لماذا لا يتفاوض روحاني مع ترامب بعد أبداء أمريكا استعدادها للتفاوض؟
قالت مجلة “ذا ناشيونال انتريست” الأمريكية، إن الانتقادات اللاذعة المتبادَلة مؤخراً بين حسن روحاني و دونالد ترمب بخصوص الملف النووي وملف العقوبات على إيران
أثارت التكهنات بشأن حدوث تقارب محتمل على غِرار ما جرى مع كوريا الشمالية بين إيران والولايات المتحدة.
وذلك بعد انسحاب الأخيرة بقرارٍ أحادي في شهر مايو/أيار من الاتفاق النووي المُبرم عام 2015، والمعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
وفي المقال المنشور في المجلة الأميركية والذي يستعرض فيه مهدي شادل المؤرخ المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط ويكتب عن شؤونه المعاصرة العلاقة بين البلدين، قال إن التخمينات باحتمالية التفاوض المباشر بين واشنطن وطهران بخصوص الملف النووي وملف العقوبات على إيران ترجع إلى أنَّ ترمب وعديداً من أعضاء إدارته الكبار، آخرهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أكَّدوا استعداد أميركا لخوض جولةٍ جديدة من المحادثات حول برنامج إيران النووي وسلوكها الإقليمي.
رغم تأكيد واشنطن برغبتها في محادثات جديدة، فإن طهران ترفض
ويقول مهدي شادل في مقاله بالمجلة الأميركية، ومع ذلك، فإنَّ الردّ الإيراني بخصوص الملف النووي وملف العقوبات على إيران ، وهذه المبادرات الأميركية كان الرفض القاطع.
ففي شهر يونيو/حزيران الماضي، قوبِل خطابٌ مفتوح وقَّعته مجموعة من مئة ناشط وسياسي إصلاحي إيراني دعوا فيها قيادة البلاد لبدء مفاوضاتٍ مع الولايات المتحدة من جديد بازدراء وسخرية، واعترض معظم المنتقدين على البادرة الأميركية، قائلين إنَّ ترمب ليس شريك تفاوض موثوقاً.
لكن هناك شخصية عالية المستوى في إيران لا تُقلِقها شخصية ترمب غريبة الأطوار بقدر ما يقلقها العداء العام في دوائر السياسة الخارجية في واشنطن تجاه إيران، وهو المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
فخلال المحادثات التي أسفرت نهايةً عن توقيع الاتفاقية النووية عام 2015، حذَّر خامنئي مراراً بأنَّه يرى أميركا طرفاً لا يمكن الوثوق به، وأنَّه سمح لحكومة الرئيس روحاني بالسعي للتوصُّل لحلٍ دبلوماسي معها فقط ليُرضي منتقدي موقفه المتشدِّد.
وفي عدة خطاباتٍ عامة ألقاها خامنئي، ذكَّر المرشد الأعلى الإيراني الحاضرين بتاريخ الولايات المتحدة الطويل من الغش وعداوتها لإيران.
تضمَّن هذا على وجه الخصوص كيف خرَّبت إدارة بوش –بمساهمة جوهرية من جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الحالي الذي كان آنذاك وكيل وزارة الخارجية الأميركية لشؤون ضبط التسلح والأمن الدولي، وبرغم اعتراض وزير الخارجية الأميركي آنذاك كولن باول ونائبه ريتشارد أرميتاج- اتفاقاً مؤقتاً كانت قد توصَّلت إليه إيران مع الثلاثي الأوروبي المُكوَّن من المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا في عام 2004.
بالطبع كان ادعاء خامنئي ذاك بأنَّه كان معارضاً للمفاوضات بشكلٍ شخصي مناورةً لتأمين موقفه في حال فشلها، لكنَّه يبيِّن كذلك كم كان مُستبعداً احتمال التوصُّل لتسويةٍ طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
كذلك يعلم خامنئي، وهوَ صاحب الكلمة الفصل بشأن اتِّجاه سياستيّ إيران الخارجية والنووية، أنَّ عَقد صفقةٍ مع ترمب لن يضع نهايةً لمشكلاته.
إذ سيتعين تقديم أي اتفاق محتمل يُعقَد مع ترمب، خاصةً وإن كان وثيقةً مبهمة كما كان البيان المشترك الذي أصدره ترمب وكيم، للتصويت أمام مجلس النواب الأميركي الذي سيكون في عمومه غير راضٍ، فضلاً عن أنَّه يوجد عددٌ قليل فقط من القضايا بإمكانها حشد دعمٍ قوي من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي كما تفعَل معارضة إيران.
خاصة وأن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية لا يثق إطلاقاً في أميركا
وقال مهدي شادل، في مقالته، إنه لا يساعد في ذلك حقيقة أنَّ اتفاقاً كهذا سيلقى على الأرجح تنديداً حاداً من مختلف الأطياف السياسية في الولايات المتحدة، ما قد يؤدي إلى تعامل الرئيس الأميركي المقبل معه كما تصرَّف ترمب تجاه إنجازات سلفه في المنصب (وإن كان ذلك دون ضجة الانسحاب الرسمي منه ربما).
الآن وقد أصبحت شكوكه مُبرَّرة، يُستبعَد أن يسمح خامنئي للحكومة الإيرانية بخوض المزيد من المفاوضات مع أميركا في المستقبل القريب، وهذه حصيلةٌ ثانوية مؤسفة تسبَّبت بها أفعال ترمب قصيرة النظر.
من جهةٍ أخرى، فمن المحتمل أن تكون إيران قادرةً لحدٍ كبير على تحمُّل جولة أخرى من العقوبات الاقتصادية لبضعة أعوام.
وبرغم الانهيار الذي شهدته قيمة الريال الإيراني – بسبب الملف النووي وملف العقوبات على إيران، والذي حدث جزئياً نتيجة للانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي- فإنَّ الاقتصاد الإيراني سيكون على ما يُرام في الوقت الراهن.
هذا لأنَّ غياب نظام عقوبات دولي على إيران يعني أن يظل بإمكان طهران الحصول بسهولة على سلع مستوردة هيَ في أمس الحاجة إليها من الأسواق الأجنبية، وممارسة الأعمال مع شركات أوروبية وشرق آسيوية متوسطة الحجم ليس لديها مصالح تجارية في الولايات المتحدة.
كذلك يُستبعَد أن يتحقَّق الهدف المُعلَن من جانب إدارة ترمب والمتمثِّل في إيقاف صادرات النفط الإيراني بشكلٍ كامل تقريباً بحلول يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني، ولو أنَّها عانت مِن تراجع في صادراتها بالفعل.
فضلاً عن امتلاك طهران احتياطياً من النقد الأجنبي يكفيها عامين حتى وإن لم تصدر نفطاً
وقال الكاتب الأميركي في مقاله، بالإضافة لذلك، فإنَّ قيمة احتياطات إيران من النقد الأجنبي والذهب تُقدَّر بأكثر من 132 مليار دولار، ما يجعل في حوزتها مالاً يكفيها لتدبُّر أمورها لمدة عامين أو ثلاثة أعوام حتى إن لم تُصدِّر أي نفط.
وهذا لأنَّ واردات البلاد بلغت 54.2 مليار دولار عام 2016
وبهذا يكون تمكُّن ترمب من إخضاع الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2020 أمراً مشكوكاً فيه، لأنَّ الإيرانيين يدركون جيداً أنَّ امتثالهم للضغوط التي يمارسها ترمب عليهم عشيَّة الانتخابات الرئاسية سيعطيه رأس مالٍ سياسياً ثميناً ويدعَم حملته الانتخابية.
وبدلاً من ذلك، سيضع الإيرانيون رهانهم على هزيمة ترمب. وإذا ما أُعيد انتخاب ترمب رغم ذلك، سيتحتَّم عليه أن ينتظر حتى يونيو/حزيران عام 2021 -عندما يتوجَّه جمهور الناخبين الإيراني لصناديق الاقتراع لانتخاب رئيسٍ جديد- قبل أن يجد أية بادرة ممكنة من جانب طهران.
ومن المستبعد كذلك أن تلبِّي العقوبات الاقتصادية التعجيزية توقعات الرئيس الأميركي بأنَّ يدفع ذلك إيران لقبول المصالح الأمنية والإقليمية الأميركية.
بل على النقيض من ذلك تماماً، إن أدّى تضييق خناق العقوبات لشيءٍ، فإنَّ الاحتمال الأرجح هو أن يُثير ردود فعلٍ غير محسوبة من جانب قوَّات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وجديرٌ بالذكر أيضاً أنَّ تدخُّل إيران المكلف في الحرب السورية الإيرانية بدأ في ذروة العقوبات الاقتصادية في عهد أوباما.
من المستبعد أن تؤتي مقامرة ترمب بشأن الاتفاقية الإيرانية ثمارها، لكنَّه ربما لا يكون جاهلاً بذلك مثلما يدَّعي. لقد هدم ترمب إحدى أبرز البطولات الدبلوماسية في الذاكرة الحديثة، فقط كي يستبدلها بآمال مبهمة بشأن تغيُّر النظام في إيران.