لماذا تخفي إسرائيل معلومات حيوية عن “كورونا”؟
يصل الجمهور إلى النقطة الحاسمة إلى الخطوات الأولى للخروج من أزمة كورونا، ومثله أيضاً الوزراء والوزارات الحكومية دون أن تكون لهم أهداف واضحة أو جداول زمنية للتطبيق. على مكاتب متخذي القرارات تقارير ونماذج مختلفة لخطط الخروج، ولكن الذي يعرض على متخذي القرارات هذه المعلومات هي جهات قليلة لديها طريق للوصول إلى المعطيات الخام لوزارة الصحة. لا يستطيع الجمهور الوصول إلى هذه المعطيات وكذلك موظفو وزارة الصحة أو حتى كبار المهنيين في الوزارة نفسها. جهات في وزارة الصحة تعتبر ذلك جزءاً من السياسة الضبابية والخوف من انتقاد إدارة الأزمة، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
أغلبية الجهات التي اطلعت على المعطيات لا تنتمي لوزارة الصحة أو الجهاز الصحي. ولا يوجد أطباء أو أخصائيو أوبئة أو خبراء في التلوث في جزء من الطواقم، بل يعتمدون على أخصائيين في الرياضيات والفيزياء والحواسيب والاقتصاد. ومن بين هؤلاء يمكن ذكر طواقم هيئة الأمن القومي ومعهد غارتنر (الممول بشكل جزئي من وزارة الصحة لكنه غير تابع لها) ومعهد وايزمن.
“المعلومات التي تنشر نحصل عليها مثل الشعب في إسرائيل، عبر “تلغرام” أو “واتساب”، وهي معلومات معالجة تصل على شكل تقارير وليست المعلومات الخام”، قال مصدر رفيع في وزارة الصحة، مجال اهتمامه الأساسي مكافحة كورونا. “الأمر غير المعقول هو أنه لا توجد في حواسيب الوزارة أي إمكانية لتنزيل تطبيق “انستغرام” أو “واتساب” من أجل التصفح، بسبب نظام الحماية، وحتى هذه المعلومات لا يمكن قراءتها كما يجب. مؤخراً حصل عدد من الموظفين في الوزارة على إذن وصول خاص، فقط لفترة كورونا من أجل الاطلاع على هذه المواد. وبالنسبة للمعلومات الخام التي تصدر منها التقارير لا يوجد تقريبا أي قدرة على الوصول إليها باستثناء جهات معينة في جهاز الصحة العامة ورجال الحاسوب في وزارة الصحة”.
“لا يوجد أي سبب لعدم كشف هذه المعلومات”، أضاف المصدر الرفيع، “هذه ليست معلومات سرية أو خاصة، بل مخزون للمعلومات يخدم مجموعات بحث كثيرة تريد عمل نماذج واقتباس مثلما يفعل الآن مركز منع ومراقبة الأمراض الأمريكي “سي.دي.سي”. وفتح المعلومات قد يؤدي إلى تفسيرات مختلفة. لذلك، يفضل السماح بالوصول إلى المعلومات فقط لجهات معينة”.
جمع المعلومات وتحليلها هو وسيلة رئيسية في الطب والبحث الحديث، تحديداً عندما يدور الحديث عن حدث وبائي غزير بالمعلومات والقابل لتفسيرات وتحليلات مختلفة. دوائر المعلومات التي يجب أن يستند إليها العاملون الذين ينشغلون بأزمة طبية من هذا النوع، تشمل معلومات عن صورة الوضع في العالم ومعطيات وأبحاث عالمية أكاديمية إضافة إلى معلومات محلية ثمينة تتراكم مع تقدم الأزمة، وتشمل أيضاً معلومات ضرورية عن وتيرة العدوى ومراكز التفشي وخصائص طبية، ومجموعات معرضة للخطر والمزيد من المعطيات الأخرى. صورة الوضع المتبلورة من المعلومات لها قيمة كبيرة في عملية اتخاذ القرارات وبلورة خطة منظمة للاستمرار.
مشاكل في الجهاز
المعلومات محفوظة في جهاز محوسب مخصص لهذا الغرض أنشئ لهذه الغاية. وحسب مصادر في الوزارة، فإنها تعاني مشكلات لا تعالج في وقتها بل وتتراكم أيضاً. مثلاً، تم مؤخراً تحديث عدد من تقارير جديدة للمرضى ووصلت للجمهور ووسائل الإعلام عدة مرات. معطيات الوزارة بشرت أمس عن قفزة بنحو 384 مصاباً جديداً، لكن حسب مصادر في الوزارة، فإن الحديث يدور عن خلل في عملية توحيد المعطيات؛ أي عدد المصابين الجدد كان 220 تقريباً.
مدير عام وزارة الصحة، موشيه بار سيمنطوف، اعتاد على أن يذكر ويؤكد في أقواله للجمهور موضوع الشفافية ومشاركة المعلومات، ولكنها عملياً، مشاركة محدودة جداً. غياب الشفافية وسيطرة الوزارة على المعلومات وإقصاء جهات مختلفة عن الاطلاع عليها، ترافق الأزمة من البداية. على سبيل المثال، لم يتم نشر بروتوكولات وملخصات نقاشات طاقم معالجة الأوبئة، أو جلسات ومنتديات أخرى تجري في الوزارة.
وليس وحده الجمهور الذي يمنع من رؤية المعطيات، فكذلك أعضاء طاقم علاج الأوبئة: في رسالة أرسلها الشهر الماضي شخصية رفيعة المستوى في طاقم علاج الأوبئة إلى كبار الشخصيات في وزارة الصحة، قال إن أعضاء الطاقم لا يحصلون على المعلومات حول صورة الإصابة الحقيقية في أوساط السكان، وهم لا يعرفون كم من معدات الحماية وأجهزة التنفس توجد في المستشفيات، أيضاً لا يوجد لديهم بروتوكول معالجة موحد لمرضى كورونا.
في ما يتعلق بأزمة كورونا، يشعر جهاز الصحة أن وزارة الصحة تبنت رؤية “أمنية” فيما يتعلق بالمعلومات، وكأن الأمر يتعلق ببيانات مرتبطة بأمن الدولة ويجب الحفاظ عليها بصورة مشددة. هذه الرؤية تمر كخيط آخر طوال أزمة كورونا وفي كل مجال مطلوب فيه مقاربة للبيانات، وتسري في الأقسام المختلفة في جهاز الصحة.
وبتأخير كبير، تقرر تشكيل جهاز تسجيل وطني لمرض كورونا، على شاكلة التسجيل القائم للأمراض الأخرى الذي يديره المركز الوطني لمراقبة الأمراض، ولكن ظهرت مشاكل هنا أيضاً. فقد عارضت إدارة وزارة الصحة السماح بالوصول إلى البيانات الخام من قبل المركز الوطني لمراقبة الأمراض. ومؤخراً تم رفع المعارضة. جرى إعداد البنية التحتية لإنشاء المخزن، والآن يتم بحث موضوع الوصول إلى البيانات.
“هذا صعب جداً ويبعث على الإحباط. هذا غير سليم”، قالت البروفيسورة تامي شوحط، مديرة مركز مراقبة الأمراض السابقة وعضوة كادر في مجال الأوبئة في كلية الطب في جامعة تل أبيب. وحسب أقوالها “هناك مجموعات باحثين ينتظمون وهم معنيون بفحص البدائل وبناء نماذج لفهم ما يحدث، حتى لو لم يتم استدعاؤها من قبل الحكومة. هذه معلومات يجب أن تكون مكشوفة للجمهور”. في هذه الأثناء، تعمل البروفيسورة شوحط مع باحث آخر من “التخنيون” في حيفا على نماذج مختلفة. “إن بيانات مثل كم من الوقت يمر من لحظة ظهور الأعراض وحتى الربط بجهاز التنفس الاصطناعي، أو معلومات عن أمراض مزمنة لدى مرضى في أعمار 50 فما دون، أيضاً معلومات كثيرة يجب أن تكون موجودة.. كلها غير قابلة للوصول بالنسبة لهم”، قالت. “نضطر إلى الاعتماد على معلومات من دول أخرى دون التطرق إلى الخصائص هنا، وهذا أمر مؤسف. في نهاية المطاف، ففي هذه المواد إجابة عن عدة أسئلة حاسمة للخروج من الأزمة. إلى مخزون “سي.دي.سي” يمكنك الدخول واستخدام المعلومات وأخذ اقتباسات مختلفة. لا يوجد أي سبب يمنع تنفيذ ذلك هنا أيضاً”.
فجوات في المعلومات
ليس وحده منع الوصول هو الذي المثير للتساؤل، بل المعلومات نفسها. فمن غير الواضح لكثيرين أي معلومات تم جمعها أو لم يتم جمعها من قبل الوزارة، وما هو مستوى جودة وكمية هذه المعلومات. إحدى الفجوات في المعلومات التي يدور الحديث عنها والتي لا يوجد حولها معلومات حيوية، هي وضع الإصابة العامة بالمرض في إسرائيل، وكذا في أوساط الذين لا تظهر عليهم الأعراض.
تحدثت وزارة الصحة قبل بضعة أسابيع عن نظام فحص جماعي، بواسطة ما سمي بـ “عيادات الحراسة”، تؤخذ فيها عينات في عيادات صناديق المرضى. انطلق هذا المشروع قبل أربعة أسابيع، ولكن حتى الآن تم أخذ بضع مئات فقط من العينات، وسبب ذلك يكمن في عدد الزوار القليل لعيادات صناديق المرضى وعيد الفصح. في حين أنهم وضعوا مراكز لأخذ العينات في شوارع المدن، كل صندوق لنفسه ولاحتياجاته. التعاون بين الصناديق ومركز مراقبة الأمراض كان يمكن أن يزيد عدد العينات ويدفع قدماً بجمع المعلومات المهمة فيما يتعلق بالإصابة العامة بالفيروس. “هذا لم يحدث، لأن اليد اليمنى لم تكن تعرف ما تفعله اليسرى”، قال مصدر في وزارة الصحة.
بيانات طبقاً لأجندة
السباق المحموم خلف معلومات وزارة الصحة تحول إلى جزء لا ينفصل عن أزمة كورونا. باحثون وأطباء ومراسلون ومواطنون من محبي الاستطلاع، يريدون المعرفة أكثر والتعمق في التفاصيل. ولكن المعلومات المنشورة جزئية ومعالجة. القلائل الذين اطلعوا على المعلومات بصورة مقننة مثل مراسلين أو خبراء، قالوا بأن هذه المعلومات موجودة، لكن يتم إخراجها في ظروف معينة، وأحياناً في حالات تناسب الخط الذي تقوده وزارة الصحة.
“أعتقد أن شيئاً ما سيئ يحدث”، قال مصدر كبير في جهاز الصحة. “أحبت وزارة الصحة الانشغال بكورونا وبدورها في الأزمة. هذا يبدو وكأن هناك وزارتين متوازيتين: وزارة الصحة ووزارة كورونا”. وفي النقاش الذي جرى هذا الأسبوع في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أيدت رئيسة خدمات الصحة العامة، البروفيسور سيغال ساديتسكي، استخدام وسائل تكنولوجية للعثور على مصابين مؤكدين وأشخاص خالطوا المصابين. وقالت أيضاً يجب الحفاظ على “الإنجاز الرائع” الذي تحقق حتى الآن.
“إذا كانت سياسة الإغلاق سليمة حتى الآن ووضعنا جيداً، أي أن الأمر يتعلق بإنجاز رائع، مع تكلفة تبلغ 100 مليار شيكل يتحملها الاقتصاد، وأكثر من مليون عاطل عن العمل، وعائلات كثيرة تدمرت ومرضى سيموت كثير منهم بسبب أمراض أخرى لم تعالج، فهذا يدل على رؤية الوزارة”، واصل المصدر الرفيع. وحسب أقواله، فقد “نشأت ديناميكية فيها أشخاص في الغرفة نفسها، التي تسمع فيها الموسيقى نفسها. وهذا هو خط التفكير نفسه، وهو أيضاً ما يضغط للسير قدماً. في نهاية المطاف، علينا التذكر بأن كل شيء يتلخص في الابتعاد عن وضع معين واحد – الذي فيه لا يجب على الطبيب أن يختار أي مريض يقوم بربطه بجهاز التنفس بسبب نقص أجهزة التنفس”.
ورداً على ذلك، جاء من وزارة الصحة: “بعد وقت قصير من تفشي فيروس كورونا بدأت وزارة الصحة بجمع معلومات طبية ووبائية ذات علاقة. في الشهر الأخير مع ازدياد عدد المرضى، وصلت المعلومات إلى مستويات كبيرة بما فيه الكفاية، وتبرر نشرها للجمهور مع الحفاظ على الخصوصية. لذلك، نعمل على إعداد المعلومات للنشر”. وجاء أيضاً بأن الوزارة تجمع بواسطة شركة “دياغنوستغ روبوتيكس” وبالتعاون مع صناديق المرضى، معلومات عن الأعراض التي تنبئ بتفشي كورونا. هذه المعلومات جمعت في مخزن معلومات وزارة الصحة، القابل للوصول من قبل أي باحث في ظروف آمنة.