العنف والضرب والزواج رغماً عن الفتاة، وحاول جوخ أن يُصور أن هناك آيات قرآنية تعطي الشرعية لهذا أن يحدث.
مخاوف غير واقعية
يضيف فوسن أنه في عام 2015 نُشر كتاب من 500 صفحة وحظي باهتمام واسع في وسائل الإعلام، ادعى أن هولندا لا تواجه سوى «الإبادة العرقية»، وحذر من أن «الهولنديين الأصليين» على وشك أن يصبحوا أقلية في بلدهم بسبب تحويل هولندا إلى مجتمع متعدد الثقافات.
هذه المخاوف باجتياح المسلمين وتحول الهولنديين إلى أقلية يُظهرها استطلاع أجرته مؤسسة ipsos وهي إحدى الشركات العالمية في الأبحاث ومقرها باريس، وتهدف المؤسسة إلى استكشاف الفجوة بين تصورات الناس والواقع منذ عام 2012 في جميع أنحاء العالم، فقد أظهر الاستطلاع أن أفراد الجمهور في هولندا ودول أوروبية أخرى يبالغون في تقدير حجم السكان المسلمين.
ويشير الاستطلاع أن متوسط تقديرات الهولنديين هو أن 19 ٪ من سكان هولندا من المسلمين، ولكن الرقم الحقيقي هو 6 ٪ فقط، كما يتوقعون أن يرتفع عدد السكان المسلمين إلى 26٪ بحلول عام 2020، بينما تشير التقديرات الرسمية إلى أن المسلمين سيشكلون 6.9٪ فقط من سكان هولندا بحلول ذلك الوقت.
رئيس الوزراء الهولندي يتبنى خطاب رفض الأجانب
في يناير عام 2017 كتب مارك روته، رئيس الوزراء الهولندي الحالي، وزعيم حزب الشعب المحافظ، رسالة من 500 كلمة إلى الشعب الهولندي ظهرت على شكل إعلان على صفحة كاملة في الصحف الرئيسية الهولندية.
كتب روته قائلاً: «إلى حد بعيد ، يتمتع معظمنا بحسن نية، نعمل بجد، ونساعد بعضنا البعض، ونعتقد أن هولندا نظيفة للغاية، لكننا أصبحنا غير مرتاحين على نحو متزايد عندما يستغل الناس حريتنا لتدمير الأشياء هنا، بينما جاؤوا إلى هذا البلد بالتحديد بسبب حريته.»
اعتبرت الرسالة حينها محاولة للفوز بأصوات الناخبين في انتخابات مارس عام 2017، الذين جذبهم حديث منافسه اليميني المتطرف فيلدرز عن رفض الأجانب وكراهية الإسلام، فقط طلب روته من أي شخص لا يحترم عادات البلد أن يغادر، واعتبر أنّ الهولنديين غير مرتاحين على نحوٍ متزايد لأولئك الذين أساؤوا استخدام الحريات التي تمتعوا بها بعد المجيء إلى هولندا، والذين يضايقون المثليين، أو يصفرون للنساء اللاتي يرتدين التنانير القصيرة.
وفي مقابلة منفصلة مع صحيفة ألخمين داجبلاد، رد روته على قرارٍ أصدره مجلس حقوق الإنسان الهولندي مؤخراً ضد شركة حافلات رفضت طلب رجل للعمل سائقاً لديها لأنه رفض مصافحة أيدي النساء، قائلاً:
«لا يمكن أن يقول سائق الحافلة «أرفض مصافحة المرأة لأن ذلك لا يتناسب مع إيماني» لأن لدينا معايير ومعيارنا هنا هو أن نصافح بعضنا البعض، إذا كنت لا تحب ذلك فاترك البلد، واذهب بعيداً، هذا اختيارك، إذا كانت الطريقة التي نتعامل بها مع بعضنا البعض تدفعك إلى الجنون، فأمامك خيار الابتعاد والرحيل، لا يجب أن تكون هنا».
الاتجاهات المُسيطرة على المشهد السياسي الهولندي
فاز حزب روته في الانتخابات النيابية التي أُجريت في 15 مارس 2017، مُتغلباً على اليميني الشعبوي فيلدرز، والذي أدانته محكمة هولندية بالتحريض على التمييز، ليوجه فيلدرز خطابه للقضاة حينها قائلاً «أنا هنا أمامك وحدي، لكنني لست وحدي، صوّت لي حوالي مليون مواطن هولندي في عام 2012، وسيكون العدد أكبر في 15 مارس».
فاز الحزب الحاكم بزعامة رئيس الوزراء مارك روته، بـ 33 مقعداً، من أصل 150 هي مقاعد البرلمان الهولندي، وفي المركز الثاني حصل حزب الحرية برئاسة الزعيم اليميني المتطرف، فيلدرز، على 20 مقعداً، في المركز الثالث جاء كل من حزبي «ديمقراطيون 66″ (يساري وسطي)، و»النداء الديمقراطي المسيحي» (يميني وسطي)، وحصل كل منهما على 19 مقعداً.
ووفقاً لـ BBC يعود فوز روته السابق إلى تبنّيه نفس خطاب فيلدرز حول الهجرة والمهاجرين، دون أن يخوض في موضوع معاداة الإسلام والمسلمين، وثانياً إلى المواجهة الدبلوماسية التي وقعت بينه وبين الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان، تحديداً عقب منع وزيرين تركيين من زيارة هولندا للمشاركة في تجمعات سياسية لإبداء التأييد لمشروع أردوغان حول تعديل الدستور التركي وتحويل البلاد إلى النظام الرئاسي.