لماذا غضب المحافظون الإيرانيون من محمد جواد ظريف ويطالبون بإقالته من منصبه كوزير للخارجية؟
«غسيل الأموال حقيقة في بلادنا ويستفيد منها الكثيرون»، هذه الكلمات تسببت في إغضاب البرلمان الإيراني، وظهور مطالبات بإقالة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، بعد أن أدلى بهذا التصريح لموقع «خبر أونلاين» الإيراني.
وبالرغم من أن جواد ظريف لم يقدم على تسمية مَن هم المستفيدون من غسيل الأموال في إيران، فإنه أشار بشكل ضمني إلى أن المستفيدين هم مَن يقفون ضدَّ تمرير مشروع قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، المقدَّم من إدارة روحاني، بناءً على ضغوط دولية، إلى البرلمان.
ويرى جواد ظريف أن تمرير البرلمان (مجلس الشورى الإسلامي) هذا القانون، من شأنه أن يسهل على إيران إجراء المعاملات المالية.
لكن هذا التصريح خلق موجةً كبيرةً من العداء في وقت حساس.
وأصبح الرجل متهماً بأنه عدو يشوّه سمعة بلاده، بعد أن كان صاحب أهم اتفاقية دبلوماسية في تاريخ إيران الحديث.
مطالبات بإقالة وزير خارجية إيران.. إنه سبب كل هذه المشاكل
واتَّهم نواب البرلمان المحسوبون على التيار المحافظ جواد ظريف بأنه يريد إثارة البلبلة في البلاد في وقت حرج، حسب تعبيرهم.
ووصف النائب المحافظ جواد كريمي قدوسي، ظريف، بأنه السبب الجذري لكل مشاكل إيران الحالية.
وقال: «يحاول ظريف توجيه الاتهامات إلى مؤسسات سياسية في محاولة منه للتهرب من المشاكل التي خلقها».
وشدَّد النائب قدوسي على ضرورة التعجيل بمساءلة البرلمان لظريف وإقالته في أسرع وقت.
وجاء مشروع قانون غسيل الأموال المقدَّم من إدارة روحاني إلى البرلمان بطلب من فرقة العمل للإجراءات المالية الدولية، التي تُعرف باسم FATA، من أجل إزالة اسم إيران من قائمتها السوداء للدول التي تمول الإرهاب.
وهذا القانون من شأنه تقليل الحصار الاقتصادي المفروض على المعاملات المصرفية بين إيران وباقي دول الغرب.
ولكن لماذا يرفض المحافظون مشروع قانون محاربة غسيل الأموال؟
مشروع القانون ومسألة الانضمام إلى الاتفاقية زادا من الصراع بين التيارات السياسية في إيران في الفترة الأخيرة.
إذ إن أنصار التيار المحافظ يرون أنها مجرد خطوة يائسة لا فائدة منها، والهدف منها إذلال الولايات المتحدة لإيران.
وعلى الجهة المقابلة، يرى أنصار التيار الإصلاحي أنها خطوة للأمام من أجل الخروج من الوضع الاقتصادي السيئ الذي تمر به البلاد.
ولكن يبدو أنه حتى الإصلاحيين تتراجع رهاناتهم على قدرة أوروبا على حماية إيران في مواجهة العقوبات الأميركية.
إذ هدد ظريف نفسه، بالانسحاب من الاتفاق النووي في حال عدم تلبية الاحتياجات الاقتصادية لإيران في إطار الاتفاق النووي.
وقال ظريف في تصريح أدلى به الشهر الماضي نوفمبر2018: «إن دول الاتحاد الأوروبي وباقي الدول الملتزمة بالاتفاق النووي، يعلمون أن إيران لن تبقى فيه إذا لم تتم تلبية احتياجاتها الاقتصادية في إطار الاتفاق».
تصريحات ظريف طعنة للجمهورية الإسلامية
وجاءت تصريحات جواد ظريف الأخيرة التي ألمح فيها إلى أن معارضي القانون مستفيدون من غسيل الأموال لتزيد الأمور تعقيداً، وتُشعل النار بين التيارين المحافظ والإصلاحي.
فظهور مطالبات بإقالة وزير خارجية إيران المحسوب على التيار الإصلاحي يضع هذا التيار في مأزق، ولو تمت إقالته فعلاً سيكون ذلك ضربة قاسية للإصلاحيين، في وقت لا يُحسدون عليه.
وقال الصحافي الإيراني «رامين قاسمي» اعترض التيار المحافظ على جواد ظريف من قبل في مواقف عديدة، ولكن الموجة الأخيرة هذه أكبر بكثير من وزير الخارجية.
واعتبر رامين أن البرلمان أصابته لعنة إقالة الوزراء من أجل تهدئة الرأي العام.
وقال إن وضع ظريف على قائمة الوزراء المحتمل إقالتهم وهو أمر لم يحدث من قبل، ويعتبر تطوراً خطيراً.
اللافت أن الهجوم على ظريف امتدَّ إلى خارج البرلمان.
فقد وصف آية الله صادق لاريجاني رئيس القضاء، وهو من أكبر المسؤولين الإيرانيين تصريحات جواد ظريف عن غسيل الأموال بأنها طعنة في قلب النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية.
وعليه أن يقدِّم الأدلة على تصريحاته وإلا سيُقال
واعتبر النائب البرلماني إحسان منتظري، المحسوب على التيار المحافظ، أنه لا بد من استجواب البرلمان لظريف.
وقال منتظري : «نحن نسعى إلى أن يتم استجواب ظريف في أسرع وقت، وإذا لم يقدم أدلة على ما قاله في تصريحاته المشينة فلا بد من إقالته فوراً ودون تردّد»، حسب تعبيره.
وعن رأيه في مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال، الذي لاقى معارضةً كبيرةً من أنصار التيار المحافظ، قال منتظري: «ليس من حقِّ أي جهة أو دولة مراقبة أموالنا، الولايات المتحدة تفرض علينا العقوبات، فلماذا نسمح لهم بمراقبة حركة الأموال داخل إيران؟».
هل يؤثر القانون على حلفاء إيران في المنطقة؟
ووصف منتظري مشروع القانون بأنه محاولة من الغرب والولايات المتحدة لضرب المقاومة ومن يدعمها.
ومن المعروف أن إيران تدعم كثيراً من الجماعات والأحزاب التابعة لها في الخارج، خاصة في العالم العربي، وأبرزها حزب الله.
ويعتقد على نطاق واسع أن المساعدات الإيرانية تصل لحزب الله بطرق مختلفة خارج إطار النظام المصرفي، خاصة أن حزب الله يخضع لعقوبات أميركية، كما يخضع النظام المصرفي اللبناني لرقابة أمريكية صارمة، لضمان عدم تسرب أي أموال للحزب.
وكان 40 نائباً من التيار المحافظ قد بعثوا برسالة إلى رئيس البرلمان ومجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو الجهة التي لها اليد العليا في تمرير القوانين المقترحة في البرلمان، يطالبون برفض مشروع القانون المقترح من حكومة روحاني، الذي يجعل إيران طرفاً في عدة اتفاقيات دولية حول مكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
وسبق أن رفض المرشد قانوناً مماثلاً لأنه تم طبخه من قبل الأجانب
وليست هذه المرة الأولى التي تقترح فيها إدارة روحاني مثل تلك القوانين.
ففي العام الماضي 2017، وقبل انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية وإعادة فرض العقوبات على إيران، تم تقديم مشروع القانون إلى البرلمان، لكي تنفي طهران عن نفسها أي تهمة تمويل للإرهاب، ولكنه قوبل برفض كبير.
وقال حينها المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي، إن تلك الاتفاقيات تم طهيها من قبل الأعداء الأجانب.
وأضاف أنه ليس من الضروري أن تنضم إيران إلى اتفاقيات لا ندرك هدفها ولا عمقها، واقترح أن يقوم البرلمان بتقديم مشروع قانون خاص به لمكافحة غسيل الأموال.
11 سبباً لإقالة ظريف.. والإصلاحيون يرونها واهية
وبالعودة إلى تصريحات ظريف المثيرة للجدل، كتب عدد من نواب البرلمان رسالةًإلى رئيس البرلمان، تتضمن أحد عشر سبباً لإقالة جواد ظريف وزير الخارجية.
وتتضمن تلك الأسباب اتهامه لكيانات سياسية بغسيل الأموال، إلى جانب فشله في عقد اتفاق نووي يضمن لإيران الكثير من المزايا، وعدم استخدام الفرص بشكل صحيح، والتركيز على تحسين العلاقات بالغرب، وعدم التواصل مع آسيا وإفريقيا.
في مقابل هذا الهجوم، فإن عدداً من النواب الإصلاحيين بمجلس الشورى الإيراني يدافعون عن ظريف.
إذ يرى النائب الإصلاحي محمد رضا، أنه من الخطأ إقالة ظريف في تلك المرحلة.
وقال رضا لـ «عربي بوست»: «ظريف دبلوماسي محترف، ولا يمكن معاملته بهذا الشكل، خاصة أنه لم يخطئ بشيء، بالفعل غسيل الأموال موجود في إيران بشكل كبير، ورغبة بعض النواب في إقالته قائمة على أسباب واهية»، حسب تعبيره.