لماذا تعود الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط؟
حدث شيء غريب للرئيس دونالد ترامب، فقبل نصف سنة فقط أعلن بأن الدور التاريخي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط انتهى، وأن نيته ترمي إلى تقليص حجم القوات الأمريكية في المنطقة بل وإخلاء عموم الجنود الذين لا يزالون في سوريا، وفقاً لصحيفة “إسرائيل اليوم”.
لقد شرح الرئيس بأن أمريكا فقدت كل اهتمام بالشرق الأوسط لأنها لم تعد تحتاج إلى النفط الذي فيها، ولأن داعش، الذي هدد بجلب الإرهاب الإسلامي إلى أراضيها، صفي. وقال إن إيران الآن يمكن أن تفعل كل ما يروقها، فما بالك أنها أخذت تضعف بسبب العقوبات الاقتصادية؟ في كل الأحوال، لخص قائلاً إن إسرائيل يمكنها أن تدافع عن نفسها بفضل المساعدة الاقتصادية من الولايات المتحدة.
لم تنقض أشهر قليلة، وإذا بترامب يجتذب عائداً إلى المنطقة التي أراد تركها، فيعزز فيها القوات الأمريكية، بل ويبعث بالطائرات والسفن الحربية. يبدو أنه لم يتبق للرئيس مفر في ضوء أصوات الحرب من طهران. عملياً، هذه ليست مجرد أصوات، بل هي أيضاً وأساساً أفعال: سلسلة هجمات إيرانية ضد حلفاء واشنطن في المنطقة. في طهران كان يبدو أن من «شم الدم» وفسر إعلانات ترامب عن فك الارتباط عن الشرق الأوسط كتعبير عن الضعف.
وبالتالي، فإن الولايات المتحدة-ترامب تتعلم بالطريقة الأصعب الدرس الذي تعلمته إسرائيل في العقد الماضي في غزة ولبنان. يمكن الخروج من غزة، ولكن غزة لن تسارع إلى «الخروج» وترك إسرائيل لحالها، بل ستطاردها حتى لو انسحبت تماماً. بالوزن ذاته، يمكن للولايات المتحدة أن تخرج قواتها من المنطقة وتفك ارتباطها بها، ولكن الإرهاب الإسلامي من مدرسة القاعدة وداعش، وإلى جانبهما إيران وفروعها أيضاً، سيواصلون ملاحقة الولايات المتحدة، والمس بها وبأراضيها، وبمصالحها وبحلفائها في المنطقة والعالم.
لقد شهد التدخل الأمريكي على مدى العقود الأخيرة ارتفاعات وهبوطات، نجاحات وإخفاقات، والاستنتاجات تلقى مفعولاً إضافياً في ضوء التحديات الحالية في الشرق الأوسط.
أولاً، إذا كانت الولايات المتحدة تسعى لأن تلعب دوراً مركزياً في العالم ـ مثلاً، في مناطق استراتيجية من ناحيتها مثل الشرق الأقصى ـ فمن المحظور عليها أن تترك الشرق الأوسط خلفها. هذا استنتاج توصل إليه الروس أيضاً، والدليل هو أن بوتين يقود روسيا نحو مكانة صدارة في العالم عبر التدخل المتزايد في منطقتنا. فالمركزية الجغرافية، الاقتصادية والسياسية للشرق الأوسط لا تسمح بفك الارتباط، بل يفترض المتابعة والتحكم.
ثانياً، المسائل التي على جدول الأعمال في الشرق الأوسط ليست محلية وليست محصورة بالمنطقة وسكانها. فالسياسة الإيرانية ليست دفاعية في جوهرها بل مبادرة وهجومية، وتخلق تهديداً حقيقياً. وقطع الاتصال عن المنطقة لن يحل بل سيفاقم التهديد. كما أن القتال الاقتصادي الذي تبناه ترامب كفيل بأن يحقق أهدافاً محدودة قط، وألا يغير الواقع الإقليمي من أساسه.
وأخيراً، درجت الولايات المتحدة على أن ترى في إيران من قبل، وبعدها تركيا، وكذا في دول الخليج ـ الحجارة الأساس لتواجدها في المنطقة وحمايتها لمصالحها. غير أن كل هذه خيبت الآمال. إيران أصبحت عدواً ولم يعد ممكناً الاعتماد على تركيا، التي توثق علاقاتها مع موسكو، ولا على الدول العربية الغارقة في مصاعب ومشاكل داخلية. على هذه الخلفية يتبين للولايات المتحدة مرة أخرى أن إسرائيل هي الحليف الوحيد الذي يمكنها أن تعتمد عليه عند الأزمة. العلاقة مع إسرائيل ليست عائقاً، بل وسيلة لتعزيز مكان الولايات المتحدة الإقليمية. ولا سيما حين تكون الدول العربية والخليجية بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى سند قوي يساعدها في مواجهة طهران.