لماذا ترفض أوروبا استعادة مواطنيها «الدواعش» المعتقلين بسوريا؟
قالت صحيفة “نيويورك تامز” الأمريكية، إن القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من شمالي سوريا، أثار مخاوف واسعة النطاق من عودة ظهور تنظيم الدولة (داعش) في المستقبل. لكن قد يكون هناك جانب إيجابي للأمر، فقد أشارت بلدان أخرى إلى استعدادها لاستعادة مواطنيها الذين انضموا إلى الجماعة الإرهابية، وهم الآن محتجزون في مخيمات مؤقتة.
يقبع الآن حوالي 850 رجلاً وعدة آلاف من النساء والأطفال من حوالي 50 دولة قيد الاحتجاز في شمالي سوريا، في معسكرات اعتقال لمقاتلي تنظيم داعش والمتعاطفين معها. وهم محبوسون إلى أجل غير مسمى في سجون مُخصصة للحرب ومخيمات للاجئين، بنتها ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها الأكراد، والمتحالفة مع الولايات المتحدة.
وكانت البلدان الأصلية لمعظم هؤلاء المحتجزين تتجاهل أمرهم، على الرغم من مناشدات الأكراد لتخفيف هذا العبء عن كاهلهم. لكن إعلان ترامب المفاجئ في 19 ديسمبر، نيته سحب القوات الأمريكية سرعان ما استدعى الشك في قدرة الأكراد على الاحتفاظ بسيطرتهم على السجون والمخيمات.
وقد أدى ذلك بدوره إلى مخاوف من إمكانية هروب المقاتلين الأجانب أو إطلاق سراحهم ليعودوا إلى بلادهم ليشنوا هجمات، وتبدأ موجة جديدة من النشاط لإعادة بعضهم إلى أوطانهم.
لكن ترامب، قال السبت 16 فبراير 2019، إن الولايات المتحدة تطلب من الحلفاء الأوروبيين «استعادة أكثر من 800» من مقاتلي تنظيم «الدولة » الذين تم أسرهم في سوريا وإحالتهم إلى المحاكمة. وأضاف ترامب في تغريدة نشرها على حسابه بـ «تويتر»: «الخلافة على وشك السقوط، البديل ليس بديلاً جيداً، حيث إننا سنضطر إلى إطلاق سراحهم».
وقال دونالد ترامب إن الولايات المتحدة لا تريد أن تقف وتشاهد مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية» المعتقلين بسوريا وهم يتغلغلون في أوروبا، التي من المتوقع أن يذهبوا إليها إذا أُطلق سراحهم. وأضاف أن الوقت حان كي يكثف آخرون جهودهم ويؤدون المهمة التي يمكنهم القيام بها. وقال إن الولايات المتحدة تنسحب من سوريا، بعد تحقيق النصر على «الخلافة» بنسبة 100%.
النهج المضطرب لترامب ربما يأتي بنتائجه هنا
يقول ناثان أسيلز، كبير مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب: «منذ إعلان الانسحاب من سوريا في ديسمبر/كانون الأول، لاحظنا وجود شعور بالإلحاح بين الدول الشريكة».
ليس هناك ما يشير إلى أن ترامب كان يفكر في كيفية إدارة وضع المعتقلين عندما أعلن الانسحاب السوري، لكن إجبار الحلفاء على التفكير في استعادة مواطنيهم المعتقلين قد يكون الأحدث بين عدة مواقف، أدى النهج المضطرب للرئيس فيها إلى تحقيق نتائج غير متوقعة.
منذ توليه منصبه قوّض ترامب مراراً وتكراراً جهود منظمة حلف شمال الأطلسي، بسبب سعيه للربط بين الالتزامات الأمريكية بالدعم العسكري للدول الأعضاء، والتزام الدول بالإنفاق العسكري. وأغضب اقتراحه الحلفاء، لكن منذ ذلك الحين زادت عدة دول إنفاقها العسكري، مما أدى إلى تصاعد متسارع في هذا الاتجاه الذيكان خاملاً في السابق.
وفي صيف عام 2017، ربما كان حديث ترامب العدواني عن أمطار من «نار وغضب» على كوريا الشمالية قد دفع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، إلى وقف تجاربه النووية والصاروخية، وبدء مفاوضات للتخلص من ترسانته النووية. ومع ذلك لا تزال النتائج بعيدة المدى لتلك المفاوضات غير واضحة.
وقال دانيال فريد، الذي كان مسؤولاً بارزاً في وزارة الخارجية، وتقاعد عام 2017، وهو الآن زميل في المجلس الأطلسي، إن النهج المضطرب لترامب يبدو في بعض الأحيان وكأنه يهدف إلى تحقيق نتائج إيجابية، مضيفاً أنه في أوقات أخرى بدا الأمر بلا جدوى، كما هو الحال عندما جرت الإساءة للحلفاء.
إجبار الدول على مواجهة المشكلات التي تجاهلتها
لكن في حل مشكلة معتقلي تنظيم داعش، فإن قرار الرئيس المفاجئ بالرحيل عن سوريا قد يكون مفيداً، كما يقول فريد.
ويضيف: «قد يكون لأسلوب ترامب المضطرب أثر إيجابي عن غير قصد، في إجبار الدول على مواجهة المشكلات التي قد تفضل تجاهلها».
وأثار احتمال إعادة المواطنين الذين انضموا إلى تنظيم داعش، ومحاولة محاكمتهم أو إعادة إدماجهم في المجتمع، مخاوف كبيرة للعديد من حلفاء أمريكا، حول المخاطر الأمنية والقانونية والسياسية. لم يجر إعادة أي معتقل من المخيمات السورية المؤقتة إلى وطنه الأم في الأشهر الخمسة الأخيرة من 2018.
لكن في يناير/كانون الثاني، أعلنت كازاخستان أنها استعادت نحو 46 معتقلاً، بما في ذلك حوالي 41 امرأة وطفلاً. وقال أربعة مسؤولين أمريكيين إن عمان وتونس أيضاً استعادتا بعضاً من مواطنيهما من الميليشيات الكردية.
لكنَّ مسؤولاً تونسياً نفى أن تكون حكومته قد وافقت على إعادة مقاتلي تنظيم داعش أو عائلاتهم إلى وطنهم، غير أن العديد من المسؤولين الآخرين قالوا إن ما يصل إلى تسعة أشخاص من بين ما وصف بأنه عدد كبير من المعتقلين التونسيين قد عادوا إلى تونس حتى الآن.
في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي في واشنطن، قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إن حكومته مستعدة لإعادة حوالي 50 رجلاً سعودياً، محتجزون في المخيمات الكردية.
وتدرس عدة دول أوروبية، التي رفضت في السابق التعامل مع مواطنيها المعتقلين، للآن، استعادة بعض منهم، بما في ذلك كوسوفو.
وقال غاريت ماركيز المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض: «لقد تشجعنا لأن الدول الشريكة ترى أهمية تحمل مسؤولية إيجاد التصرف الملائم مع مواطنيها الذين اختاروا السفر إلى سوريا، وأيضاً محاربة تنظيم داعش»، لكنه رفض تحديد دول بعينها.
كيف ستتصرف فرنسا؟
بالإضافة إلى ذلك، أشارت تقارير، الشهر الماضي، إلى أن فرنسا قريبة من تحديد ما إذا كان سيجري إعادة حوالي 130 من مواطنيها المحتجزين، بما في ذلك الرجال والنساء والأطفال. ويقال إن دولاً أوروبية أخرى لها أعداد كبيرة من المواطنين بين المعتقلين، بما في ذلك ألمانيا وبلجيكا، تراقب عن كثب ما ستُقرره باريس بهدف حذو حذوها.
و قالت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية إن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا أجبرها على التعامل مع المعتقلين.
وأضافت الوزارة أنه «في ضوء التطورات في الوضع العسكري في شمال شرقي سوريا، والقرارات الأمريكية، ولِضَمان أمن الشعب الفرنسي، فإننا نستكشف جميع الخيارات لمنع هؤلاء الأفراد الذي يشكلون لخطورة محتلمة، من الهروب أو التفرق».
وقال كريستوفر كوستا، وهو مدير سابق لمجلس الأمن القومي لمكافحة الإرهاب في إدارة ترامب، إن الرغبة الجديدة من قبل الدول هي علامة إيجابية لمعضلة ليس لها سوى عدد قليل من الحلول الجيدة.
وأضاف كوستا، الذي يشغل حالياً منصب رئيس متحف International Spy Museum في واشنطن: «لا تعتقد الدول دائماً أن هذا الرئيس يمكن التنبؤ به من عدة نواحٍ، لذا إذا استطعنا إيجاد بلدان تتولى مسؤولية المعتقلين، فسيُعدّ ذلك نتيجة جيدة لتسريع انسحاب القوات الأمريكية».
ما أسباب إحجام بعض الدول عن استعادة معتقلي تنظيم داعش؟
معظم هذه الأسباب نابعة من المخاوف الأمنية حول الأشخاص الذين قد يصعب محاكمتهم وسجنهم بعقوبات مطولة. وحتى أولئك الذين يشكلون مخاطر أمنية ضئيلة أو معدومة، قد يصعب عليهم الاندماج في المجتمع، بسبب أيديولوجيتهم أو تجاربهم في زمن الحرب، ومن المرجح أن يجري وصم الأطفال الذين كانوا جزءاً من تنظيم داعش دون ذنب جنوه.
بالنسبة للدول الديمقراطية هناك دعم سياسي ضئيل لإعادة هذه المجموعة الإشكالية، على الرغم من أنه في الآونة الأخيرة وجّهت محكمة أمراً للحكومة البلجيكية بإعادة توطين امرأتين وستة أطفال.
وفي بريطانيا، اندلع جدل هذا الأسبوع حول ما إذا كان يجب على الحكومة إنقاذ شاميما بيجوم، وهي فتاة بريطانية عمرها 19 عاماً، هربت للانضمام إلى تنظيم داعش قبل ثلاث سنوات، وهي الآن حامل في شهرها التاسع وفي مخيم للاجئين. وقالت لمراسل صحيفة “التايمز”البريطانية إنها تريد العودة إلى ديارها، لكنها لم تعرب عن أسفها بشأن السفر إلى سوريا.
ماذا عن البلدان المتعثرة أمنياً وسياسياً؟
أما البلدان ذات الحكومات الهشة، مثل تونس، فهي قلقة أيضاً من القدرة على استيعاب مجموعة كبيرة من المتطرفين العائدين. بالإضافة إلى ذلك يثير احتمال إعادة المعتقلين إلى دول ذات سجل سيئ في حقوق الإنسان، مثل مصر أو الصين، مخاوف إنسانية.
يمثل العدد الأكبر من المعتقلين اليمنيين مشكلة مختلفة، بالنظر إلى أن الحرب الأهلية في هذا البلد يمكن أن تُصعب تقديم ضمانات لمحاكمتهم أو إعادة توطينهم، إن لم تجعلها مستحيلة.
وتحدَّث مسؤول أمريكي عن جهود مبدئية لإقناع دول ثالثة باستقبال بعض المعتقلين الذين لا يمكن إعادتهم إلى بلدانهم الأم المتعثرة، بناء على سابقة قيام إدارة أوباما بإعادة توطين العديد من معتقلي غوانتانامو من المستوى الأدنى في الدول الأجنبية.
في الوقت الحالي، لا يزال هذا هدفاً طويل الأجل. لكن مسؤولاً آخر، هو سيلز، لفت إلى وجود مؤشرات مبكرة على إحراز تقدم في إقناع بعض البلدان باستعادة مواطنيها لمحاكمتهم، أو على الأقل لمنعهم من العودة إلى ساحة المعركة.
وقال: «هذه الرسالة تلقى صدى الآن بطريقة لم تكن موجودة في الماضي، وأعتقد أن ذلك يرجع إلى أن دولنا الشريكة أدركت أن ثمة فرصة محدودة هنا»، مضيفاً: «ما دامت الولايات المتحدة لا تزال نشطة في شمال شرقي سوريا، فيمكننا التأثير على النتائج بشكل أفضل، ولهذا السبب أعتقد أنك ترى شركاءنا يركزون على هذا الأمر بقدر أكبر من الجدية».