لماذا تتخلى السعودية الآن عن سياستها السابقة للنفط وتسعى لرفع الأسعار؟
تعمل المملكة العربية السعودية في اتجاه الدفع بأسعار النفط إلى ما لا يقل عن 80 دولاراً للبرميل هذا العام، وهو ما يجعلها تبتعد عن دورها الذي طالما قامت به “كقوة استقرار في أسواق الطاقة العالمية”، ويقف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلف هذا التوجه الجديد للمملكة في سوق النفط.
وحسب صحيفة The Wall Street Journal فإن مسؤولين سعوديين بارزين قالوا إنَّ ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، “خلف هذه الخطوة التي تهدف إلى زيادة الأرباح في الوقت الذي تسعى فيه حكومته لتنفيذ إصلاح اقتصادي واسع النطاق”.
وقد ساعد السعوديون بالفعل في رفع أسعار النفط بنسبة 50٪ في العام الماضي، لتصل إلى حوالي 74 دولاراً للبرميل الجمعة 4 مايو/أيار لخام برنت، عبر هندسة تخفيض كبير في الإنتاج مع منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا.
ويبتعد الأمير محمد بن سلمان، بسعيه فرض زيادة أعلى للأسعار، عن ميثاق ميز العلاقات الخارجية للمملكة لعقود يقضي بضمان استقرار أسعار النفط في مقابل المساعدة الأمنية من الولايات المتحدة ومستهلكي الطاقة الكبار الآخرين.
وتغيرت هذه المعادلة منذ صعود منتجي النفط الصخري الأميركيين، وتراجع رغبة الولايات المتحدة في التدخل العسكري في الشرق الأوسط، والأجندة الطموحة المكلفة لولي العهد ذي الـ32عاماً من أجل تحديث مملكته. وقال مسؤول حكومي سعودي آخر، تعليقاً على هذه الزيادة في أسعار النفط: “تعطي هذه الزيادة وقتاً لالتقاط الأنفاس”.
ويستعد المسؤولون السعوديون لرفع الأسعار في شهر يونيو/حزيران عندما سيضغطون لاستمرار تحديد سقف إنتاج أوبك مع روسيا. واقترح المسؤولون أيضاً التخلص من الاتفاق النووي مع إيران وإعادة فرض العقوبات على نفطها، وهو ما يمكن أن يزيد من ارتفاع الأسعار. وعبَّر مسؤولون سعوديون سراً لوسائل الإعلام عن رغبتهم في زيادة الأسعار، وهو ما يساهم في ارتفاع الأسعار.
وتقول الحكومة السعودية رسمياً إنَّها غير واثقة من أسعار النفط الخام. لكنَّ وزير الطاقة السعودي، خالد الفالح، أشار إلى موقف المملكة الشهر الماضي أبريل/نيسان في اجتماع لأوبك في جدة، حيث قال إنَّ زيادة الأسعار لن تؤثر على الطلب على النفط، حتى الآن. وقال الفالح: “لا أرى أي تأثير على الطلب في ظل الأسعار الحالية. لقد شهدنا ارتفاعاً أكبر من ذلك بكثير في الماضي. ضعف ما عليه الحال الآن”.
إحداث توازن في الميزانية
وتخطى خام برنت، وهو خام من منطقة بحر الشمال تُقاس عليه أسعار النفط الخام العالمية، حاجز الـ75 دولاراً للبرميل هذا العام للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات. أما خام غرب تكساس الوسيط، وهو خام يُستخدَم لتسعير النفط الأميركي، فاقترب من حاجز الـ70 دولاراً للبرميل.
وقال صندوق النقد الدولي إنَّه في عام 2018، ستحتاج السعودية ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 87 دولاراً للبرميل لإحداث التوازن في ميزانيتها. وكان الأمير بن سلمان كشف النقاب عن ميزانية قياسية بلغت 260 مليار دولار العام الماضي، في الوقت الذي تخوض فيه المملكة حرباً على حدودها الجنوبية مع المتمردين اليمنيين وتدعم النمو في الصناعات غير النفطية بالإعانات.
وقال جيم كرين، الزميل في مجالي النفط والجغرافيا السياسية بمؤسسة بيكر التابعة لجامعة رايس في مدينة هيوستن، إنَّ الدفع باتجاه رفع الأسعار تحولٌ قصير المدى مُصمَّمٌ لمساعدة الأمير محمد بن سلمان في تخطي هذا الوقت العصيب.
وتريد السعودية رفع أسعار النفط لتحقيق أهداف قصيرة المدى، مثل الطرح العام لشركة أرامكو، وسد عجز الميزانية، ومساعدة المملكة في حربها باليمن، ودعم المواطنين. ومع ذلك، فإنَّ المصالح السعودية، على المدى البعيد، تتماشى مع انخفاض أسعار النفط.
ولا يزال التحالف السعودي مع الولايات المتحدة قوياً، إذ يتحرك البلدان معاً لاحتواء إيران في الشرق الأوسط. واستوردت الولايات المتحدة نحو 667 ألف برميل من النفط السعودي يومياً في شهر فبراير/شباط، وهو ما يُعَد واحداً من أقل المستويات منذ ثمانينيات القرن الماضي.
ويقول المسؤولون السعوديون إنَّهم سيتدخلون بالمزيد من الإنتاج إذا ارتفعت الأسعار فجأة. ومن المحتمل أن يتضمَّن هذا زيادة السعوديين الإنتاج والإحلال محل الإنتاج الإيراني إذا ما أنهى الرئيس ترمب الاتفاق النووي وأعاد فرض العقوبات على صناعة النفط الإيرانية. وبحسب أشخاص مقربين من المملكة، يظل سعر الـ100 دولار للبرميل حاجزاً نفسياً لا يريد السعوديون تخطيه.
وقد تواجه السعودية بعض المقاومة من زملائها من منتجي النفط في سعيها لفرض زيادة الأسعار بشكل كبير وبوتيرة سريعة.
وقد أزعج هذا الموقف بعض الدول المستهلكة للنفط، بما في ذلك الولايات المتحدة، إذ أدلى الرئيس دونالد ترمب بدلوه على تويتر مُحذِّراً من أنَّ أسعار النفط “مرتفعة للغاية بشكل مصطنع”. وقد اقترب متوسط أسعار البنزين في الولايات المتحدة في شهر أبريل/نيسان من مستوى 3 دولارات للغالون، وهو أعلى سعر للبنزين منذ ثلاث سنوات.
قال وزير النفط الإيراني، بيجن زنكنه، لصحيفة The Wall Street Journal في شهر مارس/آذار إنَّ السعر المثالي للنفط 60 دولاراً للبرميل، وهو ما يضع طهران في الجانب المقابل من جدل سوق النفط الخام ضد منافستها السياسية الإقليمية، الرياض.
ويقول بعض المحليين المقربين من السعودية في صناعة النفط إنَّ المملكة تحاول تجنب الارتفاع المستقبلي في أسعار النفط من خلال دفع الأسعار اليوم لتشجيع المزيد من الاستثمار في صناعة الطاقة.
إصرار سعودي
وقال مسؤول حكومي سعودي بارز إنَّ “السعودية ليس لديها أية نية على الإطلاق لفعل أي شيء لإيقاف الزيادة” في أسعار النفط، وذكر أنَّ الحد الأدنى المرغوب يُقدَّر بـ80 دولاراً للبرميل. وأضاف المسؤول أنَّ “هذا بالضبط هو ما تريده المملكة”.
وتحصل السعودية على حوالي 3.1 مليار دولار سنوياً من العوائد الإضافية مقابل كل دولار إضافي على أسعار النفط، وذلك بحسب شركة Rapidan Energy Group، وهي شركة استشارات مقرها واشنطن. وتأتي هذه الزيادة النقدية في وقت يمر فيه الاقتصاد السعودي بوقتٍ عصيب يُظهِر مدى استمرار اعتماد المملكة على النفط.
وتدفع أسعار النفط المتزايدة هذه تعافياً اقتصادياً تدريجياً. وكانت صادرات النفط السعودي الخام قد ارتفعت في الشهور الأخيرة، لكنَّها أقل كثيراً مما كانت عليه عام 2016. وسوف تعطي المزيد من عائدات النفط الأمير بن سلمان بعض الوقت والمال للشروع بوتيرة أبطأ في إصلاحات اقتصادية أخرى.
وإذ كانت الحكومة قد أجَّلت الجزء المركزي من خطط الأمير، ألا وهو الطرح العام الأولي للشركة السعودية العملاقة للنفط (أرامكو)، وهو الطرح الذي كان من المتوقع له أن يجمع عشرات المليارات من الدولارات العام الجاري تستخدمها المملكة في الاستثمار في قطاعات غير نفطية.
مخاطر على السعودية
لكن ثمة مخاطر على السعوديين في حال ارتفعت أسعار النفط. إذ كانت الحكومة خفَّضت دعم الطاقة هذا العام، مُعرِّضةً بذلك السعوديين العاديين لارتفاع أسعار البنزين التي تصاحب ارتفاع أسعار النفط.
وقال عبد العزيز محمد، وهو موظف إدارة فعاليات يبلغ من العمر 29عاماً، بينما كان يشتري البنزين من إحدى محطات الوقود في الرياض: “لم أتضرر فحسب من هذه الارتفاعات في أسعار النفط، بل أشعر بالغضب الشديد من ذلك”. الآن، يُكلِّف ملء خزان سيارته الرياضية من طراز إنفينيتي، ما يساوي 30 إلى 40 دولاراً، أي حوالي ضعف تكلفة العام الماضي.
وحذَّر صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع من أنَّ أسعار النفط القوية قد تؤدي إلى إبطاء السعودية من إصلاحاتها الاقتصادية. وثمة احتمال بأن يُقدِّم ترمب المصلحة المالية للسائقين الأميركيين على تحالفه القوي مع السعوديين لو ارتفعت الأسعار بشكل مُبالَغ فيه.