لماذا تفوقت طهران باستراتيجية «التصعيد المُضاد» ضد واشنطن والخصوم؟
بعد عام من انسحاب الولايات المتحدة من جانبٍ واحد من الاتفاقية النووية مع إيران، المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، وشنها لحملة «ضغط قصوى» ضد إيران في شهر مايو من عام 2018، وإيران تواجه بإجراءات تصعيدية خاصة بها.
إذ قللت التزامها باتفاقية العمل المشترك، وأسقطت طائرة أمريكية بدون طيار دخلت إلى منطقتها، واحتجزت ناقلة بريطانية، رداً على احتجاز بريطانيا لناقلة إيرانية في وقت سابق، وربما تكون هي من وراء هجمات أخرى على ناقلات بترول تعبر الخليج العربي.
وبعد هذه الأفعال، دعا وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف الرئيسَ الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش لقاء قمة السبع في مدينة بياريتس بفرنسا لمناقشة سبل تخفيف التوترات. وأعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اهتمامه بالتباحث مباشرة مع نظيره الإيراني حسن روحاني.
خطّة إيران تنجح
يقول إلدار محمدوف، وهو دبلوماسي ومستشار للسياسية الخارجية للجنة الاجتماعية الديمقراطية في البرلمان الأوروبي، في مقالة له نشرت في موقع Lobe Log الأمريكي، إن تسلسل الأحداث هذا يوضح حتى الآن أن خطة إيران للتصعيد المضاد المحسوب تحقق نجاحاً:
- لم تنهر إيران تحت وطأة حملة «الضغط القصوى»، على الرغم من أن العقوبات الاقتصادية باعترافات الجميع توقع ثقلها على المدنيين.
- كما لم تظهر أي علامات يأس وحاجة إلى التفاوض مع الولايات المتحدة، بل إنها في الواقع رفضت العديد من المناشدات الأمريكية للوصول لهذا الغرض.
- وبدلاً من ذلك، تمكنت إيران بتحركاتها التصعيدية من إجبار عدد من الأطراف الفاعلة على تغيير حسابات الضرر والفائدة الخاصة بهم. لم تتمكن أوروبا، حتى الآن من ضمان نصيب إيران الاقتصادي للإبقاء عليها في اتفاقية العمل المشتركة الشاملة. لكن تحركات إيران لتخفيض التزامها باتفاقية العمل المشترك، واحتجاز الناقلة البريطانية يدق نواقيس الخطر في أوروبا. وأوضحوا أن طهران لم تخادع عندما هدَّدَت بالتقليل من التزاماتها النووية، ومنع الآخرين من نقل النفط عبر الخليج العربي طالما تُمنَع هي الأخرى من فعل الشيء ذاته.
- كان الخوف من المزيد من زعزعة الاستقرار والتكاليف المصحوبة بالنسبة لأوروبا هي المحرك الرئيسي وراء سياسة ماكرون النشطة تجاه إيران. وفي الوقت نفسه، كان تصعيد إيران محدوداً ويمكن العدول عنه. فهو لم يتضمن خرقاً كبيراً للاتفاقية، حتى لا يدفعوا أوروبا إلى الموقع الأمريكي.
تغيير كبير في خطط الخصوم
- في هذه الأثناء، زادت أفعال إيران ضد ناقلات النفط في الخليج العربي من مخاطر الصراع المحتمل مع الخصوم الإقليميين. رأى محمد بن زايد، ولي العهد في أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات، أن الضرر الذي تسببه حربٌ مع إيران لن يمكن تحمُّلها، واختار بحكمة أن يهدأ من التوترات.
- يقول محمدوف: ربما لم تصل السعودية، الخصم الإقليمي الآخر، إلى الرؤية ذاتها، لكن حرباً مع إيران سيكون لها عواقب مدمرة على السعودية أيضاً. ربما يصبح خوف السعودية من اتحاد الحوثيين في اليمن مع إيران نبوءة حقَّقَت نفسها، وبالنظر إلى أن الحوثيين أظهروا قدرتهم على ضرب أهداف في الداخل السعودي، فهذا سيشكِّل مشكلةً ضخمةً بالنسبة للرياض. وربما تستعين إيران بالشيعة في منطقة القطيف شرقيّ السعودية.
- وقد تؤدي هذه الظروف غير المستقرة إلى إعادة بعث تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهم أعداء لدودين للعائلة المالكة السعودية الذين يعتمدون على عدد كبير من المتعاطفين في المملكة. فبدون أي مبالغة، ستشكل الحرب مع إيران تهديداً وجودياً لكل من الإمارات والسعودية.
رهان الإيرانيين في محلّه
- وأخيراً أرسل القرار الإيراني بإسقاط الطائرة الأمريكية رسالةً إلى واشنطن مفادها أنه حتى من الموقف الأدنى المعتاد، فإن إيران قادرة على توقيع خسائر مادية على الولايات المتحدة في المواجهات العسكرية. غالباً جاء قرار ترامب بالتراجع عن ضرب إيران بناءً على تقييم رصين من مستشاريه العسكريين لما قد تضمره هذه المواجهة في طياتها. ورهان الإيرانيين أن ترامب -الذي يسعى لإعادة الترشح- سيفضل المفاوضات عن التورط في أعمال خاسرة أخرى في الشرق الأوسط كان رهاناً خطيراً، لكنه أثبت صحته.
- يقول محمدوف إن زيارة ظريف إلى فرنسا تشير إلى أن ترامب قد يكون مستعداً للتفكير في خطوات لوقف حصاره الاقتصادي على إيران. من الصعب أن تتخيل أن ظريف كان ليسافر إلى فرنسا إن لم تكن هذه هي الحال، فأسلوب إيران الدبلوماسي لا يسعى لمجرد فرص التقاط الصور. بالإضافة إلى أن احتمالية إجراء المباحثات تفسر ردود الأفعال الغاضبة من الذين ساهموا في صنع هذه الأزمة من الأساس، مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
- وبالتأكيد تظهر الولايات المتحدة، وفقاً لعباس أركاتشي نائب وزير الخارجية الإيراني، «قدراً من المرونة»، في تخفيف العقوبات على مبيعات النفط الإيراني. قد يساعد هذا مباشرة في إعادة فتح قنوات الحديث بين واشنطن وطهران. ويدحض أيضاً فكرة أن طهران ستنسحب من مثل هذه المباحثات بسبب العداء الأيديولوجي لآية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى، ضد أمريكا.
- إنه ليس بالموقف غير المنطقي. فرغبة ترامب في اللقاء بروحاني مفهومة. فهذا من شأنه أن يبرز من قدراته على عقد الصفقات بكفاءة وبلا تعصب. ولكن روحاني ليس لديه أي سبب كان لمساعدته دون الحصول على أي نتائج حقيقية وفعلية لإيران. من الطبيعي ألا توجد أي مصلحة لإيران ليمتطيها رئيس أمريكي في حاجة إلى ذلك. ويجب على روحاني، مثله مثل ترامب، أن يفكر في التأثيرات الداخلية لهذا اللقاء، فهناك انتخابات برلمانية في 2020، وانتخابات رئاسية في 2021.
- فالحصول على مديح من ترامب، كالذي حصل عليه كيم يونغ، لن يفيد روحاني والمعتدلين سياسياً، وربما يعود عليهم بنتائج عكسية. لكن الفوز بتحسُّنٍ ملموس في الموقف الاقتصادي الإيراني سيساعدهم بالتأكيد، حتى وإن لم يكن الانتصار المثالي الكامل.
- يختتم محمدوف بالقول إن استراتيجية إيران التي نفذها ظريف وفريقه من الدبلوماسيين ببراعة هي المسؤولة عن وصول إيران إلى الدرجة الكافية للوصول إلى مباحثات مباشرة مع الولايات المتحدة، وعلى أرض متساوية تقريباً. ولكي تنجح المباحثات، تقع الكرة الآن في ملعب الجانب الأمريكي. يجب أن يكون ترامب في منأى عن المفسدين في واشنطن والشرق الأوسط، وأن يعرض على إيران نوعاً ما من الترضية الاقتصادية التي يمكن أن تبدأها المباحثات.