لماذا يتخلى العالم العربي عن اللاجئين السوريين؟
تقترب الحرب في سوريا من نهايتها، وكل ما تبقى للنظام السوري السيطرة على محافظ إدلب في شمالي الدولة، المعقل الأخير الذي تبقى في أيدي الثوار. الهجوم على إدلب، بمساعدة روسية وايرانية، مسألة وقت. وتركيا لن تسيء إلى “شهر العسل” ذاك الذي تعيشه مع موسكو. ولما كان كثير من السوريين من معارضي النظام فروا في السنوات الأخيرة إلى محافظة إدلب ينبغي الافتراض بأن المرحلة النهائية في الحرب ستكون مضرجة بالدماء حتى أكثر من سابقاتها، وستؤدي إلى فرار مئات الآلاف إن لم يكن الملايين إلى خارج حدود الدولة، باتجاه الجارة من الشمال.
غير أن اللاجئين السوريين سيكتشفون هذه المرة أن الأبواب أغلقت في وجوههم، إذ إن تركيا أعلنت أنها لن تسمح للاجئين بدخول أراضيها. عملياً، تنشغل أنقرة في هذه اللحظة بمساعي طرد ملايين اللاجئين ممن وجدوا لهم ملجأ فيها ليعودوا إلى سوريا.
فقد مل الأتراك اللاجئين السوريين ببساطة، حين استقبلت نحو مليونين بل وربما أكثر قبل بضع سنوات بأذرع مفتوحة. ويدعو السياسيون الأتراك الآن علناً إلى طرد اللاجئين السوريين من الدولة والتصالح مع نظام بشار الأسد، وهكذا يسيرون في أعقاب الرأي العام في تركيا، الذي بدأ يرى في اللاجئين السوريين مشاغبين، وناشري جريمة وعنف، بل ومتنافسين على أماكن العمل. في بعض الأماكن في تركيا انزلق الغضب إلى العنف ضد اللاجئين، وبالأساس ضد طالبي العمل.
في مصر أيضاً يبدو ملموساً الاحتجاج الجماهيري ضد اللاجئين من سوريا، نحو ربع مليون وربما أكثر، بل وحتى ضد أولئك الميسورين من أوساطهم ممن فتحوا في القاهرة أعمالاً تجارية تتنافس مع الأعمال التجارية للمصريين. وفي لبنان أيضاً هناك انتقال متزايد على اللاجئين، الذين يلقون بعبء ثقيل على الاقتصاد، وانزلق التوتر إلى العنف. وفي الأردن أيضاً، الذي حرص على مدى السنين على جمع نحو مليون ونصف لاجئ من سوريا في مخيمات للاجئين في شمالي الدولة، تتصاعد أصوات داعية إلى إجبار اللاجئين على العودة إلى سوريا.
يدور الحديث إذن عن ثورة في موقف الدول المستوعبة للمهاجرين من سوريا. فقد استقبل اللاجئون في البداية بحرارة من السكان في الدول المجاورة، ممن أبدوا عطفاً على الثورة في سوريا. وقد اعتبرت الثورة في هذه الدول صراعاً لأبناء الطائفة السنية ضد النظام العلوي بقيادة بشار الأسد، حليف طهران الشيعية. ولكن المصالح المحلية واضطرارات العيش والرزق، مثل الإحساس بأن اللاجئين هم في النهاية أغراب، تغلبت في نهاية المطاف. يتعلم اللاجئون الآن بأن البشاشة لها موعد نفاد، وعندما يصبح اللاجئ للحظة مقيماً دائماً، فإن الموقف يتغير على نحو عجيب.
غير أن اللاجئين السوريين غير معنيين على الإطلاق بالعودة إلى حضن النظام الوحشي الذي فروا منه أو طردوا منه. أما النظام السوري من جهته، فيرى في اللاجئين أعداء محتملين، لأن أصلهم في المناطق التي نشبت فيها الثورة، وهو يخشى أن تكون عودتهم عبئاً اقتصادياً يصعب عليه احتماله. وبعد كل شيء، فإن الارتفاع السريع في عدد السكان في سوريا (إلى 25 مليون في العام 2011) كان أحد الأسباب لاندلاع الثورة في الدولة. أما الآن، وبعد أن أصبح نحو ثلث السكان لاجئين، أصبح السكان، على حد قول بشار الأسد نفسه، “أكثر انسجاماً”.
يبقى العالم غير مكترث لمأساة اللاجئين السوريين؛ فقد ترك العالم هؤلاء اللاجئين لمصيرهم في الماضي عندما ذبحهم النظام السوري وطردهم من بلاده، وهم الآن يتركون لمصيرهم مرة أخرى.