لماذا كل هذا القلق الأمريكي من الصين؟ كورونا أعطى بكين فرصة ذهبية لقيادة العالم
في تقرير استراتيجي موسع صدر عام 2016، بعنوان “الحرب ضد الصين ـ التفكّر فيما لا يَتقبله العَقل”، صادر عن مؤسسة راند الأمريكية، وثيقة الصلة بالمؤسسة العسكرية الأمريكية، ورد ما نصه: الحرب بين الولايات المتحدة والصين قد تبلغ من شِدَّة الدمار لكلا البلدين ولشرق آسيا وللعالم ما يُبديها غير مقبولة للعقل. إلا أنها ليست كذلك، فالدولتان مختلفتان على العديد من النِّزاعات الإقليمية التي قد تؤدي إلى مواجهة عسكرية أو حتى عنف بينهما، ولدى كليهما حشود كبيرة من القوات العسكرية التي تعمل متقاربة. ومن ثمَّ، إذا وقعت حادثة أو احتدمت أزمة، فإن كليهما لديه حافز لضَرْب قوات العدو قبل أن تضربه. وإذا اندلعت الأعمال العدائية، فإن كليهما لديه وفرة من القوات، والتقنية، والقوة الصناعية، والأفراد؛ للقتال عبر مساحات شاسعة من الأرض، والبحر، والجو، والفضاء، وكذلك الفضاء الإلكتروني. ومن ثمَّ، فإن الحرب الصينية الأمريكية -التي هي ربما كبيرة ومكلِّفة- ليست فحسب مقبولة للعَقل، ولكنها تحتاج إلى مزيد من التفكُّر.
وأنه إذا كانت التحسينات في الإمكانات العسكرية الصينية تعني أن الحرب ليست من الضروري أن تسير بالطريقة التي يخططها مخطِّطو الحرب الأمريكيون، ورغم أن نصراً واضحاً للولايات المتحدة بدا مُحتمَلاً فيما مضى، إلا أن من المرجح بشكل كبير أن الصراع قد يَشمَل قتالاً غير محسوم ذا خسائر فادحة على كلا الجانبين، ولا يمكن للولايات المتحدة ترقُب التحكم في صراع لا تستطيع السيطرة عليه عسكرياً، وبينما التخطيط للفوز في الحرب ضد الصين يبقى ضرورياً، إلا أنه لم يَعُدْ وافياً، ولا بد للولايات المتحدة أن تنظر في كيفية الحدِّ من الحرب وتكاليفها.
هذه الرؤية تعني أن القلق المتبادل والتنافس المحموم بين الطرفين ليس وليد اليوم، ولكن تصاعدت حدته اليوم، على خلفية التمدد الصيني، عبر أدوات الدبلوماسية الصحية، على خلفية تداعيات تفشي وباء كورونا في العالم، في وقت تعرضت فيه إدارة ترامب للعديد من الانتقادات الخارجية والداخلية، بسبب السياسات والإجراءات التي تبنتها في التعاطي مع أزمة الوباء، ويزيد من حجم شعور الإدارة بالقلق اليوم، أنها على بعد أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
ومن هنا تأتي أهمية الوقوف على أبعاد وتطورات القلق الأمريكي من التغلغل الصيني، وصولاً للإجابة عن التساؤل المهم التالي: لماذا هذا التنامي في القلق الأمريكي الآن من هذا التغلغل؟ وهل هو نتيجة إدراك بتقويض نفوذها على خلفية أزمة كورونا؟ أم أنه يأتي في إطار الصراع الانتخابي ومحاولة تصدير الأزمات الداخلية للخارج وخلق عدو دولي يلتفّ حوله الجميع؟
متى بدأت الصين في التغلغل عالمياً؟
في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، تعددت الاتهامات الغربية للصين، من بينها أنها قامت بغزو الأسواق الأمريكية والأوروبية بالمنتجات الرخيصة التي قضت تدريجياً على معظم الصناعات في الدول الغربية، كما أنها سرقت الملكية الفكرية من الشركات الغربية التي سمحت لها بالتصنيع في أراضيها، واستغلت التقنية الغربية في تطوير وتوسيع اقتصادها وصناعاتها الدفاعية، والتمويل المباشر والضخم الذي حصلت عليه الشركات الصينية من المصارف الغربية، وتحديداً الأمريكية، وساهم بتوسعها الاقتصادي والاستثماري.
كما يرون أن العولمة في الحصيلة النهائية كانت لها نتائج عكسية على الاقتصاد الكلي في أمريكا وأوروبا واليابان، حيث ساهمت في تدميرها لصالح التوسع السريع للاقتصاد الصيني ومنتجاته في الأسواق التي حاصرت تلقائياً الاقتصادات الرأسمالية.
الحزام والطريق.. مشروع الصين الاقتصادي
وفي سبتمبر/أيلول 2013 أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ، واحدة من أهم الاستراتيجيات الصينية في تاريخها المعاصر، وهي مبادرة “الحزام والطريق” وتقوم حول التواصل والتعاون بين الدول، خصوصاً بين الصين ودول منطقة أوراسيا، التي تربط بين دول أوروبا وآسيا في الوقت نفسه، كأحد أهم خطوات الصين نحو الهيمنة العالمية، وتتضمن طريقين رئيسيين هما حزام طريق الحرير الاقتصادي البري، وطريق الحرير البحري.
يتضمن الفرع البري من المبادرة ستة ممرات وطرق فرعية: الأول، الجسر البري الأوراسي من غربي الصين إلى روسيا الغربية، والثاني، ممر الصين – مانغوليا – روسيا الذي يمتد من شمالي الصين إلى الشرق الروسي، والثالث، الصين – آسيا الوسطى – آسيا الغربية الذي يمتد من غربي الصين إلى تركيا، والرابع، الصين – شبه جزيرة الهند الصينية، ويمتد من جنوبي الصين إلى سنغافورة، والخامس، الصين – باكستان ويمتد من جنوب غربي الصين إلى باكستان، والسادس، بنغلاديش – الصين – الهند – ميانمار ويمتد من جنوبي الصين إلى الهند.
وتستهدف المبادرة تنمية موارد الصين في العديد من المجالات كالبنية التحتية، والطاقة، والموارد الطبيعية، والطاقة الإنتاجية، والنشاط التجاري، والاستثمارات، فضلاً عن توفير فرص للتوقيع على اتفاقيات تعاون مع دول ومنظمات دولية في مجالات التعاون المالي والعلوم والتكنولوجيا والبيئة وتبادل الخبرات بين الدول المختلفة المشاركة في المبادرة، وحتى مايو/أيار 2019، وقعت الصين اتفاقيات تعاون متعلقة بمبادرة الحزام والطريق مع 126 دولة و29 منظمة دولية.
عام القفزات النوعية
وفي طريقها نحو مزيد من التغلغل أطلق عدد من المراقبين على عام 2016، أنه عام تدفق الاستثمارات الصينية في العالم، وعام الاستحواذ الصيني على الشركات الغربية، ففي الربع الأول من 2016، حققت الشركات الصينية رقماً قياسياً في عمليات الاستحواذ، على شركات أجنبية، بقيمة صفقات تخطت 113 مليار دولار، وهو رقم يقترب من عمليات الاستحواذ التي تم تسجيلها في عام 2015 بالكامل، وقدرت بـ121 مليار دولار. علماً بأن هذا الرقم يماثل ثلث قيمة عمليات الاستحواذ العابرة للحدود حتى نهاية مارس/آذار 2016، والتي بلغت حوالي 311 مليار دولار.
وفي مواجهة هذا التغلغل كان التحرك الأمريكي لوقف صفقة استحواذ شركة “كيم تشاينا”، على “سينجنتا” السويسرية، وهي أكبر شركة لإنتاج المبيدات الحشرية في العالم كله، بناءً على مراجعة لجنة الاستثمار الأجنبي الأمريكية، التي تعنى بصفقات الاستحواذ الأجنبي على الشركات الأمريكية، أو تلك التي لديها علاقة بالولايات المتحدة وأمنها القومي، كما تدخلت الولايات المتحدة، لمنع صفقة صينية لشراء حصة كبرى بشركة “فيليبس”.
وفي بريطانيا، كانت المخاوف والمقاومة كبيرة جداً إزاء مشروع مشاركة شركة صينية، في إنشاء محطة نووية بالبلاد، بحجم 24 مليار دولار، في 2016، واعتبر مستشار رئيسة الوزراء، آنذاك، تيريزا ماي، أن هذه الخطوة خطيرة للغاية، باعتبارها سماحاً لدولة معادية من وجهة نظره، بأن تملك نفوذاً كبيراً في البنية التحتية البريطانية، وهو ما ردت عليه الصين بأن علاقتها مع بريطانيا مرهونة بهذا المشروع النووي.
وفي ألمانيا عملت وزارة الصناعة الألمانية، على مراجعة صفقة استحواذ صينية لمجموعة “ميديا” للأجهزة الإلكترونية، على شركة كوكا الألمانية لصناعة “الروبوتات”، وصرحت الوزارة بأنها تراقب الاستثمارات الصينية في بلادها، منعاً لأي خسارة تتعرض لها التكنولوجيا الأساسية في ألمانيا، جراء تلك الاستحواذات، لكن الوزارة انتهت إلى عدم وجود أية أدلة عن وجود تهديد للنظام العام أو أمن الألمان، من تلك الاستحواذات.
وفي أمريكا، وقعت مجموعة “واندا” الصينية عقداً لشراء شركة إنتاج الأفلام الأمريكية الشهيرة، “ليجنداري بيكتشرز”، بمبلغ 3.5 مليار دولار. كما نجحت شركة ميديا الصينية لصناعة الأجهزة المنزلية، في التوصل لاتفاق مع شركة “توشيبا” اليابانية، لتستحوذ على 80.1% من حصة الشركة اليابانية العملاقة، بـ473 مليون دولار.
وفي إسرائيل، قامت “كيم تشاينا” بشراء حصة بـ60% من شركة “ماختشيم أغان” الزراعية الإسرائيلية، كما استطاعت شركة “لايت جروب”، الصينية أن تستحوذ على 56.7% من شركة “تنوفا” الإسرائيلية للمواد الغذائية.
الهجمة الأمريكية المرتدة
ومع وصوله إلى سُدة الحكم في الولايات المتحدة، أخذ ترامب على عاتقه مهمة تقليص النفوذ الاقتصادي الصيني، خاصة في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة وبدأ بفرض رسوم على الواردات من الحديد والألومنيوم حتى يستطيع أن يخضع الحكومة الصينية ويرغمها على مفاوضات تجارية من شأنها تخفيض العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين، حيث بلغ العجز في الميزان التجاري قرابة 350 مليار دولار لصالح الصين. ما دعا البنك الفيدرالي الأمريكي إلى خفض سعر الفائدة خشية دخول الاقتصاد في حالة من حالات الكساد.
وفي استراتيجية الأمن القومي الأمريكي عام 2017، صنفت إدارة ترامب الصين على أنها “منافس استراتيجي يستهدف تقويض الاقتصاد الأمريكي والقيم والمصالح الأمريكية”. كما صنفتها دول الاتحاد الأوروبي على أساس أنها مهدد لأمنها القومي.
وهو العام نفسه الذي دشنت فيه الصين في جيبوتي أول قاعدة عسكرية في تاريخها خلف البحار؛ وتشمل مصاف لرسو السفن يسمح برسو سفن كبرى، كما استأجرت ميناء جودار باكستان، وتعمل تطوير شبكة من الطرق السريعة، ومحطة توليد طاقة، ومطار ومنطقة اقتصادية، حيث يخدم الصين كنقطة ربط تجاري بري لها مع باكستان، ونقطة انطلاق لتوسيع تواجدها العسكري.
كذلك بدأت التخطيط لإقامة قاعدة بحرية أخرى في جيفاني الباكستانية، مع الاستثمار في مشروع لإقامة ميناء بحري عميق في الدقم بسلطنة عمان، قرب مسار “الدرجات التسع”، وهو من المسارات التجارية العميقة في العالم”.
وفي المقابل وقعت واشنطن مع سلطنة عمان اتفاقاً لتوسيع الاتفاق الأمني بينهما؛ وهو الاتفاق الذي ينطبق على ميناء الدقم الجديد والميناء الجنوبي في صلالة، كما وقعت الهند وبريطانيا على اتفاقات أمنية مع السلطنة تتضمن رسو واستخدام آليات عسكرية في منشآت ميناء الدقم”.
ويأتي الوجود الأمريكي ـ البريطاني ـ الهندي في الدقم، لمنع التواصل الاستراتيجي للتواجد العسكري الصيني في الموانئ بين باكستان وجيبوتي، ومواجهة التغلغل الصيني للمجال البحري في المحيط الهندي، فالهند، بالتوازي مع دخولها ميناء الدقم، تعمل على تطوير ميناء شبهار الإيراني، من خلال إقامة منطقة صناعية، وتمويل شق طريق سريع، وسكة حديد حتى زهدان على حدود أفغانستان، وفي المقابل حصل شركة حكومية هندية على امتياز تفعيل المصافي في شبهار لمدة 10 سنوات.
الصين وانتهاز الفرص
وعندما أعلنت إدارة ترامب في 2017 أيضاً، حظر المسافرين من إيران وليبيا وكوريا الشمالية والصومال وسوريا وفنزويلا واليمن من دخول الولايات المتحدة، ثم توسيع القائمة في 2018، لتشمل منع مواطني إريتريا وقيرغيزستان وميانمار ونيجيريا من التقدم بطلب للعيش أو العمل في الولايات المتحدة، وتمنع السودانيين والتنزانيين من المشاركة في برنامج تأشيرة هجرة التنوع، ورفضت الولايات المتحدة 57٪ من الطلبات النيجيرية للحصول على تأشيرات قصيرة الأجل، هذا على الرغم من أن نيجيريا تلعب دوراً حاسماً في مبادرة “ازدهار إفريقيا” التي أعلنت عنها إدارة ترامب، لمواجهة توسع الصين السريع في القارة.
هذا في الوقت الذي تلقت فيه، وفي نفس العام، شركتا “OPay وPalmPay” في نيجيريا 210 مليون دولار استثمارات صينية، وأصبحت الصين أهم مستوردي النفط النيجيري وأهم مصدري خدمات الاتصالات وشبكات 5G والطائرات المسلحة بدون طيار لنيجيريا، كما تُمول مشروع سكة حديد بقيمة 3.9 مليار دولار بين أبوجا والساحل النيجيري، وخط سكة حديد بقيمة 7 مليارات دولار بين لاغوس وكانو، والعديد من مشاريع الطرق، بما في ذلك طريق سريع عبر الصحراء يربط نيجيريا بخمس دول أخرى.
ما بعد كورونا
ومع تداعيات أزمة كورونا في الربع الأول من عام 2020، تصاعدت حدة الصراع في العلاقات الصينية ـ الغربية، عامة والأمريكية خاصة، وسط غضب شديد من دور الصين في الأزمة، وكشفت الولايات المتحدة وأوروبا واليابان عن توجهات لدفع شركاتها لمغادرة الصين، فقد دعا المفوض التجاري الأوروبي، فيل هوجان، شركات دول الاتحاد الأوروبي، إلى إعادة النظر في البقاء في الصين وتحويل مقارها إلى الخارج، ودعا المستشار الأمريكي لاري كودلو، الحكومة الأمريكية، إلى دفع كلف انتقال الشركات الأمريكية المصنعة إلى الولايات المتحدة، وكشفت اليابان عن صندوق بقيمة 2.2 مليار دولار لتشجيع شركاتها على الخروج، وطالب الكونغرس الأمريكي بإلغاء الدين الأمريكي لصالح الصين والذي يزيد على تريليون دولار، إضافة إلى حث الشركات على إعادة توجيه منتجاتها الطبية إلى الولايات المتحدة.
وخارجياً، وفي 13 مايو/أيار 2020، أعرب مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن انزعاج واشنطن من “تغلغل” الصين في الاقتصاد الإسرائيلي، واصفاً بكين بأنها “خطر على المواطنين الإسرائيليين”، وقال بومبيو: “لا نريد أن تكون للحزب الشيوعي الصيني (الحاكم في بكين) أية صلة بالبنية التحتية لإسرائيل”.
ولم يعد الغضب الأمريكي من الصين قاصراً على رموز الإدارة الأمريكية، ولكنه انتقل إلى الرأي العام الأمريكي، ففي استفتاء للرأي أجراه مركز “بيو” الأمريكي، أظهر أن 66% من الأمريكيين ينظرون حالياً بسلبية للصين وعلاقاتها مع أمريكا، وأن معظم أفراد الشعب غاضبون من صفقات التجارة غير العادلة التي أُبرمت بين بلادهم والصين.
وفي مقابل هذا التوتر، ومع النظر إلى خريطة العالم، يمكن أن نجد بعض المكاسب التي حققتها الصين، ففي إثيوبيا تُخطط لبناء مقر جديد للمراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وفي صربيا حضر الرئيس ألكسندر فوشيتس إلى مطار بلغراد للترحيب بوصول الإمدادات الصحية التي منحتها الصين لبلاده، وفي فنزويلا تعتمد متاجر الأغذية الحكومية على الواردات الصينية لتغطية ما يقرب من نصف مخزونها.
في أوروبا الغربية، قد تؤدي المساعدة الطارئة التي قدمتها الصين لإيطاليا إلى تقويض شعبية الاتحاد الأوروبي فيها، وهو ما قد يمثل تهديداً لمستقبل الاتحاد الأوروبي، حيث ذهب جاك ديلور، رئيس المفوضية الأوروبية السابق، إلى وصف عدم تضامن أوروبا فيما يتعلق بفيروس كورونا بأنه “خطر قاتل للاتحاد الأوروبي”.
إلا أن هذه النجاحات الجزئية، لم تكن كافية للتغلب على الخسائر والأضرار الحقيقية التي تعرضت لها الصين خلال الشهور القليلة الماضية من عام 2020، خاصة مع تداعيات أزمة كورونا، ففي الوقت الذي شهدت وارداتها من السلع الرئيسية، نمواً سريعاً نسبياً، وفق بيانات المصلحة العامة للجمارك الصينية، خلال الربع الأول من عام 2020، بواقع 1.3% لخام الحديد، و5% للنفط الخام، 1.8% للغاز الطبيعي، و28.4% للفحم، انخفض حجم توليد الطاقة بنسبة 6.8%، كما انخفضت تجارتها الخارجية من السلع بنسبة 6.4%، وبلغت الطاقة الإنتاجية في القطاع الصناعي 67.3% بانخفاض 8.6%، وسجَّل مؤشر خدمات النقل الصيني 121.2 نقطة بانخفاض 28.5%، وتراجعت استثمارات التطوير العقاري بنسبة 7.7%، وانخفض الاستثمار في المباني السكنية بنسبة 7.2%، وذلك خلال نفس الفترة من عام 2019.
كما أظهرت نتائج بيانات رسمية أصدرتها مصلحة الدولة للإحصاء (في 18 أبريل/نيسان 2020) أن إجمالي الناتج المحلي الصيني بلغ 2.91 تريليون دولار، في الربع الأول من عام 2020، بانخفاض 6.8% عن 2019.
وكشفت بيانات بنك الشعب الصيني اقتراض الدولة 749 مليار دولار خلال مارس/آذار 2020، لمواجهة تداعيات فيروس كورونا، وأن حجم ديون سوق السندات المستحقة وصل 14.55 تريليون دولار، وهو ما يزيد بنسبة 11.5% مقارنة بما كان في مارس/آذار 2019، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي، حيث هبط بمقدار 46 مليار دولار في مارس 2020 (من 3.107 تريليونات دولار في فبراير إلى 3.061 في نهاية مارس)، وانخفضت الإيرادات المالية للدولة بنسبة 14.3% في الربع الأول من العام 2020، مقارنة ببيانات نفس الفترة في 2019.
مستقبل الخلاف بين بكين وواشنطن
في إطار هذا التنافس المحموم وتلك السياسات المتصارعة، يمكن القول إن أزمة كورونا قد كشفت تراجع ما يمكن تسميته “الثقة الدولية” في الإدارة الأمريكية للعالم، نظراً لسلوك إدارة ترامب الذي يقوم على تغليب المصالح الذاتية الضيقة على حساب المصلحة الكلية للعالم، وهو ما أعطى الفرصة لقول البعض بالتمدد الصيني.
إلا أن الأزمة لن يترتب عليها تحول جذري في شكل النظام الدولي الراهن، الذي سيظل على المدى المنظور أحادي القطبية، تهيمن عليه الولايات المتحدة، مع استمرار الطابع الصراعي على التفاعلات الدولية، في ظل الاتهامات المتبادلة والتنافس المتصاعد، بين الصين والولايات المتحدة، وأن ما يقوم به ترامب وإدارته يأتي في سياقين مترابطين: تكتيكي يرتبط بالتغلب على التقييم السلبي له في إدارة الأزمة، وتأثيرات ذلك على حملته الانتخابية.
واستراتيجي، كجزء من معركة تكسير عظام ممتدة للقدرات الصينية، ووقف أي محاولة صينية للتغلغل في مساحات ضمن مناطق النفوذ الاستراتيجي الأمريكي في العالم، أو تنال من هيمنتها على العالم المعاصر ومقدراته وثرواته، وبما يحول أيضاً دون الدخول حرب مفتوحة أو مواجهة عسكرية مباشرة مع الصين.
ويبقى أهم ما يجب التأكيد عليه، في هذا السياق، أن تراجع الثقة بالإدارة الأمريكية، لا يعني تعاظم الثقة في الإدارة الصينية، سواء بسبب بطبيعة نظامها السياسي الاستبدادي، أو بسبب سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، وكذلك في ظل الشكوك التي تحوم حول دورها في أزمة كورونا.