لماذا تتمسك أمريكا بتركيا رغم الكراهية المتبادلة وتوتر العلاقات؟
بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة، استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عشرات التهاني من بلاد العالم، ولم تكن الولايات المتحدة بين المهنئين.
تتوتر العلاقات الأميركية التركية خلال الأعوام الأخيرة، بالرغم من أنها تصفو أحياناً بمحاولاتِ تقارب، سرعان ما تعود إلى سيرتها الأولى، تاركةً كليهما في دورة مستمرة من «عداوة الأصدقاء»، وهو مصطلح يستخدم لوصف العلاقات بين البلدين في القرن الحادي والعشرين. والحقيقة أن كليهما في حاجة إلى الآخر لأسباب إستراتيجية وجيهة ومن أجل المصالح.
الباحثة السياسية حياة عَلوي Hayat Alvi استعرضت ملامح التوتر والاحتياج المتبادل بين واشنطن وأنقرة، في مقال نشرته صحيفة The Hill الأميركية. وحياة علوي أستاذة مشاركة في كلية الحرب البحرية الأميركية. عملت في السابق أستاذة مساعدة في العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، ومديرة لبرنامج الدراسات الدولية بجامعة أركاديا الأميركية.
صفقة إف-35 تتوقف عند معضلة غولن وبرونسون
هذه العلاقات المتوترة اعترضت الطريق أمام تسليم الولايات المتحدة مقاتلات إف-35 إلى أنقرة. وهي صفقة يتجاوز عددها مائة طائرة مقاتلة، اشترتها تركيا (ودفعت ثمنها) من شركة لوكهيد مارتن.
وفي تحرك من جانب الحزبين، يحاول بعض أعضاء الكونغرس الأميركي وقف إتمام عملية تسليم المقاتلات.
ولكن ما هو الخلاف؟
يعود السبب في الأساس إلى أن تركيا تسجن قساً أميركيا يُدعى أندرو برونسون منذ أكثر من عام، ويزعم البعض في الكونغرس أن تركيا تريد أن تُبقيه رهينة لإتمام صفقة مبادلة مع الولايات المتحدة تقضي تسليم الداعية الإسلامية التركي فتح الله غولن، الذي يعيش في منفاه في بنسلفانيا.
تريد تركيا ترحيل غولن ليَمْثُل أمام العدالة، بعد اتهامه بالتخطيط لمحاولة الانقلاب في يوليو/تموز 2016 ضد أردوغان. وحتى هذه اللحظة، ترفض الولايات المتحدة ترحيله.
وهناك أسباب أخرى تتعلق بتقارب تركيا وروسيا
إذ يُنظر إلى إمكانية وصول روسيا إلى الطائرات التركية إف-35 أميركية الصنع على أنه تهديد آخر لكشف «أسرار» الأمن القومي أمام عيون بوتين، الذي تتقارب العلاقات بينه وبين تركيا.
خلقت الحرب الأهلية في سوريا شراكات غريبة. فضلاً عن أن تركيا تشتري من روسيا نظام الدفاع الجوي إس-400، الذي يشكل سبباً آخر لقلق الولايات المتحدة.
وبالعودة إلى ماضٍ أبعد قليلاً، سنجد أن صعود أردوغان وحزبه «العدالة التنمية» ذي الميول الإسلامية في تركيا العلمانية تقليدياً تسبَّب في قلق للغرب. فقد نفَّذ أردوغان مناورات سياسية أمام القوانين والسياسات المحلية لتمكين منصبه وتوسعة سلطاته الرئاسية. وتشبه أفعاله الميول الاستبدادية، التي تشكل بكل وضوح تهديدات للديمقراطية التركية. إضافة إلى أن السياسات الخارجية الإقليمية والعالمية لأردوغان دقت ناقوس الخطر لدى الغرب.
كما أن واشنطن غير مرتاحة لعلاقة التعاون مع طهران
غيرت آثار الحرب الأهلية الدائرة في سوريا من ترتيبات التحالفات في المنطقة ومصالح اللاعبين المتنوعين.
وتطال بعض من هذه الآثار تركيا مباشرة، بما في ذلك تدفق اللاجئين، وتهريب الأسلحة والأشخاص عبر الحدود، وتصاعد الهجمات الإرهابية التي ينفذها تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني، والمواجهات العسكرية السورية والروسية التي أدت في نهاية المطاف إلى انفراج بين تركيا وروسيا وإيران (مؤيد النظام السوري والمتكفل به).
.. ومن وقوف تركيا بجانب قطر في أزمة الخليج
وقفت تركيا أيضاً بجانب قطر وأيدتها في الخلاف الداخلي بين الدول العربية في الخليج (أي دول مجلس التعاون الخليجي)، مما أدى إلى نبذ قطر وفرض حصار عليها من جانب الدول الأخرى.
يُضاف إلى هذا ضيق القوى الغربية من تأييد أردوغان لفلسطين -ولغزة على وجه التحديد- وهو ما تسبَّب في تشوُّش العلاقات التركية الإسرائيلية.
والأكثر من هذا أن تركيا اعتقلت عدداً لا يُحصى من النشطاء والصحفيين. إذ تشير منظمة العفو الدولية إلى أن مئات الصحفيين لا يزالون في السجون التركية منذ محاولة الانقلاب في 2016، وكذلك تستمر مزيد من الممارسات القمعية ضد المؤسسات الصحفية.
لكن المصالح تجبرهما على «صداقة الضرورة»: عسكرية أولا
لدى الولايات المتحدة مصالح عسكرية، وقواعد حربية، ومبيعات أسلحة مربحة تتضمن تركيا. وتعتبر عضوية تركيا في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)ضرورية للمصالح والأجندات الغربية المتعلقة بالشرق الأوسط، والقوقاز، ووسط آسيا، وجنوب آسيا، بل وحتى أجزاء من الشرق الأقصى. إذ يمكن وصف تركيا على الصعيد الجغرافي حرفياً بأنها بوابة الشرق. فقدان تركيا يعني العجز عن الوصول إلى الشرق الأوسط وما بعده، بل وربما سيعني فقدان آليات النفوذ غير المباشر على هذه المناطق. تشكل هذه مصالح وعوامل إستراتيجية مهمة للناتو والولايات المتحدة.
ثم هذه الشراكة التجارية الضخمة
علاوة على أن العلاقات التركية الأميركية تتضمن أنشطة اقتصادية وتجارية. وفقاً لمكتب الممثل التجارى الأميركى، تحتل تركيا المركز 32 من بين أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، «إذ يصل إجمالي حجم التبادل التجاري في السلع (منها وإليها) لعام 2016 إلى 17.4 مليار دولار»، فيما يبلغ إجمالي التبادل التجاري في الخدمات بين البلدين إلى 5 مليارات.
وتركيا تحتاج صمام أمن الناتو بقيادة أميركا
أما من ناحية تركيا، تشكل الولايات المتحدة أهمية من أجل ترحيل كولن، والتأييد المستمر من جانبها لطموحات تركيا الرامية إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، والعلاقات التجارية والاقتصادية، واستمرار السيطرة على الميليشيات الكردية والعراقية في سوريا والعراق. تقدم عضوية تركيا في الناتو أيضاً مصالح لا تقدر بثمن لها، ولا سيما رفاهية استدعاء المادة الخامسة ضمن ميثاق الدفاع الجماعي لحلف الناتو، التي تنص على أن أي هجوم يتعرض له أي بلد عضو في الناتو يعد هجوماً على الجميع، وتخوِّل سلطةً لأعضاء الناتو بالرد الجماعي على الهجوم. تحتاج تركيا إلى هذا «الزر الأحمر» للأمن القومي؛ لأنها تحيا في محيط قاسٍ وتواجه عديداً من تهديدات الأمن القومي.
والتحالف يبدو شائكا في بعض الأحيان لكنه ضروري
قد لا تنجح النداءات التي تطالب بوقف تسليم مقاتلات إف-35 إلى تركيا. وقد تتنازل الولايات المتحدة وتركيا عن الخلافات بل والمنازعات العلنية جداً، إلا أنهما في حاجة إلى بعضهما من الناحية الإستراتيجية. ولا يدرك أي طرف آخر هذه المسألة أكثر من البلدين.
يصف الصحفي والأكاديمي ستيفن كينزر العلاقات الأميركية التركية كالتالي: «لعقود من الزمن، كان يُنظر إلى تركيا على نطاق واسع على أنها حليفٌ موثوقٌ في الناتو: أحياناً يكون شائكاً، ولكنه بكل أمانٍ يقف في نفس زاوية أميركا».