لوموند: جيش الأسد مازال في مركز القرار بعد سنوات من الحرب
خصصت صحيفة “ لوموند” الفرنسية سلسلة مقالات للشأن السوري مع قرب انتهاء الحرب الدائرة في البلاد منذ ثمان سنوات؛ حيث تناولت في المقال الأول الدور المحوري لجيش النظام والمليشيات المسلحة الداعمة للنظام .
واعتبرت الصحيفة أنه ومع قرب انتهاء المعارك الدائرة ما تزال هناك مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري مثل إدلب شمال البلاد؛ لكن الأولوية بالنسبة له حاليا هي تهيئة الظروف لما بعد المعارك والتحقق من أن وحدات جيش النظام والمليشيات متحدون حول رئيس النظام بشار الأسد.
وقالت “لوموند” إن النظام السوري شرع في تنفيذ حزمة إجراءات تحفيزية لأفراد جيشه والمليشيات المسلحة، تمثلت من بين أمور أخرى في رفع علاوات الضباط وفتح أكشاك لبيع البضائع مخصصة لعائلات قتلى ومصابي جيش النظام. وهي إجراءات تهدف إلى تثمين تضحيات المقاتلين أكثر مما تهدف إلى احتواء حالة الامتعاض التي تغذيها الصعوبات الاقتصادية والبطالة والعوز.
وتطرقت الصحيفة الفرنسية إلى ما وصفته بعودة جيش النظام إلى تصدر المشهد في سوريا بعد سنوات من تحييده عن الواجهة من قبل بشار الأسد الذي باشر تحرير الاقتصاد السوري لدى وصوله إلى السلطة عام 2000. وبالنسبة لمعارضي الأسد؛ لم يعد الجيش الجمهوري موجودا منذ أن أطلق النار على المتظاهرين ربيع عام 2011 وواصل قصف المدنيين وتدمير المدن، وما هو موجود حاليا بالنسبة للمعارضة لا يعدو كونه جيش بشار الأسد.
وتقول لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إن جرائم ضد الإنسانية ارتكبت في سوريا، قد تقود إلى محاكمة وإدانة قادة عسكريين سوريين. الموالون للسلطة يعتقدون أن المعارضين هم مجموعة من مثيري الفوضى والعنف ويؤكدون أن المؤسسة العسكرية تمثل رمز الوحدة السورية ويجب الالتفاف حولها والدفاع عنها.
وفي الواقع، توضح “لوموند”، فإنه وعلى عكس التوقعات لم يتفكك جيش النظام السوري بل أصبح أقوى وأكثر لا مركزية رغم خسارة نصف مقاتليه تقريباً (كان يبلغ عدد أفراده 25 ألف مقاتل) منذ بداية الثورة عام 2011. ويقول الباحث السوري في مؤسسة كارنيغي خضر خضور إن جيش النظام استطاع إعادة هيكلة وحداته وهناك حاليا منظومة عسكرية وأمنية جديدة قيد التشكل.
ويصف المعارضون السوريون جيش النظام بأنه بات أداة في يد موسكو وطهران اللتين أنقذتا نظام الأسد من السقوط. ويرد الباحث السوري خضر خضور بأنه على الرغم من الدعم الجوي الروسي والبري الإيراني خاصة في معركة استعادة حلب خريف 2016، إلا أن قيادة العمليات في الجبهة كان يتولاها ضباط من جيش النظام السوري.
وعكس السيناريو في تونس ومصر حيث رفض الجيش التدخل في الأول وسمح بسقوط النظام كي يزاد قوة في الأخيرة؛ كان هناك تكامل في سوريا بين النظام والجيش بحكم المصالح الاقتصادية والعائلية والإيديولوجية والعقدية.
ورغم انشقاق آلاف المقاتلين والضباط عن جيش النظام السوري؛ فإن الأمر ظل مقتصرا على الأفراد وليس على الوحدات.
وكان أغلب المنشقين يخدمون من مواقع بعيدة عن العمليات ودون تأثير باستثناء الجنرال مناف طلاس ابن وزير الدفاع السابق والذي انشق عن النظام وغادر نحو باريس وأحدث زخما كبيرا. ولم يأتي تعويل المعارضين على انهيار المنظومة العسكرية للنظام بأي نتائج؛ بل حدث العكس.
وتشير الصحيفة إلى أن التدخل الروسي منذ عام 2015 أحدث تغييرا جذريا في ميزان القوة لصالح النظام ،حيث بات يسيطر على 60% من الأراضي بدلا من 20% قبل تدخل الجيش الروسي. وتعود دوافع التدخل الروسي إلى تبعات الوجود العسكري لحزب الله في سوريا ووجود تحالف معارض من ميليشيات الجيش الحر والتنظيمات الأخرى كان يهدد باجتياح المناطق الشيعية ردا على استعانة النظام بالشيعة واتخاذ شيعة سوريا خزانا لجيش النظام.
هذا التحول حرر جيش نظام بشار، وسمح له بخلق ميليشيات جديدة وتدريبها وتجهيزها مع التحكم في جحم أسلحتها وتحركاتها وإخضاعها لقيادة ضباط بجيش النظام، يقول خضر خضور. ومن بين هذه الوحدات وحدة النمر أشهر وحدات النخبة في جيش النظام، والتي ساعدت في استعادة مناطق مثل حمص وحلب. كما قام جيش النظام بالتخلص من الوحدات التي أصبحت تتمتع بنفوذ قوي على الأرضن على غرار كتيبة صقور الصحراء التي أعاقت تحرك موكب يضم رئيس النظام بشار الأسد في حلب وتم تفكيكها ومعاقبة قادتها وخاصة آمرها أيمن جابر المحتجز منذ 2017.
وتلاحظ صحيفة “لوموند” أنه بحلول نهاية الحرب أصبح هناك ما يعرف باقتصاد الحرب، حيث يستغل عسكريون وميليشيات نفوذهم وقوتهم العسكرية للثراء والسطو وخلق وحدات تفتيش تدفع أموال طائلة مقابل العبور منها. وفي أفق وضع الحرب أوزارها يبدو هناك نوع من عدم التوازن بين القادة الموالين للنظام؛ ففي حين تتحسن ظروف بعضهم ويحصلون على أموال طائلة؛ يتساءل آخرون عن مصيرهم بعد كل التضحيات التي قدموها للنظام.