لماذا يقدم بوتين المقاتلة سوخوي -57 لأردوغان على طبق من ذهب؟
بالتأكيد كان مشهد أردوغان وهو بداخل الطائرة الروسية سوخوي 57 صادماً للغرب، ولكن هل تتطور الأمور إلى أكثر من ذلك، هل تشتري تركيا سوخوي 57؟ وماذا ستفعل الولايات المتحدة إذا حدث ذلك، أم أنَّ أنقره تضغط فقط على واشنطن لإعادتها لبرنامج الإف 35.
وكانت تقارير إعلامية روسية قد احتفت بتفقد الرئيس التركي، خلال زيارته معرض «ماكس-2019» للطيران، للمقاتلات «سوخوي 57» الروسية، وإبدائه الاهتمام بها، وسؤاله نظيره الروسي فلاديمير بوتين حول هل بدأت المقاتلة في الطيران.
وردّ بوتين على سؤال أردوغان قائلاً: إن الطلعات بدأت. فسأله الرئيس التركي «هل يمكن شراؤها؟»، ليجيب نظيره الروسي: «نعم، يمكنكم شراؤها».
هل تشتري تركيا سوخوي 57؟
هذه المرة الأولى التي تعرض فيها النسخة التصديرية لمقاتلة «سو-57» في «ماكس».
وخلال تفقُّده الطائرة، استمع أردوغان لشرح مفصَّل عن مزاياها، ليكون بذلك أول رئيس أجنبي يشاهد قمرة قيادة المقاتلة.
وسبق أن ألمح الجانب التركي إلى اهتمامه بهذه الطائرات على خلفية إلغاء واشنطن الصفقة، حول تزويد أنقرة بمقاتلات «F-35»، في إجراء جاء رداً على شراء تركيا منظومات الصواريخ الروسية للدفاع الجوي من طراز «إس-400».
وكان أردوغان قال إن تركيا ستحاسب أي شخص يستبعد بلاده من برنامج الطائرات المقاتلة إف-35.
فهل يُنفّذ الرئيس التركي وعيده، وماذا سيفعل الأمريكيون إذا أقدمت تركيا على شراء الطائرة التي صُممت لتكون قاتلة الإف 35، كما فهم من حديث الرئيسين الروسي والتركي العلني، الذي بدا وكأنه موجّه للأمريكيين تحديداً.
لا تلوموا إلا أنفسكم
باعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإنَّ من يتحمَّل اللوم في هذا المشهد الذي يمثل ضربةً طاعنة لحلف الناتو، هم القادة الغربيون، وخاصة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
فقبل سنوات قليلة وَضَعَ أوباما وقادة الدول الكبرى بالناتو تركيا في مأزق، ففي خضمّ أزمتها الحادة مع موسكو بسبب الانتهاكات الروسية للمجال الجوي الروسي، وتهديد أنقره بإسقاط أي طائرة تخترق مجالها الجوي، سحب حلف الناتو، وفي المقدمة أمريكا، صواريخ باتريوت من الأراضي التركية، في أكتوبر 2015.
وبعد ذلك بنحو شهر أسقطت أنقرة طائرة روسية انتهكت أجواءها، في تصعيد خطير للتوتر بين البلدين اللذين كانا مختلفين أصلاً بسبب سوريا.
كما رفضت الولايات المتحدة بيع صواريخ باتريوت لتركيا، تاركةً أنقره في مواجهة مع روسيا بسبب الأزمة السورية، الأزمة نفسها التي كانت أنقرة تتحرك فيها بالتنسيق مع الغرب ودول الخليج.
ولكن بعد أن تدخلت موسكو وهزمت المعارضة السورية، تخلَّى الغرب عن السوريين، وعن أنقره.
وكان هذا بداية تغيير استراتيجي في تاريخ تركيا، التوجه شرقاً.
ولم يقتصر الأمر على التقارب مع روسيا في الاقتصاد ومحاولة حلِّ الأزمة السورية، ولكن الأهم إبرام صفقة تاريخية معها تتضمن شراء صواريخ أس 400، بما في ذلك نقل للتكنولوجيا وإنتاجها محلياً في تركيا.
ردَّت الولايات المتحدة باستبعاد تركيا من برنامج الطائرة الشهيرة الإف 35. وها هي أنقرة تلوّح بردٍّ يؤلم الأمريكيين.. شراء الطائرة الروسية الشبحية التي يفترض أنها منافسة الإف 35، بل المفارقة أنها مفترض أنها مصممة لإسقاط الإف 35.
لم يُقضَ الأمر الذي فيه تستفتيان
خروج تركيا من برنامج الإف 35 قد لا يكون أمراً نهائياً؟
فواشنطن طلبت من أنقره عدم تفعيل صواريخ إس 400.
وقبل زيارة أردوغان لروسيا بيوم واحد، صدر تصريح لافت من البنتاغون.
إذ قالت مستشارة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إيلين لورد، الإثنين، إن تركيا بلد حليف وشريك استراتيجي لبلادها، وإن واشنطن على تواصل دائم مع أنقرة.
جاء ذلك في معرض تعليق لورد على إمكانية التراجع عن استبعاد تركيا من برنامج مقاتلات «إف-35″، خلال مؤتمر صحفي عقدته في وزارة الدفاع الأمريكية.
ومع أنها أكدت على قدرة بلادها على توفير خطوط إنتاج بديلة للأجزاء التي تصنعها تركيا من الطائرة، إلا أنها تجنَّبت نفي أو تأكيد إمكانية التراجع عن استبعاد تركيا من المشروع.
وقالت إن الشركات التركية ستواصل إنتاج أجزاء مقاتلات إف-35، حتى مارس 2020.
واللافت أيضاً أنها قالت إنه في حال خروج تركيا منه فلن يكون هناك شريك بديل يحل مكانها في البرنامج.
فهل تتراجع واشنطن عن استبعاد تركيا من المشروع، وخاصة في ظل إشارات أنقره الواضحة أنها قد تتجه للروس كبديل.
وبعد وصول منظومة صواريخ إس 400 إلى تركيا، لا يمكن النظر إلى كلام الرئيس التركي على أنه مجرد تهديدات، فقد أثبت الرجل أنه ينفذ كلامه بطريقة قد تكون فاجأت الروس شخصياً.
ولكن ما الأفضل.. الروسية أم الأمريكية؟
تكلفة الطائرة الروسية Sukhoi Su-57، التي يتم تطويرها من أجل التفوق الجوي والعمليات الهجومية تقارب نصف تكلفة الطائرة F-35، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «يني شفق» اليومية التركية.
وأضاف التقرير أنَّ الطائرة المقاتلة الروسية من الجيل الخامس يمكنها أن تستجيب لاحتياجات تركيا الوطنية أكثر من F 35.
والطائرة السوخوي 57 لديها محركان مقابل محرك واحد للإف 35، ويقول الروس إنها منافسة للإف 35، ذات القدرات العالية في القصف وللطائرة إف 22 رابتور، ذات القدرات الأعلى في القتال الجوي.
ونظرياً على الورق تبدو السوخوي أفضل بفضل امتلاكها محركين وما يترتب على ذلك من نسبة وزن لقوة جيدة، ولكنها مازالت متأخرة في مرحلة الإنتاج عن نظيرتها الأمريكية.
فالطائرة الروسية قيدَ التطوير، وتواجه مشاكل أكبر من برنامج الإف 35، ولكنها تظلّ المنافس الأقرب للطائرة الأمريكية في السباق على ريادة الجيل الخامس من الطائرات الحربية.
وتشارك روسيا بإحدى نسخ الطائرة في مشروع مشترك مع الهند، ولكنه يعاني من تعثُّر مالي وفني وتأخيرات، وهو عامل يحفز موسكو على البحث عن شريك إضافي، خاصة في ظلِّ تملل الشريك الهندي.
كما أن هناك شكوكاً حول مشكلات يواجهها الروس فيما يتعلق بإنتاج المواد المستخدمة في بَدَن الطائرة، الذي يفترض أن يكون خفيّاً على الرادارات، وكذلك تكنولوجيا تقليل البصمة الرادارية للطائرة، خاصة المحركات الملائمة للطائرات الشبحية.
في المقابل، فإنه يفترض أن الروس متميزون فيما يتعلق بإيروديناميكيات الطيران، وبناء على أداء الطائرات السوخوي 35 المشهورة بمناورة الكوبرا الشهيرة فإن السوخوي 57 قد تكون مميزة جداً في المناورات الجوية.
خيار طبيعي.. روسيا مستعدة لمساعدة تركيا على تطوير صناعاتها الدفاعية
وسبق أن قال مسؤول بمشتريات وزارة الدفاع التركية لـ «Defense News» إن «التقييم الجغرافي الاستراتيجي» سيجعل الخيارات الروسية تظهر كخيار طبيعي.
وأضاف المسؤول: «تكنولوجيا المقاتلات الروسية ستكون الخيار الأول الأفضل، إذا تصرَّف حلفاؤنا الأمريكيون بطريقة غير صديقة، وشكَّكوا في عضوية تركيا في برنامج إف 35».روسيا تعرض على تركيا شراء الطائرة سوخوي 57
حتى وقبل أن يعرض بوتين الطائرات على أردوغان على الملأ، أعرب سيرغي تشيميزوف، المدير التنفيذي لشركة «روستيخ» الحكومية الروسية للصناعات الدفاعية، عن استعداد موسكو بيع مقاتلاتها من طراز «سوخوي 57» الحديثة إلى تركيا، في حال رغبت أنقرة في ذلك.
وأوضح تشيميزوف، أنَّ موسكو منحت مؤخراً الأذونات اللازمة لتصدير مقاتلاتها من الجيل الخامس من طراز «سوخوي 57»، لكن سنُلبِّي أولاً احتياجات وزارة الدفاع الروسية.
وأعرب عن استعداد موسكو لمساعدة أنقرة في تطوير صناعاتها الدفاعية، خاصة على صعيد تبادل الخبرات التكنولوجية والإنتاجية.
السوخوي 35 البديل الجاهز
وإذا شاركت تركيا في برنامج سوخوي 57 أو عقدت صفقة لشرائها، فهذا قد يعني أنها قد تحصل أيضاً على طائرات سوخوي 35 الأكثر تقليدية، ولكنها جاهزة للعمل، وليست في طور التطوير كسوخوي 57.
وكان أردوغان قد تفقَّد مع بوتين الطائرة سوخوي 35 أيضاً، إضافة إلى عدد من الطائرات المروحية.
وألمح بوتين إلى أنه في حال تنفيذ الصفقة المحتملة فإنَّ ذلك سيفتح فرصاً جديدة للتعاون متبادل المنفعة، وفقاً للنسخة التي وزَّعها الكرملين من التصريحات.
هل تشتري تركيا السوخوي أم تشارك في تصنيعها، وماذا ستقدم لروسيا مقابل الطائرة؟
التوجّه شرقاً سيُمثِّل تغييراً استراتيجياً بالنسبة لسلاح الجو التركي، ويحتاج لوقت إلى استيعابه.
وغالباً فإن الأتراك لا يريدون مجرد شراء الطائرات، بل المشاركة في إنتاجها.
وليس هناك تفاصيل حول الصفقة المحتملة، وهل ستمضي الأمور قدماً في اتجاه اقتناء تركيا للطائرة الروسية، وهل ستكون شراء ومشاركة في التصنيع أم شراء فقط.
إلا أنَّ المؤكد أن الأتراك يسعون للمشاركة في تصنيع الطائرة، التي سيضمّونها لسلاحهم الجوي أياً كانت، وليس الشراء فقط.
ولكن ما الفائدة التي تعود على روسيا من إبرام هذه الصفقة مع غريمتها السابقة تركيا، رغم أنهما يتنافسان في سوريا، وفي ساحات أخرى ممتدة من البلقان مروراً بالقرم، وصولاً إلى القوقاز وآسيا الوسطى.
فروسيا هي المنافس التاريخي لتركيا، وأنقرة الصاعدة المتسلحة بالقومية والديمقراطية والتوجهات الإسلامية تمثل خطراً على نفوذ روسيا، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في مناطق صراعهما التقليدية التاريخية؛ البلقان والقرم وآسيا الوسطى.
ففي هذه المناطق تواجه الأتراك والروس أو حلفاء البلدين مراراً لقرون، ومازالت نفس أسباب الخلافات موجودة، وهي أكثر مرارة من الوضع في سوريا.
فدول البلقان توجد بها أقليات مسلمة من أصول تركية أو مرتبطة بتركيا، وتتار القرم حلفاء الدولة العثمانية التاريخيون يرفضون ضمَّ روسيا لشبه الجزيرة التي يعيشون فيها، قبل أن يأتي الروس والأوكرانيون.
وآسيا الوسطى التي تتحدَّث شعوبها لغات تركية ساحة محتملة لصراع النفوذ بين الدولتين.
ولكن رغم كل ما سبق فإنَّ التقارب مع تركيا، صاحبة أكبر جيش في الناتو بعد الولايات المتحدة، وحامية الجناح الجنوبي للحلف، البلد الذي يستضيف أسلحة نووية أمريكية موجَّهة لروسيا أمر يستحق العناء بالنسبة لبوتين.
لدى تركيا ما تقدمه في مشروع السوخوي 57
فيما يتعلق بالطائرات تحديداً، لدى تركيا أيضاً ما تقدمه لروسيا، أكثر من الأموال التي ستدفعها أو الانقلاب الاستراتيجي الذي تحدثه داخل الناتو.
فقد اكتسبت أنقره خبراتٍ كبيرة في مجال تكنولوجيا الطائرات، حتى إنها وضعت جدولاً زمنياً لإنتاج طائراتها الخاصة.
ولكن تظلّ قضية المحرك هي عقدة مشروع تركيا لإنتاج طائرتها الخاصة، وهي نقطة يمكن أن تستفيد فيها من التعاون مع الروس.
ولكن ما المقابل؟
نقاط تفوق تركيا في صناعة الطيران
تمتلك تركيا ميزة نسبية في مجالات قد لا يكون الروس متفوقين فيها.
إذ استثمرت شركة Turkish Aerospace ميزانية كبيرة جداً في قدرات تصنيع المواد والأجزاء الهيكلية المتقدمة، هذا هو الجزء الأقوى من نطاق قدرات الشركة، حسبأردا مولوت أوغلو، المهندس والباحث التركي المتخصص في مجال الفضاء والطيران.
تركيا كانت ستشارك في إنتاج بدن الطائرة الشبحية الإف 35، واكتسبت خبرات في هذا النطاق تحديداً، وهذا يمكن أن يكون مفيداً للمشروع الروسي.
كما أن الشركات التركية لديها بعض الخبرة في توفير النظم الفرعية وقطع الغيار لبرامج الطائرات الكبرى، مثل F-35 وA400M.
وحقَّقت تركيا اكتفاءً ذاتياً كبيراً في أنظمة الأسلحة التي تطلقها الطائرات وبعض أجهزة الاستشعار ومعدات الاتصالات.
علاوة على ذلك، يجري تنفيذ برامج ترقية إلكترونيات الطيران المحلية والهيكلية، مثل ترقية إلكترونيات الطيران، ومنها ترقية محلية لطائرة F-16.
وبصفة عامة فإن هذه المجالات أغلبها التي يتأخر الروس فيها، مقارنة بنظرائهم الغربيين.
لا يضاهي الأتراك الروس في صناعة الطائرات على الإطلاق.
ولكنهم يمتلكون الديناميكية الغربية التي اكتسبوها من شراكاتهم مع الدول الغربية، وهو أمر يفتقده الروس كثيراً.
رغم أن الشراكة مع الروس ليست مريحة كما تتحدث التسريبات القادمة من الهنود أحياناً، كما أن السلاح الروسي عامةً أقل جودة عن نظيره الغربي، ولكنه أيضاً أقل تعقيداً وتكلفة.
ولكن ماذا سيفعل الأمريكيون إذا توجهت تركيا للطائرات الروسية؟
قد يحاول الأمريكيون الردّ إذا أقدمت تركيا على شراء الطائرات الروسية، ولكن التجربة تشير إلى أن أنقرة تردُّ على أي رد فعل أمريكي يستهدف معاقبتها بمزيد من التقارب مع الروس.
واللافت في هذا الصدد، ما كشفته وكالة «بلومبيرغ» الأمريكية عن أن تركيا سعت للوصول إلى نظام حماية مصرفي روسي، خلال اجتماعات عقدها مسؤولون أتراك مع نظرائهم الروس، في شهر يوليو الماضي.
وذكر تقرير للوكالة أنَّ روسيا وتركيا عقدتا محادثات طارئة، في يوليو 2019، حول توصيل الشركات والمقرضين الأتراك ببديل تابع للمصرف المركزي الروسي عن نظام سويفت للتراسل المالي العالمي، بعد فترة قصيرة على مخاطرة تركيا بالتعرض للعقوبات الأمريكية، من خلال بدء تسلمها منظومة «إس 400» الصاروخية الروسية للدفاع الجوي، متجاهلة مطالبات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء الصفقة.
مما يشير إلى أن تركيا مستعدة لكل الاحتمالات.
وأشار تقرير الشبكة نفسها إلى أنّ بنك روسيا أسَّس نظام التراسل المالي عام 2014، بهدف «تقليص المخاطر الخارجية» وتأمين الحماية ضد تهديد تعرض روسيا للفصل عن خدمة سويفت العالمية.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في يونيو الماضي، إنّ روسيا في خضم محادثات حول وصل الصين بهذه الشبكة.
ويبدو التقارب الروسي التركي منذ بدايته مرتبطاً بسلوك الغرب تجاه أنقرة.
فتركيا تحت حكم أردوغان ترفض أن تكون تابعاً للغرب، وأن تقف على أبواب أوروبا تستجدي الدخول للاتحاد الأوروبي، بل هي تريد أن تكون شريكاً كامل الأهلية، له حق الوصول لكافة المميزات المتوفرة للحلفاء الآخرين، وإلا فلسان حالها يقول إننا نستطيع أن نبحث عن شركاء آخرين.