لماذا يخشى حزب ترامب من نشر تقرير مولر كاملاً؟
بعد أن انتهى المحقق الخاص روبرت مولر من تحقيقاته بشأن اتهام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتواطؤ مع روسيا، أثناء حملته الانتخابية في 2016، واتهامه بعرقلة العدالة في نفس الإطار، وهلَّل ترامب وأنصاره «لا تواطؤ ولا عرقلة»، بدا كما لو أن الستار قد أسدل على تلك القصة التي استمرت عامين.
وكان يأمل خصوم ترامب في الداخل والخارج أن تنتهي بعزله من منصبه، لكن القصة لم تنته بعد وأصبح محورها الرئيسي الآن هو نشر تقرير مولر كاملاً وبأقصى سرعة، بحسب الديمقراطيين، في مقابل تمسك ترامب بعدم النشر «حفاظاً على أسرار الأمن القومي»!
فما هي أهمية نشر تقرير مولر كاملاً من عدمها؟ وما هي العوائق القانونية التي تحول دون نشره كاملاً؟ وهل هناك حلول لمواجهة تلك العوائق؟ وماذا تعني «نسخة منقحة» من التقرير؟ ومن الذي سيتولى التنقيح؟ وما هو تأثير النشر «منقحاً أو من دون تنقيح» على مستقبل ساكن البيت الأبيض، وفرصه في الفوز بمدة رئاسية ثانية؟
ما هو الموقف الآن؟
وزير العدل ويليام بار، الوحيد الذي اطّلع على تقرير مولر كاملاً وأرسل ملخصاً للتقرير في أربع صفحات إلى قيادات الكونجرس، يقول إنه يخطط للكشف عن «نسخة منقحة» من التقرير منتصف أبريل الجاري، ولكن الديمقراطيين في مجلس النواب يقولون إن هذا العرض ليس جيداً.
وفي هذا السياق، أعاد رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب جيري نادلر يوم الإثنين 1 أبريل 2019، التأكيد على ما طالب به منذ أسبوع، وهو أن يطلع الكونغرس على التقرير كاملاً «دون تنقيح»، و «دون تأخير».
نادلر (نائب ديمقراطي عن نيويورك) أكّد أن بار لو لم يستجب لطلباته فإن اللجنة القضائية ستستعد بطلبات استدعاء قانونية، لمحاولة الاطلاع على التقرير، اليوم الأربعاء 3 أبريل.
الموقف الآن يعني باختصار أنه من غير المرجح أن يتم الكشف عن النسخة الكاملة غير المنقحة من تقرير مولر للعامة في وقت قريب، فالتقرير غالباً يتناول قضايا حساسة مخابراتياً، وتحقيقات لا تزال جارية، وهذا يعني أن المعركة الحقيقية ستشتعل على جبهتين، بحسب تقرير نشره موقع فوكس الأمريكي الأربعاء 3 أبريل.
الجبهة الأولى هي «حجم التنقيح» الذي ستتعرض له النسخة التي ستنشر إعلامياً، وفي هذا النقطة نستعرض موقف المؤيد للتنقيح (بار) ومبرراته القانونية.
بار يقول في خطاب وجهه لقادة الكونغرس إنه يخطط أن يتناول «التنقيح» أربعة أنواع من المعلومات، وهي «الشهادات أمام هيئة محلفين»، والمعلومات المخابراتية الحساسة والمسائل التي قد تؤثر في سير تحقيقات جارية والمعلومات التي قد يؤثر تداولها على الحقوق الشخصية لطرف ثالث.
ليس هذا وحسب، فترامب بصفته الرئيس سوف يحاول التمسك بسلطاته التنفيذية التي تمكنه من «حجب معلومات بداعي الأمن القومي».
معلومات أمام هيئة محلفين
في سياق تحقيقاته التي استمرت عامين تقريباً، شكَّل مولر هيئة محلفين كبرى ليتمكن من إصدار استدعاءات للشهادة أمامها، وهيئة المحلفين الكبرى في هذا السياق تعد أداة تحقيقية هامة، حيث يكون الشاهد مجبراً على الحضور والإدلاء بشهادته منفرداً، دون حضور محاميه، وبالتالي هناك محاذير قانونية صارمة تمنع نشر مثل تلك الشهادات.
ماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن أية شهادات من هذا النوع لم يتم الإعلان عن فحواها سابقاً يمكن أن يطالها «التنقيح» في نسخة التقرير التي سيطلع عليها الكونغرس، وقد عبَّر مولر عن ذلك في خطابه للكونغرس الذي حمل ملخص تقرير مولر. ولكن يظل من غير الواضح حجم مثل تلك النوعية من المعلومات، وإن كانت النقطة الإيجابية (بالنسبة للديمقراطيين هي أن مولر استخدم هيئة المحلفين بصورة أكثر كثافة في تهمة التواطؤ مع الروس عما عليه الوضع في تهمة عرقلة ترامب للعدالة، وهي النقطة التي يعتبرها خصوم ترامب الحلقة الأسهل استهدافا في التقرير، خاصة أن مولر نفسه لم يتوصل فيها لحكم قاطع سواء ببراءة الرئيس أو إدانته).
في هذا السياق أيضاً، لن يكون بار مطلق اليدين في «التنقيح»، حيث إن هناك جهات أخرى تحركت بالفعل ضد هذا الإجراء، على سبيل المثال لا الحصر رفعت لجنة المراسلين لحرية الصحافة دعوى عاجلة الإثنين 1 أبريل/نيسان أمام القاضي المشرف على هيئة المحلفين، وطلبت منها «تمكين الإعلام من الاطلاع على أكبر قدر ممكن من تقرير مولر.
وبحسب تقرير للسي إن إن، انحازت القاضية المعنية بيريل هاويل مع ذلك النوع من المطالبات لحق العامة في المعرفة في مناسبات عديدة من قبل، ما يعني وجود فرصة قوية لأن توافق على طلب اللجنة في هذا الصدد.
معلومات يعتقد مسؤولو المخابرات أنها قد تعرض مصادر ووسائل حساسة للخطر
النوع الثاني من المعلومات العرضة للتنقيح يأتي في سياق محاولات مولر من خلال تحقيقاته أن يقيم تدخل الحكومة الروسية في انتخابات 2016، وبالتالي من المؤكد أنه استخدم قدراً كبيراً من المعلومات المخابراتية الحساسة، وفي هذا السياق يقول بار إنه «سينقح» أية معلومات قد تعرّض مصادر وأساليب جمع المعلومات للخطر، وقد حدث بالفعل أثناء سير التحقيقات مواقف شكلت هذا النوع من المخاطر، ونشرتواشنطن بوست تقريراً حول هذا الأمر عام 2018.
لكن على الطرف الآخر، يرى خصوم ترامب أن هذا الطرح في الغالب يكون «حقاً يراد به باطل»، بمعنى أن إدارة ترامب تستخدم هذا المنطق بصورة مبالغ فيها، ربما لحجب معلومات قد تدين ترامب أو مستشاريه.
معلومات قد تؤثر على سير تحقيقات جارية
النوع الثالث من تلك المعلومات يبدو موقفه القانوني أكثر صلابة، حيث إنه من المعلوم الآن أن مولر في سياق تحقيقاته قرّر إحالة عدد من القضايا إلى جهات تحقيق أخرى، لمزيد من التحري والتحقيق فيها (لأنها قضايا تبدو فيها شبهات مخالفات قانونية، سواء كانت جرائم أو جنحاً، ولكنها ليست في صلب موضوع التحقيق الذي يجريه، وتحديداً التواطؤ وعرقلة العدالة، أو بالمعنى الدارج وقعت أمامه مصيبة بالصدفة).
ولا أحد يدري كم أو طبيعة تلك المسائل والقضايا التي أحالها مولر، وربما تكون خاصة بأطراف ثالثة لها وجود في عالم ترامب، ولكنها غير مرتبطة بالتحقيق في التواطؤ مع روسيا، ما يعني أنها تمثل خطراً على ترامب أو محيطه، لكن في سياق مختلف، وهذا بالطبع أحد أهم أهداف الديمقراطيين من وضع أيديهم على التقرير كاملاً! ولكن في كل الأحوال لن ترغب وزارة العدل في الكشف عن معلومات قد تؤثر على تحقيقات جارية.
معلومات قد تؤثر على خصوصية وسمعة ومصالح طرف ثالث متداخل: النوع الرابع من المعلومات التي صنَّفها بار على أنها ستكون محل «تنقيح» في نسخة تقرير مولر التي سيكشف عنها، طبقاً لخطابه، تعد مثيرة للاهتمام، حيث إنه قبل خطابه للكونغرس توقع الكثيرون أنه سيحاول «تنقيح» المعلومات المرتبطة بأفراد لم توجه لهم اتهامات، لكن التصنيف الوارد في خطاب بار (بحسب وصف تقرير فوكس) يعتبر وصفاً «مفصلاً بصورة دقيقة»، ومن غير الواضح أية معلومات في تقرير مولر قد تؤثر على خصوصية «لاعبين غير مؤثرين» من الأصل.
معلومات قد تؤثر على خصوصية وسمعة ومصالح طرف ثالث
النوع الرابع من المعلومات التي صنّفها بار على أنها ستكون محل «تنقيح» في نسخة تقرير مولر التي سيكشف عنها، طبقاً لخطابه، تعد مثيرة للاهتمام، حيث إنه قبل خطابه للكونغرس توقع الكثيرون أنه سيحاول «تنقيح» المعلومات المرتبطة بأفراد لم توجه لهم اتهامات، لكن التصنيف الوارد في خطاب بار (بحسب وصف تقرير فوكس) يعتبر وصفاً «مفصلاً بصورة دقيقة»، ومن غير الواضح أية معلومات في تقرير مولر قد تؤثر على خصوصية «لاعبين غير مؤثرين» من الأصل.
على أية حال، تلك هي الأنواع الأربعة من المعلومات التي قال بار إنها ستخضع «للتنقيح»، وجميعها يمكن أن يطبق عليها التنقيح بصورة منطقية فلا تؤثر بشكل جوهري على النسخة التي سيكشف عنها أو قد تطبق بصورة مبالغ فيها، مما يؤدي لحجب كم كبير ومبالغ فيه من المعلومات، ولا أحد يعرف أية طريقة منها سيطبقها بار.
ماذا عن سلطات الرئيس؟
إضافة للأنواع الأربعة من المعلومات التي قال بار إنه سيُخضعها «للتنقيح»، هناك نوع آخر، وهو ما قد يخضع لما يعرف باسم «سلطات الرئيس التنفيذية»، أي معلومات يستخدم ترامب سلطاته كرئيس (وهو موله بها أساساً) كي يحجبها عن العامة.
هذه النقطة تحديداً قد تكون هامة للغاية في تهمة عرقلة العدالة، وما توصل إليه مولر في تحقيقاته بهذا الشأن، ومهم جداً أن نذكر هنا أنه أثناء تحقيق مولر في عرقلة العدالة سنة 2017 وافق محامي البيت الأبيض تاي كوبي على خضوع أي موظف في البيت الأبيض يطلبه مولر للاستجواب، ولكن ترامب أصرّ على أن يكون من حقه استعمال سلطاته كرئيس في حجب المعلومات الناتجة عن تلك الاستجوابات فيما بعد، وبحسب محامي ترامب وافق مولر على ذلك الشرط.
وقد أكد محامي ترامب السابق جون دوود أنه يتوقع لجوء ترامب لتلك الميزة، وأن يستخدم سلطاته كرئيس لحجب قدر هائل من المعلومات في تقرير مولر، وإن كان ترامب صرّح الأسبوع الماضي أنه «لن يضايقه على الإطلاق» أن يتم نشر تقرير مولر كاملاً.
على الجانب الآخر، سيسعى الديمقراطيون وغيرهم من خصوم ترامب والمطالبين بحق الشعب في معرفة الحقيقة كاملة إلى تقليل عملية «التنقيح» من حيث نوع المعلومات وطبيعتها، إن لم يتمكنوا من الفوز في معركة نشر التقرير كاملاً.
هل يمكن أن يطلع الكونغرس على التقرير كاملاً في جلسة سرية؟
صحيح أن نشر التقرير كاملاً في وسائل الإعلام ليس من الأمور المطروحة، ولكن هناك احتمالية قانونية وهي أن تسمح وزارة العدل للقادة الرئيسيين في الكونغرس بالاطلاع على التقرير كاملاً في جلسة سرية لطمأنتهم بأنه لا يوجد تضليل أو تغطية لحماية الرئيس. ويعرف القادة الرئيسيون في الكونغرس باسم «عصابة الثمانية»، وهم رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الشيوخ، ورئيسا لجنتي المخابرات في المجلسين، وزعماء الكتل النيابية في المجلسين، أو يمكن إضافة أعضاء آخرين بشكل محدود.
هل يمكن أن ينجح نادلر في استخدام الاستدعاءات؟
على الأرجح يستخدم نادلر التهديد باللجوء لاستدعاء مولر وبار أمام اللجنة القضائية، كورقة ضغط الهدف منها جعل بار يقدم للديمقراطيين أفضل مما يقدمه الآن، بمعنى ألا تكون النسخة «منقحة» بصورة مبالغ فيها، حيث إنه في حالة السير في طريق الاستدعاءات أمام اللجنة لفرض نشر التقرير كاملاً بالطرق القانونية، سيعني ذلك معركة قانونية طويلة الأجل، وقد تصل للمحكمة الدستورية العليا، مما يعني سنوات من الإجراءات، وليس هذا بالقطع ما يريده الديمقراطيون الذين يضعون الانتخابات الرئاسية العام المقبل نصب أعينهم.
ماذا يريد الديمقراطيون حقاً؟
في ضوء تلك الملابسات، يريد الديمقراطيون تحقيق هدفين رئيسيين أرسلوهما صراحة لبار، الأول أن يطلع الشعب على نسخة «منقحة» في أضيق الحدود من التقرير، لا ينال التنقيح فيها سوى المعلومات التي يوجد نص قانوني حاسم بعدم جواز الكشف عنها، والثاني هو إطلاع الكونغرس بمجلسيه على التقرير كاملاً دون تنقيح.
ومن ناحية بار، لا أحد يعرف بالضبط ماذا سيكون شكل «التنقيح» الذي سيقوم به، وهذه النقطة بالتحديد ستكون حاسمة في الخطوة القادمة للديمقراطيين. صحيح أن نادلر قال إنه سيبدأ اليوم استدعاء مولر وتقريره أمام اللجنة، لكن هذه الخطوة لن ينتج عنها في الأغلب سوى معركة قانونية معقدة وطويلة المدى، لن يلجأ إليها الديمقراطيون إذا تحقق لهم الحد الأدنى، وهو إطلاع الكونغرس أو على الأقل «عصابة الثمانية» على التقرير كاملاً.