هآرتس: معركة نتنياهو في 3 جبهات أمني وسياسي وحزبي
قبل أسبوع على موعد انتخابات الكنيست، يدير رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو معركة صد متزامنة في ثلاث جبهات. في الساحة السياسية، يبذل جهوداً كبيرة وأحياناً تكون يائسة وجامحة، هدفه اجتياز نسبة الـ 61 عضو كنيست كي يضمن ائتلافاً يمينياً يمكنه من وقف الإجراءات القانونية ضده.
على الصعيد الاستراتيجي، يمارس نتنياهو جهود إقناع أخيرة على أمل كبح تطور يعتبره كارثياً، بدايته الظاهرة هي مفاوضات مباشرة بين رئيسي الولايات المتحدة وإيران. وفي الحرب العملية اليومية يستمر (حسب مصادر أجنبية) تبادل اللكمات بين إسرائيل وإيران في منطقة واسعة تمتد من العراق وحتى لبنان، وفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية.
أمس، اندمجت كل الجبهات مع بعضها. بعد بضع ساعات من فشل محاولة تمرير قانون الكاميرات في المراكز الانتخابية من أجل ردع المصوتين العرب وإخراج مصوتي اليمين من اللامبالاة، عقد مكتب رئيس الحكومة بصورة متسرعة مؤتمراً صحافياً خاصاً، كشف فيه نتنياهو أموراً جديدة حول المشروع النووي الإيراني. قبل ذلك، فجراً، تم الإبلاغ عن هجوم نسب إلى إسرائيل ضد قاعدة لمليشيا شيعية في شرق سوريا. بعد ذلك، كانت محاولة متسرعة وفاشلة لانتقام إيراني بواسطة صواريخ أطلقت من الأراضي السورية على هضبة الجولان، لكنها سقطت في الجانب السوري للحدود.
كلما اقترب موعد الانتخابات يقترب نتنياهو من حافة الجرف، ويصعب التمييز بين الاعتبارات السياسية والاستراتيجية والعملياتية. الجدول الزمني للحملة ينزلق داخل الجدول الأمني لرئيس الحكومة ووزير الدفاع. وفي الخلفية، ثمة سؤال: هل يطمس نتنياهو الذي أدار بحذر ومسؤولية الجبهة الشمالية، خطوط الفصل في إطار حرب بقائه على قيد الحياة.
هذه الأمور ظهرت للعيان في المؤتمر الصحافي حول الذرة، والمعلومات التي عرضت أمس تظهر في جزء منها كطبعة جديدة للنجاح العملياتي الذي سجله الموساد في السنة الماضية، بدعم من نتنياهو، عند سرقة الأرشيف النووي الإيراني تحت عيون السلطات في طهران. استغل رئيس الحكومة هذا الأمر في حينه جيداً لمصلحته عندما استعان بالمعلومات التي كشفها الأرشيف من أجل حث الرئيس ترامب على الإعلان الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي في أيار 2018.
كانت الكشوفات هذه المرة أقل دراماتيكية، الاكتشاف الأول نشر في السابق (بداية في “حداشون 13” وأول أمس في وكالة “رويترز”)، ومراقبو الوكالة الدولية للطاقة النووية كشفوا بقايا يورانيوم في موقع أشار إليه نتنياهو في خطابه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة السنة الماضية. الاكتشاف الثاني تضمن معلومات جديدة عن موقع قديم، عرضه نتنياهو كموقع لإنتاج السلاح النووي في أبادا جنوبي أصفهان.
الاستخبارات الإسرائيلية نشطت مواقع سرية كهذه في العقد الماضي. والآن لديه إثباتات حول واحد منها. ولكن الطريقة التي يعرض فيها نتنياهو الأمور (مثلما حدث في قضية الأرشيف السنة الماضية) تفوح منها رائحة مؤامرة، خلافاً لما كان يمكن فهمه من أقواله، هذا خرق إيراني من الفترة التي سبقت الاتفاق النووي. على فرض أن الأمر يتعلق حقاً بموقع لإنتاج السلاح النووي، فإن هذا الأمر يعزز ادعاء إسرائيل بأن إيران كذبت عندما قالت إن خطتها النووية تخلو من أي عنصر عسكري. ولكن لا يوجد هنا دليل مباشر على سلوك ممنوع لإيران، الذي يستمر في هذه الأثناء.
وإذا وجد دليل كهذا فمن المعقول أن نتنياهو كان سيعرضه. لم تعد المنشأة نشيطة، بل ودمرت على أيدي الإيرانيين في شهر تموز. وحسب أقوال نتنياهو، خاصة بعد أن فهموا أن إسرائيل كشفت نشاطاتهم هناك.
خلافاً لجزء من ادعاءات المعارضة، لا يوجد في أقوال نتنياهو بالضرورة ضرر أمني فوري. تتعلق علامات الاستفهام بالاعتبارات: لماذا كان من الملحّ عرض التفاصيل أمس، وهل كان يمكن الفصل بين العملية السياسية لرئيس الحكومة الموجهة للمجتمع الدولي والرغبة في مواصلة الحفاظ على جدول أعمال أمني – سياسي، وهي ساحة توجد لنتنياهو فيها أفضلية مفهومة على منافسيه؟
يستمر الخلاف مع إدارة ترامب حول القمة المخطط لها، بوساطة فرنسية، بين الرئيس الأمريكي ونظيره الإيراني حسن روحاني. ويريد نتنياهو وقف الاقتراح الفرنسي لإعطاء إيران اعتماداً بمبلغ 15 مليار دولار حتى نهاية السنة كجزء من رزمة استئناف المحادثات. في هذه الحالة، لكن هذا قد لا يلقى آذاناً مصغية في واشنطن. بعد بضع ساعات من مؤتمر نتنياهو الصحافي، قال الرئيس الأمريكي بأن ليس لديه مشكلة في الالتقاء مع روحاني. يبدو أن هناك شخصيات رفيعة في الإدارة تخالف الخط الجديد الذي يبلوره الرئيس، لكن يصعب رؤية من منهم يخرج علناً ضد ترامب وينجح في الحفاظ على وظيفته.
موشيه يعلون، في فترة ولايته كوزير للدفاع، الذي اصطدم في الغالب مع إدارة أوباما، هاجم أمس في لقاء في معهد السياسات ضد الإرهاب في هرتسليا، سياسة ترامب الجديدة. “يجب أن يكون هناك تصميم أمريكي على كل الملعب ومواصلة الضغط على النظام الإيراني بدون تنازل”، قال. “المشكلة هي عدم استعداد أمريكا للمواجهة. عندما لا تكون مستعداً للمواجهة فأنت تبث الضعف. ولو كنت في مكان خامنئي لرضيت: لقد أسقطت طائرة بدون طيار ولم يردوا، وهاجمت ناقلات نفط ولم يردوا. الأمريكيون يبثون عدم رغبة في المواجهة، وهنا هي المشكلة”.
عودة إلى الضبابية
فجر أمس حدث هجوم جوي على قاعدة كبيرة في الجانب السوري على معبر الحدود بوكمال. الهدف الذي هوجم هو قاعدة كبيرة كانت قيد البناء وهدفها خدمة مليشيا شيعية مؤيدة لإيران. وحسب منظمات معارضة في سوريا، قتل في الهجوم 18 مقاتلاً من المليشيا. إذا كانت إسرائيل هي المهاجمة، فقد عادت إلى سياسة الضبابية. لم يكن هناك هذه المرة أي تحمل للمسؤولية من القدس ولو حتى بشكل رمزي.
حدث هذا الهجوم بعد هجمات سابقة نسبت إلى إسرائيل ضد مليشيات شيعية غربي العراق في شهري تموز وآب. أثارت الأحداث السابقة انتقادات شديدة في البنتاغون وقيادة المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي، خوفاً من أن تعرض حياة جنود أمريكيين يوجدون في العراق للخطر. وسارع أعضاء برلمان عراقيون إلى طلب إخلاء الوحدات الأمريكية في الدولة واتهموها بمساعدة إسرائيل.
ثمة هجوم في الجانب السوري، إذ تدور معركة حتى الآن تزداد حدودها لتصل إلى العراق. بعد بضع ساعات على الهجوم جاء رد إيران، فأطلقت عدة صواريخ من جنوب دمشق نحو هضبة الجولان. بعض الصواريخ هي كاتيوشا من نوع غراد، سقطت في الأراضي السورية على بعد 2 كم عن الحدود. ولأن أنظمة الاعتراض الإسرائيلية قادرة على أن تحسب مسبقاً منطقة السقوط المقدرة، لم يتم إطلاق صواريخ اعتراض ولم يتم إطلاق صافرات الإنذار في الجولان.
مع ذلك، هناك تطور: هذه محاولة لحرس الثورة الإيراني بواسطة المليشيات الشيعية لإغلاق حساب فوري مع إسرائيل. في السابق استغرق الإيرانيون بضعة أيام للقيام بمبادرات رد مشابهة. الأسبوع الأخير للحملة الانتخابية يشهد جبهة شمالية متوترة ومتواصلة. وغزة أيضاً ليست هادئة؛ فحماس والجهاد الإسلامي، مثل إيران وحزب الله، يدركون حساسية إسرائيل ويختبرون طريقة رد نتنياهو، تحت الضغوط السياسية الداخلية. يمكن التقدير أن العناوين الأمنية ستتسرب إلى جدول الأعمال الإخباري حتى في آخر أخبار اللعبة السياسية.