لماذا تصمت روسيا على هجمات إسرائيل ضد أهداف إيرانية في سوريا؟
أعربت جهات في إسرائيل عن تحفظها على تصريحات جهات أمنية حول بدء انسحاب إيران من سوريا وسط تساؤلات عن مغازي الصمت الروسي على الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة في الأيام الأخيرة هناك.
ونقلت الإذاعة العبرية العامة عن مصادر أمنية في دولة الاحتلال، أن إيران بدأت بتقليص قواتها بشكل كبير على الأراضي السورية التي شهدت يوم الإثنين غارات جديدة على أهداف لإيران وحزب الله نسبت لإسرائيل.
وعلى خلفية تواتر الهجمات “المجهولة” على أهداف إيرانية وسورية خلال الأيام الأخيرة، قالت مصادر أمنية إسرائيلية، للإذاعة العامة إنه للمرة الأولى منذ تدخلت إيران في الحرب الأهلية في سوريا فإنها بدأت بسحب قواتها وإخلاء قواعدها منها.
وقالت هذه المصادر الأمنية في حديث مع مراسلين عسكريين إسرائيليين داخل مقر وزارة الأمن في تل أبيب، إن إيران تحولت من مكسب إلى عبء بالنسبة لسوريا التي تسدد أثمانا متزايدة بسبب تواجد الإيرانيين على أراضيها للمشاركة في حرب ليست لها.
ونقلت الإذاعة العامة عن هذه المصادر توقعها بأن إسرائيل ستزيد الضغط على إيران في سوريا حتى تخرج بالكامل منها، وبأن الأخيرة راغبة بهذا الخروج. وأوضحت الذإاعة الإسرائيلية أن الهجمات الأخيرة قد جرت في عمق الأراضي السورية، واستهدفت القوات والقواعد والقيادات الإيرانية في سوريا، وليس فقط ضرب قوافل السلاح المهرب لحزب الله. كما نقلت الإذاعة العبرية عن هذه المصادر قولها إنها تلاحظ انخفاضا جوهريا بعدد الشحنات الجوية المختصة بتهريب العتاد العسكري من إيران لسوريا في نصف العام الأخير.
** رسالة للأسد
يشار إلى أن قائد جناح العمليات في جيش الاحتلال الجنرال أهارون حليوة، قال لموقع “والا” قبل أسبوع بهذا الصدد، إن الخطة الإسرائيلية تقضي بتصعيد الضغط على إيران في سوريا في هذه الفترة معتبرا أن احتمالات بقائها فيها قد انخفض بفضل “نجاح السياسات الإسرائيلية”.
وتابع حليوة في رسالة للأسد: “أعتقد أن بشار الأسد بدأ يدرك أن إيران التي ساعدته ضد تنظيم الدولة قد باتت تهدد مستقبل حكمه وتعيق عمليات ترميم سوريا”. واعتبر أيضا أنه بعد استعادة معظم سوريا لسيطرة الأسد فإن كل واحد من اللاعبين يطالب اليوم مقابلاً.
فروسيا حازت على مناطق واسعة تم استئجارها لمدة قرن، علاوة على بناء قواعد عسكرية وتأمين حصتها في مشاريع إعادة بناء سوريا. أما إيران برأيه، فقد تلقت ضوءا أخضر من الأسد لبناء قواعد عسكرية في رحاب سوريا ومواصلة مد حزب الله بأسلحة متطورة، فيما حاز نصر الله على ترخيص لبناء ثكنات في هضبة الجولان.
ويبدو أن المقصود بـ”مصادر أمنية إسرائيلية” هو وزير الأمن نفتالي بينيت، الذي استدعى قبيل هذه الترجيحات بعض المراسلين العسكريين لمقره، وقال: “إننا مصممون أكثر. بالنسبة لإيران فهذه مغامرة لأن سوريا بعيدة 1000 كيلومتر عنها، أما بالنسبة لنا فهذه مسألة حياة. والجنود الإيرانيون القادمون لسوريا فقد وضعوا دمهم على كفوفهم، فهم يخاطرون بحياتهم بل يسددون بحياتهم وسيستمرون بذلك ونحن لن نتنازل ولن نسمح بتأسيس قاعدة إيرانية متقدمة داخل سوريا”.
وقالت المعلقة العسكرية في الإذاعة العبرية كارميلا ميناشيه نقلا عن “مصادر أمنية” إن إيران بدأت بالانسحاب نتيجة عدة عوامل، منها قوة الضربات الإسرائيلية وأزماتها الداخلية، خاصة بعد تورطها في جائحة كورونا.
** نائب الوزير يتحفظ من تصريحات الوزير
من جهته تحفظ نائب وزير الأمن في حكومة الاحتلال آفي ديختر على التقديرات الإسرائيلية بأن إيران تنسحب من سوريا. وعلل ذلك بالقول إنها ما زالت موجودة بعدما استثمرت مليارات فيها، ولن تسارع للتنازل عن مقدراتها وعن الفرصة لاستعادتها.
واعتبر في حديث لإذاعة جيش الاحتلال أن إيران لاعتباراتها الذاتية تستبدل قوات من جيشها بقوات حليفة، معتبرا أنها تعيد انتشارها على الأراضي السورية الواسعة. وتابع: “لا يوجد واقع فيه سوريا بلا إيرانيين وأنا لا أعرف واقعا كهذا”.
وردا على سؤال عن اعترافات إسرائيل بالهجمات الأخيرة، اكتفى ديختر بالقول إن “سياسة إسرائيل تقضي بعدم السماح لدولة عدو أن تتمركز في سوريا من أجل المساس بها، ولذا فهي تفعل كل شيء لمنع حدوث ذلك”.
وتابع: “هدفنا واحد، وهو منع تحويل سوريا إلى حجر نُضرب به”.
وأبدى وزير الشؤون الإقليمية في حكومة الاحتلال تساحي هنغبي، تحفظا مماثلا، بقوله للقناة 12 إن هناك إعادة انتشار إيراني في سوريا ولكن ليس انسحابا حتى الآن، لافتا إلى كون ذلك مسيرة طويلة. وفي وقت سابق قال مدير قسم الجناح السياسي- الأمني في وزارة الأمن، الجنرال بالاحتياط عاموس غلعاد، للإذاعة العبرية العامة إن كثرة الهجمات المنسوبة لإسرائيل ضد قوات إيران في سوريا تعكس تصميمها على التمسك باستراتيجيتها بإحاطة إسرائيل ببنى تحتية وقواعد في سوريا ولبنان وقطاع غزة بغية المساس بإسرائيل أو وضعها بين فكي كماشة.
وقال هو الآخر إنه يتحفظ من سرعة جهات سياسية في تسريب معلومات تفيد بأن إيران بدأت تسحب قواتها من سوريا منوها أن المواجهة لم تنته بعد.
** صمت مدوٍ
وهذا ما تبناه المعلق العسكري في القناة 13 ألون بن دافيد، موضحا أن الضربة الأخيرة أصابت هدفا سوريا -مجمع السارس الذي يقدم مساعدات لإيران وحزب الله في مسعاهما لتطوير صواريخ وزيادة دقتها.
وتابع: “لم يقتل إيرانيون في الهجمات بل سوريون، ولذا سارع الإعلام السوري الرسمي للإشارة إلى إسرائيل بعد الهجمة”. واعتبر بن دافيد أن هناك توجها جديدا مباركا بدأ منذ عام يلاحظ فيه نقل إيران لقواتها للمناطق الشرقية البعيدة في سوريا نتيجة الضربات الإسرائيلية المتزايدة في فترة كورونا، ومقتل قاسم سليماني، علاوة على مشاكل داخلية تثقل على طهران.
لكن بن دافيد ينبه أنه لا يمكن اعتبار ذلك انسحابا، وأضاف: “قبل أن نسارع لتتويج قتالنا ضد إيران في سوريا بالانتصار، ينبغي القول إنها لا تغادر بعد، ومن المبكر إعلان نجاحنا وانتصارنا”.
وبرأي ألون بن دافيد أيضا، فإن الأمر الأهم هو “الصمت المدوي لروسيا” على الضربات الإسرائيلية المتصاعدة ضد التواجد الإيراني في سوريا. وتابع: “شهدنا في الأسبوعين الأخيرين ست هجمات إسرائيلية في سوريا، ويدلل صمت الكرملين حيال ذلك على نظرتهم وموقفهم من هذه الهجمات”.
وكان بن دافيد قد قال في منتصف فبراير/ شباط الماضي، إن اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، أضعف تأثير إيران في المنطقة كلها، موضحا أن إسرائيل تجد في غيابه فرصة لزيادة ضرباتها وضغوطها في سوريا، وأضاف وقتها: “وفق مصادر أجنبية، عادت إسرائيل بعد مهلة طويلة لتوجيه ضربات في سوريا ضد أهداف إيرانية”.
** خطان أحمران
واستنادا لأحاديثه مع جهات أمنية، عاد بن دافيد وكرر موقف إسرائيل مما يجري في سوريا، وقال إنها لا تتنازل عن خطين أحمرين، وهما عدم السماح بتمركز إيران في سوريا، وتحويلها أسلحة دقيقة إلى حزب الله، مرجحا أن هناك اتفاقا بين إسرائيل وروسيا حول ذلك.
وأضاف: “هذه رسالة لبشار الأسد من روسيا مفادها أن لديها مصالح وينبغي الحفاظ عليها”.
ويتفق معه محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، بأنه ينبغي التعامل مع هذه الرسائل الإسرائيلية التي تفيد بأن إيران تنسحب من سوريا.
وقال هارئيل أيضا على غرار بن دافيد، إن إسرائيل تستغل جائحة كورونا لمضاعفة الضغط العسكري على إيران في سوريا. منوها أن الهجوم الذي نسب لسلاح الجو الاسرائيلي الإثنين، في منطقة حلب يبدو أنه هامٌ بسبب حجمه ومكانه البعيد والهدف المهاجم.
وتابع: “حسب تقارير في وسائل الإعلام العربية، الموقع الذي تم قصفه يعود إلى مجموعة (سارس) وهو المعهد العلمي السوري. فعليا، هذا هو جسم الصناعة الأمنية الرائد في سوريا والمسؤول عن تطوير الوسائل القتالية ومنها السلاح الكيميائي والبيولوجي”.
** عمق التنسيق
كذلك يرشّ المعلق العسكري في صحيفة “إسرائيل اليوم” دانئيل سريوطي الماء البارد على التقارير والتصريحات حول بدء إيران بإخلاء قواعد لها في سوريا. وقال إنه رغم المنجزات التكتيكية التي تفرمل تقدم إيران في المنطقة، لا يمكن على المستوى الإستراتيجي تجاهل عدم نجاح إسرائيل بمنع استمرار التمركز الإيراني في سوريا والعراق، مما قد يتسبب مستقبلا بمواجهة كبرى.
ويلاحظ سريوطي أيضا الصمت أو التجاهل الروسي لضربات إسرائيل في سوريا، مما يمنح هامش مناورة لطائراتها في سماء سوريا ولبنان مؤكدا أن ذلك يعكس عمق التنسيق الأمني بين موسكو وتل أبيب والعلاقات الطيبة بينهما.
**رسالة لدمشق وموسكو
ويعلل المحلل العسكري البارز رون بن يشاي تراجع القوات الإيرانية أمام تصاعد الهجمات الإسرائيلية في سوريا، بالإشارة إلى كون إيران مصابة نتيجة عدوى كورونا والعقوبات الأمريكية وتدني أسعار النفط واغتيال سليماني.
ويتابع: “نضيف لكل ذلك تناقض المصالح الاقتصادية والسياسية في الوضع الراهن بين روسيا وإيران، وكذلك بين إيران والنظام السوري، مما يتيح فهم اعتبار إسرائيل ذلك فرصة لضغط متواصل واستراتيجي على إيران في سوريا حتى بثمن تصعيد خطير في جبهة الشمال. الهجمات الإسرائيلية الأخيرة تحمل رسالة للأسد وروسيا أن التواجد الإيراني في الأراضي السورية يضر بهما ويعيق إعادة بنائها”.
في المقابل يرى المحلل العسكري في “معاريف” طال ليف رام، أن روسيا ما زالت بحاجة للإيرانيين في سوريا، محذرا من استعجال الفرحة بانسحابهم من هناك رغم تراجع حجم نقليات الأسلحة لحزب الله، وملاحظة تحركات في القواعد الإيرانية.
وحسب رأيه فإن الإيرانيين يقومون بـ “الأعمال السوداء ” في سوريا، وأن الروس يلعبون لعبة ذكية تفسر هذه الازدواجية في الموقف من إيران، والصمت على استهداف مواقعها.
وتابع: “ما زلنا بعيدين مما نريده عندما يقول الروس أو السوريون للإيرانيين: أخرجوا من هنا فأنتم تلحقون بنا ضررا”.