لم تجرؤ محكمة إسرائيل على تبرئة قاتل “دوابشة”
من ساحة المحكمة الوحيدة في العالم المسماة على اسم الطفل خرجت في بداية سبتمبر 2015 جنازة أم الطفل الثكلى، التي توفيت بعد ستة أسابيع على موت ابنها. فقد وضعت جثة رهام دوابشة المحروقة وسط ساحة المدرسة، وجلس أبناء القرية النائية حولها في دائرة في حالة صمت.بقي وجه الميتة سليماً هادئاً، فيما احترق كل جسدها. ماتت رهام يوم عيد ميلادها الـ 27، وقبل أربعة أسابيع من ذلك مات زوجها سعد جراء الحروق في الذكرى السنوية لزواجهم؛ علي ابن السنة والنصف هو أول من مات، والآن تسمى المدرسة على اسمه. جميعهم ذهبوا إلى النوم في ليلة 31 تموز 2015 في ذلك البيت المتواضع ببلدة دوما، وتم إحراقهم حتى الموت. أحمد ابن الرابعة الباقي على قيد الحياة في وضع صعب، بعد إنقاذه من الحريق، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
اليوم (الإثنين) أدين عميرام بن اوليئيل بثلاث مخالفات قتل ومخالفتي محاولة قتل ومخالفتي إشعال نار ومخالفة تآمر على تنفيذ جريمة بدوافع عنصرية. رجل الصيانة الشاب الذي وصف بأن لديه “يدين من ذهب” وأحد أتباع اليعيزر بيرلاند وأحد “شبيبة التلال”.. وجد أنه مدان بهذا الفعل، وقريباً سيعطى قرار تحديد حكمه. حسب قرار الحكم بالإدانة، يدور الحديث عن شخص حثالة، حثالة مع قبعة كبيرة وأهداب. محكمة اللد المركزية لم تستبعد إمكانية أنه يغطي على قاتل آخر يتجول بشكل حر: أحد سكان القرية شهد بأنه شاهد شخصين في ذاك الظلام الشديد. عندما زرت ذلك البيت في دوما الذي أحرقه بن اوليئيل على رؤوس سكانه كانت رائحة الدخان ما تزال في الجو. جهاز التلفاز كان منصهراً، والميكروويف متفحماً، وكانت عربة الطفل علي المتوفى تتوسط البيت الصغير وهي مغطاة بعلم فلسطين للتذكير به. وشخص ما كان قد علق فوقها صورة عائلية يمكن أن نجد مثلها على الثلاجة تقريباً في كل بيت، وكل من ظهروا في الصورة كانوا أمواتاً.
الملف الجنائي الخطير رقم 16 – 1 – 932: دولة إسرائيل ضد بن اوليئيل. يبدو أن هناك مكاناً لتنفس الصعداء، وحتى الشعور بالرضى والفخر. العدل تحقق.. والقاتل أدين.. وسلطات القانون عملت كما هو مطلوب رغم أن الضحايا كانوا فلسطينيين والقاتل يهودياً. ومثلما هي الساعة المعطوبة تظهر الصحيح مرتين في اليوم… فأمس، كانت إحدى هاتين المرتين. المرة الثانية، إذا شئتم، كانت عند إدانة قتلة الفتى محمد أبو خضير. في هاتين العمليتين تصرفت إسرائيل وكأن جهاز إنفاذ القانون الموجود فيها هو جهاز مساو وعادل. ولكن الساعة كانت وما زالت معطوبة، حتى لو كان العقرب في هذه المرة يشير إلى الساعة الصحيحة بدقة سويسرية. ليس صدفة أن يأتي بن اوليئيل، وكذلك يوسف حاييم بن دافيد، قاتل أبو خضير، من هوامش المعسكر القومي المتطرف.
وليس صدفة أن المتورطوين في الحالتين كانا من القاصرين. هؤلاء هم طحالب مشروع الاستيطان والتنكيل، والأعشاب البرية التي تشرعن كل ما تبقى. وليس صدفة أن الحالتين اللتين تم تفكيكهما كانتا صادمتين على نحو خاص، لذلك حظيتا بتغطية نادرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية رغم هوية الضحايا القومية. عندما يتم إحراق طفل على قيد الحياة، أو عندما يلقون زجاجة حارقة على بيت عائلة بريئة تنام فيه، لا يمكن إخفاء ذلك وطمسه وإبعاده ونفيه. لا يدور الحديث هنا عن جنود يطلقون النار على طفلة تحمل مقصاً أو عن قائد لواء يطلق النار صوب ظهر طفل هارب، أو عن مستوطنين يحرقون الحقول ويهاجمون الرعاة. هذه المرة لم يكن هناك أي مفر. كان يجب القيام بالتحقيق والتقديم للمحاكمة وحتى المعاقبة. هذه المرة صك الجميع أسنانهم بصدمة مصطنعة، بما في ذلك رئيس الدولة ورئيس الحكومة. ولم يبق للشاباك والشرطة أي خيار سوى بدء العمل الحثيث حتى لو لم يكن ذلك هو نهجهما. لقد قاموا بتعذيب بن اوليئيل تقريباً مثلما يعذبون فلسطينياً في الوضع العادي، وهذا لم يكن يجب أن يحدث. مفهوم أنهم لم يهدموا بيته مثلما كانوا سيفعلون من فترة طويلة لعائلة مخرب فلسطيني، ومن الجيد أنهم لم يفعلوا ذلك. حتى دعوات عقوبة الموت لم تسمع هذه المرة. مع كل ذلك فالأمر يتعلق بيهودي.
دم عائلة دوابشة صرخ هذه المرة من البيت المحروق مثلما لم يصرخ من بيوت ضحايا فلسطينيين آخرين. لذلك، لم يكن بالإمكان التغطية عليه هذه المرة.