لماذا قد تكون الاحتجاجات الحالية في إيران هي الأخطر على نظام خامنئي؟
في الثالث من يوليو 1988، أسقط الطرَّاد الأمريكي USS Vincennes رحلة الخطوط الجوية الإيرانية رقم 655، التي كانت متجهة من مدينة بندر عباس الإيرانية إلى دبي. ظنَّ الطرَّاد، الذي تعرض لتحرشات من زوارق إيرانية صغيرة في وقتٍ أسبق، أنَّه يتعرَّض للهجوم، وأساء أفراد الطاقم تفسير البيانات فيما كانت الطائرة الإيرانية تقترب. (إيران، من جانبها، لم تحذر الطائرة المدنية كي تتجنَّب المنطقة التي ينشط فيها الطرَّاد الأمريكي بمياه الخليج، مثلما كانت تقتضي القواعد المتبعة عند حدوث المناوشات).
يقول مايكل روبن، باحث أمريكي يكتب في مجلة The National Interest الأمريكية: كان ذلك خطأً مأساوياً، اعتذرت عنه الولايات المتحدة لاحقاً. لكن الأمر الأقل شهرة هو التأثير الذي تركه إسقاط الطائرة على المرشد الإيراني الأعلى آنذاك آية الله روح الله الخميني. فحين هاجم العراقُ إيران عام 1980، أصدر الخميني الأوامر لكل الإيرانيين بالدفاع عن بلدهم. كانت الحرب العراقية-الإيرانية تشبه الحرب العالمية الأولى، لكن بصورة أقوى؛ فكانت تُستخدَم حرب الخنادق، ودُشَم الرشاشات الثقيلة، والألغام الأرضية، وغاز الخردل، وصواريخ سكود التي كانت تحلّق جيئةً وذهاباً.
«تجرُّع كأس من السم»
وبحلول عام 1982، كانت القوات الإيرانية المتفوقة عددياً قد تصدت لنظيرتها العراقية إلى حد كبير. وتظهر الوثائق الإيرانية التي رُفِعَت عنها صفة السريّة أنَّ الخميني كان يبحث آنذاك وقف إطلاق النار، لكنَّ الحرس الثوري الإيراني ترجَّوا عدم الإقدام على ذلك وأقنعوا المرشد الأعلى بمواصلة القتال ليس فقط ريثما يحاولون تخليص العراق من صدام حسين، بل وكذلك الاستمرار في مسار الحرب حتى القضاء على إسرائيل. تلا ذلك ست سنوات أخرى من الجمود وسقوط ربما نصف مليون من الضحايا.
ثم تلا ذلك إسقاط رحلة الخطوط الجوية الإيرانية رقم 655. لم يستطع عقل الخميني المُشوَّش بأفكار المؤامرة قط تقبُّل فكرة أنَّ إسقاط الطائرة كان حادثاً، لكنَّه أقرَّ بأثرها على الجمهور الإيراني. واستنتج كذلك أنَّه إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد للوصول إلى حد إسقاط طائرة مدنية، فلن تتورَّع عن أي شيء كي تمنع إيران من تحقيق أهدافها في الحرب. وقرَّر بعد ذلك قبول وقف إطلاق النار، مُشبِّهاً الأمر بأنَّه تجرُّع «كأس من السم».
لماذا قد تكون هذه الاحتجاجات هي الأخطر على القيادة الإيرانية؟
نعود بسرعة إلى المأساة الحالية التي تحيط بإسقاط طائرة مدنية أوكرانية. يقول الباحث روبن: كان واضحاً على الفور تقريباً أنَّ النظام هو المسؤول. فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتبَّع فيها الرادارات الإيرانية المضادة للطائرات طائرات مدنية، وبصراحة، من الغريب سماح أي جهة ضمان تأمينية بتحليق طائراتها فوق إيران على مدار العام الماضي. وتباهى القادة الإيرانيون كذلك بقدرتهم على إسقاط الطائرات. من ناحية، توقع كبار القادة على نحوٍ خاطئ التعرض لهجوم، ولم يبذلوا من ناحية أخرى جهداً لتحذير طيرانهم المدني من أنَّه قد يعمل في بيئة عسكرية. وتُقوِّض المساعي الخرقاء لنفي ما هو واضح ثُمَّ تنظيف موقع تحطم الطائرة للتغطية على الأدلة إلى الأبد، أي سلطة أخلاقية لدى القيادة.
ومن بعض الجوانب، قد تكون الاحتجاجات الحالية التي تستهدف تصرفات النظام هي الأخطر في الجمهورية الإسلامية. فالأساس الجوهري لـ «ولاية الفقيه» هو أن يكون بإمكان كبار رجال الدين التصرف كما لو كانوا وكلاء ينفذون الوصية المُنقِذة للإمام المهدي حتى عودته ليأذن بزمنٍ من الحكم الإسلامي العادل المعصوم من الفساد على الأرض.
تورط في الماضي رجال دين كبار في عمليات فساد تتراوح من الاختلاس وحتى الاتجار بالبشر، لكن نادراً ما رُصِدَت كبار السلطات في الحرس الثوري ومكتب المرشد الأعلى نفسه وهي تكذب على نحوٍ فج مثلما جرى في هذا الأسبوع الأخير. وفي حين تبلغ قيمة الإمبراطورية التجارية للمرشد الأعلى مليارات الدولارات، فإنّه كثيراً ما يجري إخفاء أثرها على الشعب الإيراني عن الأنظار.
«ثمار الكذب المطلق»
لكن ليس الوضع كذلك بالنسبة لضحايا الطائرة الأوكرانية، الذين كان معظمهم إيرانيين (لا تقبل إيران ازدواج الجنسية، لذا غالباً ما يسافر الزائرون إلى إيران –سواء كانوا مواطنين كنديين أو بريطانيين أو ألماناً أو أمريكيين- إلى إيران بجوازات سفرهم الإيرانية). وبالمثل، يصور الحرس الثوري نفسه باعتباره المدافع عن الشعب الإيراني. لكن في هذه الحالة، هو قاتلهم.
يقول روبن إنَّ الإيرانيين محقون في المطالبة بالمحاسبة. والنظام الآن عليه الاختيار: حماية كبار مسؤوليه بمَن فيهم خامنئي من ثمار خداعهم، أو أن يُظهِر أمام الشعب الإيراني الكذب المطلق لخطاب العدالة الذي يروِّج له النظام الإيراني على مدار الأعوام الأربعين الأخيرة.
ربما واجهت الجمهورية الإسلامية احتجاجات من قبل في أعوام 1999 و2001 و2009 و2017-2019، لكنَّ احتجاجات 2020 هي أمرٌ مختلف. وليس واضحاً ما إن كانت الحكومة الإيرانية مستعدة لذلك بصورة كاملة.