ماا تعرف عن أقباط السودان؟
سلط اختيار رجاء نيكولا عبد المسيح، من ضمن مجلس السيادة للفترة الانتقالية في السودان، الضوء على تاريخ الأقباط في هذا البلد الإفريقي.
ويعد المنصب الذي حازته عبد المسيح، أرفع منصب دستوري يتقلده قبطي في السودان، حيث سبقها موريس سدرة، كأول قبطي يدخل السلطة بعدما شغل منصب وزير الصحة في عهد جعفر النميري (1969-1985).
ويأتي تعيين مقعد قبطي في مجلس السيادة، غداة مشاركة فاعلة للأقباط في الاحتجاجات التي أطاحت بالرئيس السوداني، عمر البشير، في أبريل الماضي، في مشهدية لن ينساها السودانيون حينما عمد المتظاهرون الأقباط إلى تغطية رؤوس المعتصمين بالأقمشة لحمايتهم من أشعة الشمس، خلال تأديتهم صلاة الجمعة في ساحات الاعتصام.
ويرى مراقبون أن مشاركة الأقباط في الحراك، ليست سوى للثأر من نظام البشير الذي أعدم ليلة عيد الميلاد عام 1989 الطيار جرجس يسطس بتهمة حيازة نقد أجنبي، وهي التهمة نفسها التي يحاكم بها البشير أمام القضاء.
حالة أقباط السودان في عهد البشير كانت مزرية، وهو الذي حذر في خطاب له بمدينة القضارف شرق السودان، قبيل انفصال الجنوب، بأن لا دين سيسود في الشمال سوى الإسلام ولا دستور سوى الشريعة.
وبين الاعتقال ومصادرة الأملاك والتضييق على الحريات الدينية، فضل كثيرون من أقباط السودان، الهجرة إلى مصر التي ينحدر منها أجدادهم.
ويسجل التاريخ أن أول دخول للأقباط إلى السودان من مصر كان في القرن الرابع الميلادي، عندما انتشرت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في دولة النوبة في الشمال.
وعانى بعدها الأقباط من تقلبات الأنظمة السياسية، والتي بدأت بعقود من الاستقرار، وتحولت إلى اضطهاد في عهد الدولة المهدية (1885-1898)، التي أجبرتهم على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، ما دفع عددا كبيرا منهم إلى التظاهر باعتناق الإسلام، في حين تمكن آخرون من الهرب.
ومع الاحتلال الإنجليزي (1898-1955)، عاد من تبقى منهم إلى المسيحية، ليعيشوا عقودا أخرى من الاستقرار اقتربوا فيها من دواوين الدولة، ولمع نجمهم في مجال الصيرفة والإدارة والتعليم والرياضة.
ولعب أقباط السودان دورا سياسيا وثقافيا واجتماعيا وتعليميا في تاريخ البلاد الحديث، إذ أنشأوا أول مدرسة أهلية للبنات عام 1902، ثم المكتبة القبطية في 1908، الزاخرة بأهم الكتب التاريخية والمخطوطات.
كما أنشأوا الكلية القبطية للبنات 1924 والكلية القبطية للأولاد 1919، فضلا عن إسهامهم في تأسيس ناديي المريخ والهلال الرياضيين، ومجموعة من مؤسسات المجتمع المدني، والحركات التحررية التي انخرطت في النضال ضد الاحتلال البريطاني للسودان.
ومع بروز الإسلام المتشدد في الحكم في ستينيات القرن الماضي، بدأت رحلة جديدة للأقباط السودان من عدم الاستقرار والتضييق، تتمثل بقوانين تمييزية مثل حظر نشاط الإرساليات (عام 1963)، وقانون التأميم الذي صودرت بموجبه ممتلكات للأقباط (عام 1970).
وفي العام 1983، دفع إعلان الرئيس السوداني السابق جعفر النميري إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، الأقباط للانضمام إلى معارضة شعبية تواصلت حتى أيام البشير التي شهدت حرق كنائس وقتل قساوسة وتدمير قرى مسيحية، في ظل الحرب الأهلية الثانية.
لا يوجد تقدير رسمي لعدد الأقباط في السودان اليوم، إلا أن آخر دراسة نشرها مركز بيو الأمريكي للأبحاث، في العام 2012، أشارت إلى أن عددهم بلغ 1.4 مليون نسمة، منتشرون في معظم مدن السودان الرئيسة، وأكبر تجمع لهم في مدينة عطبرة شمالا، كما يوجد تجمع كبير آخر في أم درمان، غربي العاصمة الخرطوم.