ماذا تصنع بالفلسطينيين أيها الرئيس محمود عباس؟
ماذا تصنع بالفلسطينيين أيها الرئيس محمود عباس؟ هل ما ينقصهم هو عبادة الفرد في الوقت الحالي من أجل إزالة الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية، التي ستفيد أبناءها؟ جاكي خوري كتب في «هآرتس» عن كراسة بعنوان «قدوتنا رئيسنا»، التي تتضمن اقتباسات لعباس وستوزع على جميع المدارس في مناطق السلطة الفلسطينية. الحقيقة هي أن إبداعاً كهذا يصعب إيجاده لدى زعماء عرب آخرين؛ كنا معتادين على صفة الرفيق القائد أو الأخ القائد. حتى الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الذي نشر «الكتاب الأخضر» الذي تناول نظريات غريبة قام بوضعها، لم يتجرأ، وربما لم يفكر، على أن يعزو لنفسه صفة القدوة.
يبدو أنه كلما ضربت إسرائيل الفلسطينيين بصورة أشد فإن قادة الشعب الفلسطيني يصبحون أكثر انغلاقاً وأكثر ثقة بأنفسهم. هكذا هو الوضع لدى حماس في غزة، مع قمع المظاهرات هناك. ذات يوم قال غوار، الشخصية الساخرة السورية: «الدولة تضربني وأنا أضرب زوجتي وزوجتي تضرب الأولاد، وهم يضربون أولاد الحارة». الدائرة تدور والناس يسحقون.
ولكن إذا كان الأمر يتعلق بقدوة فلماذا هذا الخير يكون فقط من نصيب عدد من الفلسطينيين؟ لماذا لا يسمون عباس «شمس الشعوب» أو على الأقل «شمس الشرق الأوسط»؟ لماذا لا يسمونه «الزعيم المحبوب» أو «الزعيم الكبير» كما هي الحال في كوريا الشمالية؟ هذا التواضع لقيادة السلطة يثير تساؤلات كثيرة.
هل هذه هي الدولة التي حلمت بها الأجيال الفلسطينية؟ هل هذه هي الدولة التي أرادوا تحريرها من الحكم العثماني والحكم البريطاني والإسرائيليين؟ هل هذا وطن الثوار الذي حلم به الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي؟ هل هذه هي فلسطين التي حلم بها الشعراء إبراهيم طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد؟ هؤلاء الشعراء عبروا عن التوق إلى تحرر الإنسان ليس فقط من الاحتلال الأجنبي، بل من كل ديكتاتورية داخلية.
عباس حظي بفضل كبير عندما عبر بشجاعة عما عبر عنه الآخرون في الغرف المغلقة، وفي العلن قالوا العكس. لقد أراد حرباً شعبية بدون استخدام السلاح الحي. وقال ذلك علناً. سياسته أحرجت حكومة إسرائيل التي بنيت ساحتها على القوة والقوة الزائدة. كما أن هذا الشخص الذي يسمونه في إسرائيل «صوص منتوف الريش» يقف الآن ببطولة أمام الولايات المتحدة ويدمر صفقة القرن لترامب ويفرض على زعماء الدول العربية سحب دعمهم المخجل لهذه الصفقة رغم الضغط الكبير من جانب الأمريكيين.
إذا كان الأمر هكذا فلماذا دخل إلى مستنقع التملق هذا؟ يبدو أن النظام المبني في الجوهر حول عباس قائم على النموذج العام العربي ـ نموذج قائم على التملق الزائد للزعيم، وغياب الانتقاد وإبعاد كل صاحب رأي مستقل وانتقادي. يبقى فقط من يقولون نعم ومن يصفقون. كم هو محزن رؤية الزعيم الفلسطيني صائب عريقات الذي يقود نضالاً إعلامياً لامعاً من أجل الفلسطينيين وهو يلوح بفخر بهذه الكراسة.
وإذا كانت الأمور في السلطة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي الذي يحيط بهم من كل الجهات، تجري بهذه الصورة فماذا سيكون الوضع عندما تصبح فلسطين سيادية مثل الدول العربية الأخرى؟ هذا الأمر مقلق جداً، ومن المهم أن نشرح بأن الجانب الثاني من عبادة الشخصية سيكون بالضرورة قمع حرية التعبير وقمع أصحاب التفكير المستقل.
أرغب في التوجه إلى كل أصدقائي في وسائل الإعلام هنا: «رجاء، حاولوا إخفاء هذا النبأ حتى لا يصل، لا سمح الله، إلى آذان المقربين من نتنياهو المشهور، خاصة ليس إلى وزيرتنا القدوة ميري ريغف. الوزيرة ريغف ستنقض على هذه الفكرة وسيخرج لدينا كتاب بعنوان «زعيمنا القدوة وحربه ضد الأشرار في الداخل والخارج».