لماذا تفرض أمريكا عقوبات على كل من روسيا وتركيا وإيران في آنٍ واحد؟
يعتقد السياسيون الأميركيون أن فرض عقوبات على معارضي الولايات المتحدة يمثل طريقة فعالة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية. ويبدو أن ميل الولايات المتحدة لفرض عقوبات أحادية الجانب لا يحظى بدعم أوروبا، وقد يقوض علاقات التعاون مع شركائها الاستراتيجيين.
في نفس الوقت تقريباً، تم الإعلان عن فرض عقوبات ضد كل من روسيا وإيران وتركيا. ومن المتوقع أن تؤثر العقوبات الأميركية سلباً على المناخ الاقتصادي لهذه الدول الثلاث، خاصة أنها أثارت ردود فعل مشابهة تقريباً من قبل قادة الدول الذين كانت طرق تعبيرهم عن استيائهم من القرار الأميركي مختلفة إلى حدٍّ ما، لكن رغم ذلك سيدفع هذا القرار الدول الثلاث للتعاون فيما بينها لتجاوز تهديدات الرئيس الأميركي، بحسب تقرير لصحيفة News.ru الروسية.
قرار ترمب ضد تركيا الذي أثار مشكلة كبيرة
في العاشر من أغسطس، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن رفع رسوم استيراد الصلب والألومنيوم من تركيا، بنسبة 50 و20%. وفي تغريدة له على موقع تويتر، قال الرئيس الأميركي إن «علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة في الوقت الراهن». وفي أوائل شهر أغسطس، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيرَي الداخلية والعدل التركييْن، رداً على رفض أنقرة الإفراج عن القس الأميركي الذي يخضع للإقامة الجبرية، أندرو برونسون.
وفي السابع من أغسطس، أعلن ترمب عن فرض حزمة جديدة من العقوبات ضد إيران، التي تقضي بإنهاء المعاملات المالية وحظر استيراد المواد الخام، وبعض المنتجات الصناعية. وستدخل مجموعة من العقوبات الأخرى حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر، وستؤثر على الصفقات والمعاملات مع البنك المركزي الإيراني، بالإضافة إلى بعض المعاملات المتعلقة بشراء النفط الإيراني.
بتاريخ 22 أغسطس، ستدخل جملة من العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا حيّز التنفيذ. وتشمل هذه العقوبات حظر توريد المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، وسيكون لها تأثير على قطاع الطاقة وبعض القطاعات المالية في روسيا، فضلاً عن تأثيرها المباشر على رجال الأعمال الروس والشركات الحكومية.
لقد أدت التصريحات التي أدلى بها ترمب حول العقوبات الموجهة ضد تركيا إلى تراجع الليرة التركية، التي انخفضت قيمتها يوم 10 أغسطس إلى حدود 6.2 ليرة مقابل الدولار الواحد. كما زادت العقوبات الجديدة ضد طهران في تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد؛ ما دفع الإيرانيين للاحتجاج. وقد بدأ الإيرانيون في شراء الذهب تحسباً لمزيد من انخفاض الريال الإيراني. وفي غضون أسبوع واحد من الإعلان عن العقوبات ضد روسيا، تضرَّرت العملة الوطنية بشكل كبير، بينما ارتفع سعر الدولار إلى مستوى قياسي منذ أبريل، ليصل إلى أكثر من 65 روبل، مقابل الدولار الواحد.
هكذا ردَّ أردوغان على القرار
ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على انخفاض الليرة بدعوة الشعب التركي للاستعداد لمعركة وطنية ضد أعدائهم في المجال الاقتصادي. ووفقاً لما أكدته مصادر إعلامية تابعة لمكتب الرئيس التركي، اتصل الرئيس التركي بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لمناقشة العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. فيما اعتبر الكرملين الحزمة القادمة من العقوبات المناهضة لروسيا غير قانونيةٍ. أما الرئيس الإيراني حسن روحاني، فقد كان تصريحه الأكثر حدة بالمقارنة مع بوتين وأردوغان، حيث علَّق قائلاً «ستندم الولايات المتحدة على ذلك»، إلا أنه لم يحدد ما يقصده من ذلك على نحو دقيق.
وحسب ما أكده الخبير البارز والنائب الأول لرئيس مركز التقنيات السياسية، أليكسي ماكاركين، للصحيفة الروسية فإن «التزامن النسبي للعقوبات ضد روسيا وإيران وتركيا يتأثر بالعديد من العوامل. ومن الواضح أن ترمب لا يفهم قيمة حلفائه، ويرغب في المضي قدماً دون النظر إلى المخاطر المحتملة لقراراته، وهذا يتعارض مع السياسة التي انتهجها باراك أوباما».
لطالما انتقد الرئيس الأميركي صراحة شركائه على غرار الاتحاد الأوروبي وتركيا، مع العلم أن المشكلات في العلاقات الأميركية التركية قائمة منذ عهد إدارة أوباما، أي عندما اشتبه أردوغان في تورط البيت الأبيض في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في صيف 2016.
ووفقاً للخبير، فإنه في حين فضَّل أوباما عدم جرِّ العلاقات التركية الأميركية إلى صراع مفتوح، لا يتردد ترمب الآن في خوض جدال مع أردوغان الذي أبدى رفضه للإذعان للبيت الأبيض. وفيما يتعلق بالعقوبات ضد إيران، أبدى ترمب اتّباعه لسياسة مخالِفة تماماً لسياسة أوباما، الذي وافق على الصفقة النووية.
أما في حالة روسيا، فإن ترمب قد نفى منذ بداية فترة رئاسته التهم المتعلقة بتعاونه مع الكرملين. في المقابل، لم يتعرَّض أوباما لتُهم مماثلة لـ «عميل لموسكو» لذلك كانت عقوباته ضد روسيا أقل حدة، في حين أنه على ترمب إثبات عدم تعاونه مع بوتين من خلال فرض المزيد من العقوبات.
القرار لم يكن صدفة
حسب الخبير وعضو مجلس الشؤون الدولية الروسي ونادي فالداي الدولي، ماكسيم سواشكوف، لا يمكن اعتبار فرض العقوبات ضد روسيا وتركيا وإيران في الوقت نفسه محض صدفة، وإنما هناك نوايا مبيتة. وقد أشار هذا الخبير إلى أن «هذه العقوبات هي دليل على الاتجاه الذي تنتهجه الولايات المتحدة مع أولئك الذين تعتبرهم خصوماً لها، أو حلفاء انحرفوا عن الطريق». ونوه الخبير إلى أن الإجراءات الأميركية ضد هذه الدول تكتسي دلالة هامة، والأمر نفسه بالنسبة للجدول الزمني للإعلان عن فرض هذه العقوبات.
وفقاً للخبير فإن «فرض العقوبات ضد إيران أمر معروف وشائع منذ فترة طويلة، أما العقوبات ضد روسيا فهي رد فعل من قبل الكونغرس الأميركي على السلوك المخادع للرئيس في هلسنكي، وتبديد الشكوك المتعلقة بالتعاون بين ترمب والكرملين في الانتخابات الرئاسية». وأضاف الخبير: «تتأثر العقوبات ضد تركيا بالعامل الروسي، بالإضافة إلى مسألة اعتقال القس الأميركي في تركيا، التي تمس صورة ترمب في بلاده».
ويعتقد مدير مركز تحليل النزاعات في الشرق الأوسط بمعهد الولايات المتحدة وكندا، التابع لأكاديمية العلوم الروسية، المستشرق ألكسندر شوميلين، أن تزامن العقوبات ضد طهران وموسكو وأنقرة هو موقف ظاهري ظرفي أكثر مما هو موقف متعمد. وأكد الخبير أن «العقوبات الأميركية تضع كلا من روسيا وتركيا وإيران في مركب واحد، مما يحتم على الدول الثلاث التعاون مع بعضها البعض، لكنني لا أتوقع نشوء أي تقارب قوي فيما بينها».
كما ذكر الخبير أن «المشكلة تكمن في أنه لكل طرف من الأطراف الثلاثة أهداف ونوايا مختلفة، فمثلاً لن تفضل تركيا البقاء في نفس المركب مع روسيا وإيران، فيما ستختار إيران مزيداً من التقرب لروسيا. ومن ناحيتها، لا يزعج روسيا البقاء في نفس المركب مع كل من تركيا وإيران». ويعتقد شوملين أن موسكو ستحاول استغلال التناقضات بين أنقرة والغرب، ولكن من الناحية الاستراتيجية من المستحيل ضمان تحالف طويل الأمد مع تركيا، وإنما يمكنهما الاستفادة من بعضهما البعض في الوقت الحالي».