لماذا تصرُّ روسيا ونظام الأسد على اقتحام خان شيخون؟
ذُبحت خان شيخون مرتين على مسمع من العالم، الأولى عندما قصفها النظام السوري بالأسلحة الكيماوية في عام 2017، والثانية عندما تعرَّضت لقصفٍ وحشيٍّ قبل أن تدخلها القوات الروسية والسورية في 2019، فما هي أهمية خان شيخون الاستراتيجية، التي جعلت النظام والروس يُصرَّان على اقتحامها بأي ثمن؟
وكانت قوات النظام السوري قد تمكَّنت من دخول المدينة، اليوم الثلاثاء اليوم الثلاثاء 20 أغسطس 2019، مدعومة بميليشيات إيرانية وقوات روسية خاصة، وبقصف جوي روسي مكثف من السيطرة على مدينة خان شيخون جنوبي إدلب، بعد معارك وُصفت بالعنيفة ضد قوات المعارضة، استمرَّت طيلة الليلة الفائتة، أوقعت عدداً كبيراً من القتلى والجرحى بين الطرفين.
وأعلنت غرفة عملية «الفتح المبين» التابعة للمعارضة، في بيانٍ لها، انسحابها من خان شيخون، وإعادة تمركز قواتها في ريف حماة الشمالي، وذلك نتيجة سياسة الأرض المحروقة التي استخدمتها قوات النظام وروسيا، مؤكدة استمرار المعارك ضدهم.
ورغم كونها مشمولة باتفاق روسي تركي لخفض التصعيد، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح، تتعرَّض مناطق في إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة منذ نهاية أبريل لقصفٍ شبه يومي من الجيش السوري وحليفته روسيا.
وبدأت القوات السورية في الثامن من الشهر الحالي التقدم ميدانياً في ريف إدلب الجنوبي، وتسبَّب التصعيد في مقتل أكثر من 860 مدنياً، وفق مصادر، ونزوح أكثر من 400 ألف شخص في إدلب، وفق الأمم المتحدة.
ورغم الانسحاب فإنَّ المعركة لم تنتهِ
وتجدَّدت المواجهات بين المعارضة وقوات النظام السوري على أطراف مدينة خان شيخون بريف إدلب، التي اقتحمتها قوات النظام، حسبما ذكر موقع الجزيرة.
وقالت تركيا إنَّها لن تنقل موقع المراقبة التابع لها بإدلب بعد تعرُّض قواتها لهجوم من النظام.
وجاء تجدُّد المواجهات حول خان شيخون بعد إعلان المعارضة في بيان انسحابها منها، وإعادة تمركزها في ريف حماة الشمالي، وذلك نتيجة «سياسة الأرض المحروقة»، التي استخدمتها قوات النظام وروسيا.
ووفقاً لشبكة شام، انسحبت المعارضة من مدن وبلدات كفرزيتا واللطامنة والصياد ولطمين واللحايا والبويضة في ريف حماة الشمالي، خوفاً من قطع طرق الإمداد ومحاصرة قواتهم، في حين لم تدخل قوات النظام إلى هذه المناطق تخوفاً من الكمائن والألغام.
وأضافت الشبكة أنَّ فصائل المعارضة قصفت معاقل النظام بالصواريخ في قريتي مدايا والكركات، وأنَّ الاشتباكات متواصلة في تلال كبينة شمالي اللاذقية.
ما هي أهمية خان شيخون الاستراتيجية؟
مدينة خان شيخون التي دخلت إليها قوات النظام منذ ساعات، هي أكبر مدن ريف إدلب الجنوبي، وكان محيطها قد تعرَّض لقصفٍ شديد من قِبَل الأسد وروسيا.
وتقع خان شيخون على الطريق الذي يصل حلب، مروراً بحماة وحتى جنوب سوريا.
وربما يكون السيناريو في المنطقة هو السيطرة على معرّة النعمان وسراقب شمالاً، بحسب ما قال الخبير العسكري اللواء إلياس حنا، لموقع «سكاي نيوز عربية» .
إذ إنه بعد تأمين هذه المنطقة قد يتمكَّن النظام من إحكام السيطرة على الطرق الأساسية نحو المدن الرئيسية في إدلب.
واعتبر أنَّ السيطرة على خان شيخون، على الأرجح، تأتي ضمن استراتيجية «التقطيع والسيطرة على المحاور والدخول إلى المدن الأساسية في إدلب» .
الروس يريدون تأمين قاعدة حميميم على الساحل السوري
ويقول الروس عن العملية العسكرية في إدلب أنها من أجل تأمين «حميميم» على الساحل السوري، خاصة بعد اتهامات بأن جبهة النصرة تستهدفها.
ولذلك، يرى اللواء حنا أنَّ الروس يسعون من وراء العملية العسكرية في إدلب إلى خلق مناطق عازلة عن المناطق الساحلية التي تُهدِّد الوجود الروسي.
تريد روسيا تأمين الخواصر الرخوة لمعسكراتها في محردة وسقيلبية وقاعدتها العسكرية في حميميم، لذلك وضعت ومنذ اليوم الأول لاندلاع المعارك أهدافاً محددة تخدم هذه الخطة.
السيطرة على طريق حلب دمشق الدولي
السيطرة على خان شيخون تعني تأمين الطريق الدولي بين حلب ودمشق، الذي تسيطر الفصائل المقاتلة على جزء منه يعبر محافظة إدلب.
وتعتبر خان شيخون العقدة الرئيسية للتحكم في الطريق الدولي دمشق- حلب، أي المتّجه من دمشق، العاصمة السياسية للأسد إلى حلب، عاصمة الاقتصاد وأهم مدن سوريا.
ويشكل الطريق شرياناً حيوياً يربط بين أبرز المدن تحت سيطرة قوات النظام من حلب شمالاً، مروراً بحماة وحمص في الوسط، ثم دمشق، وصولاً إلى الحدود الجنوبية.
السيطرة على التجارة
مَن يسيطر على المدينة سوف يتحكَّم في طريق التجارة الدولية (m5) الذي يمر من إدلب باتجاه مدينة حلب.
كما أنَّه في سيطرة الروس على خان شيخون فرصة كبيرة لتهيئة ظروف مصطنعة تبرِّئ النظام وروسيا من مجزرة الكيماوي التي نُفّذت ضد أهالي المدينة في العام 2017.
المنطقة منزوعة السلاح الهدف القادم
سيطرة النظام على خان شيخون كانت الهدف الأساسي من المرحلة الأولى للعملية التي أطلقتها قوات الأسد شمالي البلاد.
وحسب مراقبين فإنَّ الأسد بعد سيطرته على الطريق الدولي لهذه المنطقة، سيتَّجه فوراً نحو إخلاء المناطق منزوعة السلاح عن طريق إجبار المعارضة المسلحة، على سحب أسلحتها الثقيلة والعودة إلى اتفاق سوتشي من جديد.
سقوطها قد يعني تصفية وجود المعارضة في محافظة حماة
وسيطرة النظام السوري على مدينة خان شيخون تُضيِّق الخناق على مقاتلي المعارضة بريف حماة الشمالي، الذين أصبحوا شبه محاصرين في مدن كفر زيتا ومورك واللطامنة وبلدات أخرى، ولم يبقَ لهم سوى منفذ ترابي قد تتمكن قوات النظام من رصده، ما اضطر قسماً كبيراً منهم لإعادة التمركز في تلك المدن والبلدات، بينما بقيت عدة مجموعات كبيرة ضمن نقاط المراقبة التركية المنتشرة بمدينة مورك وقرية شير مغار.
التوجُّه لمعرّة النعمان ومحاصرة الوجود التركي
وبعد سيطرة النظام السوري على معظم ريف حماة الشمالي، وجزء من ريف إدلب الجنوبي، يترقَّب أهالي وناشطو مدينة إدلب هجمات أخرى باتجاه مدينة معرة النعمان، المدينة الأكبر بريف إدلب الجنوبي، وإحدى أبرز المدن الثائرة بوجه النظام السوري.
وبسقوط خان شيخون تحت سيطرة النظام السوري، أصبحت نقطة المراقبة التركية بريف حماة محاصرة بشكل شبه كامل، على غرار قوات المعارضة الموجودة ببلدات ريف حماة الشمالي، وقطعت جميع طرق إمدادها مع استمرار استنفار قوات الجيش التركي، التي قدمت أمس من تركيا، وتمركزت بمنطقة حيش، وتعرَّضت لقصف جوي.
من جهةٍ أخرى، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، اليوم الثلاثاء، إنَّ بلاده لن تنقل موقع المراقبة العسكري في محيط خان شيخون، مؤكداً أنَّ الرتل العسكري الذي تعرَّض لاستهداف النظام أمس «سيواصل مهمته»، وأنه يجري اتخاذ التدابير الأمنية والعسكرية اللازمة.
وذكر جاويش أوغلو أنَّ تركيا على تواصُل مع روسيا «على كل المستويات» لتطبيق وقف لإطلاق النار في إدلب.
ويؤكد المحلِّل السياسي فراس تقي، أنَّ الانسحابات الحالية من أجزاء واسعة من مدينة خان شيخون ومن بلدات اللطامنة وكفر زيتا، جاءت لتجنُّب حصار المقاتلين فيها، لكن لا تزال النقطة التركية موجودة في «مورك» وطريقها مفتوحاً باتجاه ريف إدلب الجنوبي عبر منطقة التمانعة.
وأضاف تقي أنه من المبكر جداً الحكم على مستقبل المنطقة، لأن سيطرة قوات النظام المدعومة من روسيا هشّة، ويمكن أن يتم تنفيذ هجمات معاكسة في أي وقت، وتغيير خريطة السيطرة.