لماذا قرر ترامب فجأة سحب قواته من سوريا؟
انتقدت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية ، الخطوة المفاجئة والفردية للرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا.
وقالت “واشنطن بوست”: إن قرار ترامب المفاجئ قوّض عدة أهداف للسياسة الخارجية كان ترامب يدعمها، إذ يذكَر أنَّ الرئيس تعهَّد بإنهاء مهمة تدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، لكنَّ الانسحاب سيترك آلافاً من مقاتلي التنظيم في مواقعهم.
وتعهَّد كذلك بدحر العدوان الإيراني في أنحاء الشرق الأوسط، لكنَّ قراره سيسمح لقواتها بالترسُّخ في البلد الذي يمثل حجر زاوية لطموحات طهران. وتعهَّد أيضاً بالدفاع عن إسرائيل، لكنَّ هذا البلد سيُترَك الآن وحيداً لمواجهة احتشاد إيران ووكلائها على حدوده الشمالية.
صاغوا خططاً للحفاظ على وجودهم في سوريا ثم تراجعوا عنها
وأشارت الصحيفة إلى أن كبار مستشاري الرئيس للأمن القومي صاغوا عدة خطط من أجل الحفاظ على وجودٍ أميركي في سوريا، وطوروها بحرصٍ حتى يصل داعش إلى مرحلة لا يمكن بعدها أن تقوم له قائمة من جديد، وتسحب إيران قواتها، وهي الخطة التي دافعوا عنها حتى هذا الأسبوع. وقد أظهر ترامب مجدداً، لهم وللعالم، أنَّه لا سياسة أمريكية أو التزاماً خارجياً بمأمن من نزواته.
ادَّعى ترامب أنَّ داعش هُزِم، لكن هذه ليست وجهة نظر وزارتي الدفاع والخارجية. فآلاف المقاتلين الجهاديين ما زالوا متركزين في سوريا، ويسيطرون على رقع من الأرض في وادي الفرات. وسيمنح أي انسحابٍ أميركي المتشددين فرصة لإعادة بناء أنفسهم، كما فعلوا في العراق بعد الانسحاب الأميركي السابق لأوانه، الذي أَمَرَ به الرئيس باراك أوباما.
وحتى أمس الأربعاء 19 ديسمبر، كانت إحدى نقاط النقاش الرئيسية لكبار مسؤولي الأمن القومي الأميركي هي أنَّه «إذا كنا تعلَّمنا شيئاً على مدار السنوات، فهو أنَّ الهزيمة الدائمة لتنظيمٍ كهذا تعني أنَّك لا يمكنك أن تهزم فضاءه المادي وحسب، ثُمَّ تغادر»، على حد تعبير مبعوث وزارة الخارجية الخاص للحملة ضد داعش بريت ماكغورك الأسبوع الماضي.
خريطة توضح توزيع انتشار القوات في سوريا
وصاغ وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الأمر بطريقة أخرى، في سبتمبر الماضي، قائلاً: «التخلُّص من الخلافة لا يعني أن تقول بعد ذلك بصورة عمياء: (حسناً، تخلَّصنا منها)، وتنسحب، ثُمَّ تتساءل لِمَ تظهر الخلافة مجدداً».
الانسحاب يعطي إيران وروسيا مكسباً لم يكن متوقعاً
برَّر ترامب بعضاً من أكثر قراراته إثارةً للجدل، بما في ذلك الدعم المتواصل لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بأنَّها ضرورية من أجل احتواء التهديد الإيراني للولايات المتحدة وحلفائها. لكنَّ الانسحاب من سوريا يمنح طهران وحليفتها روسيا مكسباً غير متوقع. إذ نشرت إيران آلاف المقاتلين وأفراد الميليشيات الحليفة في سوريا، وتتطلَّع إلى إنشاء ممر إلى لبنان والبحر المتوسط، وكذلك إنشاء جبهة جديدة ضد إسرائيل على طول مرتفعات الجولان. وفي رد فعلٍ على هذا التهديد،أعلن مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون، في الرابع والعشرين من سبتمبر الماضي: «أنَّنا لن نغادر سوريا ما دامت القوات الإيرانية خارج الحدود الإيرانية، وهذا يشمل وكلاء وميليشيات إيران».
وتضيف الواشنطن بوست: لم تُدعَّم الطموحات الأميركية في سوريا بالموارد الملائمة قط، ويمكن المحاججة بأنَّ الكونغرس والرأي العام الأمريكي لم يكونا مستعدين لدعم المهمة التي اقترحها بولتون، لكن يبدو أنَّ قرار ترامب جاء على عَجَل بسبب الخطاب الحربي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي هدَّد الأسبوع الماضي –وهذه ليست أول مرة- بشن عملية عسكرية ضد الأكراد السوريين، حتى على الرغم من تمركز القوات الأميركية حولهم.
وترى الصحيفة الأميركية أنَّ أردوغان خرج بمكاسب كبيرة عديدة من ترامب في الأيام الأخيرة، بما في ذلك بيع صواريخ باتريوت الأميركية، ووُعِد بإعادة النظر في إمكانية تسليم مُنافِسه فتح الله غولن من ولاية بنسلفانيا. ولم يفصح ترامب عمَّا إن كان حصل على أي شيءٍ في المقابل.
وربما تكون القوات الكردية السورية، التي قاتلت إلى جانب الولايات المتحدة واضطلعت بدورٍ حاسم في تحرير معظم شرق سوريا من الجهاديين، أولى ضحايا قرار ترامب. إذ ستكون الآن هدفاً لهجومٍ عسكري تركي بعدما غدرت بها واشنطن. وستبعث تلك الطعنة في الظهر برسائل لا تُنسى لكل مَن يُطلَب منهم التعاون مع الولايات المتحدة في المعركة ضد الإرهاب، مفادها: واشنطن شريكٌ غير موثوق وخطير.
داعش لم يهزَم بعد!
من جانبها، ذكرت صحيفة “الجارديان” البريطانية أنَّ ادعاء ترامب بشأن هزيمة داعش يتعارض مع تقديرات إدارته نفسها. ففي أغسطس الماضي، قدَّرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) عدد المقاتلين التابعين لداعش الذين ما زالوا في سوريا بنحو 14500 مقاتل.
ونقلت الصحيفة البريطانية على لسان تشارلز ليستر، مدير مكافحة الإرهاب والتطرف بمعهد الشرق الأوسط، قائلةً: «هذه معلومات استخباراتية يُفترَض أنَّها كانت على مكتب ترامب بينما كان يعلن النصر هذا الصباح». وأشار ليستر إلى أنَّ داعش تبنّى مسؤولية هجومٍ في معقله بالرقة قبل دقائق فقط من تغريدة ترامب التي أعلن فيها هزيمة التنظيم.
وبعد خروج الأنباء، تُرِك مسؤولو البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية يتدافعون لتفسير التغيُّر المفاجئ في مسار السياسة الأمريكية الذي قرَّر على مدار الصيف بقاء القوات في سوريا لضمان «الهزيمة الدائمة لداعش» والوقوف حصناً في وجه النفوذ الإيراني.
وبعد تغريدة ترامب وبيان البيت الأبيض، ألغت وزارة الخارجية إحاطة صحافية مُجدولة سلفاً. وبعد إصرار البنتاجون في البداية على ألّا شيء تغيَّر، أصدر بياناً ردَّد فيه حديث البيت الأبيض عن «المرحلة التالية من الحملة» على داعش، لكنَّه قال إنَّ الوزارة «فقط بدأت» عملية الانسحاب ولم تُقدِّم جدولاً زمنياً.
وخلف الكواليس، كانت قيادة البنتاجون ما زالت تحاول إقناع الرئيس بقبول انسحابٍ أكثر ترشيداً وتدريجياً، وذلك بحسب مصادر مطلعة على النقاشات.
من جانبه، يعارض بولتون القرار بقوة. ووصف مصدرٌ دبلوماسي بولتون بأنَّه «غاضب» من قرار الرئيس، حسبما ذكرت الصحيفة البريطانية.