لماذا أوصى جون ماكين بأن يغيب ترمب عن جنازته؟
كانت إحدى رغبات جون ماكين الأخيرة واضحة بجلاء تام؛ إذ أبلغ السيناتور الجمهوري فيما كان يكافح سرطاناً في الدماغ هزمه السبت 25 أغسطس 2018، أنه يرفض أن يحضر الرئيس دونالد ترمب جنازته.
لم يحاول ماكين والرئيس الأميركي يوماً التظاهر حتى بالود. ولم يكن الأمر يقتصر بينهما على تنافر شخصي، بل كانت هناك خلافات جوهرية حول القيم التي يؤمن بها كل منهما، وقد تبادلا الانتقادات علناً.
حين ترشح ترمب للانتخابات التمهيدية الجمهورية في يونيو 2015 معلناً أن المهاجرين المكسيكيين بمعظمهم مجرمون و»مغتصبون»، ندّد ماكين بخطابه معتبراً أنه «يؤجج المجانين»، فجاء رد ترمب بأن ماكين «أحمق» بالكاد تمكن من التخرج في مدرسة البحرية الأميركية.
الخلاف قديم
ولم يتوقف المرشح عند هذا الحد، بل هاجم طيار الحرب السابق في الشق الأبرز من حياته الذي يعتبر منزهاً عن الانتقاد: مساره العسكري، حيث خاض حرب فيتنام وأصيب خلالها بجروح ووقع في الأسر خمس سنوات تعرض خلالها للتعذيب.
وقال الرئيس الذي استفاد أيام حرب فيتنام من تأجيلات متتالية أعفته من الخدمة في الجيش بسبب «نتوء عظمي» في كاحله، في مقابلة إن ماكين الذي كان ترمب يستاء من تعاليه عليه «ليس بطل حرب، إنه بطل حرب لمجرد أنه وقع في الأسر»، وأضاف: «أنا أحب الذين لم يقعوا في الأسر»، مثيراً موجة عارمة من التنديد.
غير أن رد ماكين عكس بشكل جليّ التباين في الطباع بين الرجلين، فهو لم يطالب باعتذار شخصي، بل قال: «عليه أن يعتذر من عائلات الذين قدموا تضحيات في النزاع» والذين وقعوا في الأسر بينما كانوا «يخدمون وطنهم».
لكنّ صعود المرشح الشعبوي عام 2016 يعتبر بمثابة نبذ للعقيدة الجمهورية على طريقة ماكين، عقيدة حمل رايتها في الانتخابات الرئاسية عام 2008.
وبعد ثماني سنوات، وصل إلى الرئاسة رجل يجاهر بتقديره للمال والثراء، لم يؤدِّ الخدمة العسكرية وتباهى بتقديم أموال لسياسيين من اليمين واليسار على السواء لتحقيق مآربه، رجل يخالف كل التقاليد الرئاسية.
وفي وسط حملة كان يخوضها للفوز بولاية جديدة في مجلس الشيوخ في 2016، خرج ماكين عن الانضباط الحزبي بعد انتشار فيديو يتباهى فيه رجل الأعمال الملياردير بالتحرش بالنساء و»الإمساك بهن من أعضائهن التناسلية»، ليعلن أنه سيصوّت «لجمهوري محافظ جيد مؤهل ليكون رئيساً».
بوتين وترمب
وفي أحد أيام نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بعد مدة قصيرة من فوز ترمب بالرئاسة، ثار غضب السيناتور عن أريزونا أمام صحافيين كانوا يطلبون منه باستمرار في مبنى الكابيتول التعليق على تصريحات الرئيس المنتخب، فقال بجفاء: «لا أريد أن تطرح عليّ أسئلة عن دونالد ترمب بعد الآن. هذا حقي كسيناتور».
غير أن هذا الطلب لم يلقَ استجابة؛ إذ استأثر ترمب ونهجه بالنقاش السياسي العام وقلب رأساً على عقب تقاليد السياسة الخارجية الأميركية.
لكن أكثر ما أثار استنكار السيناتور كان إصرار الرئيس على رفض الإقرار بالتدخل الروسي في حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وازداد ماكين الذي كان يترأس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، استياء شهراً بعد شهر، وفتح تحقيقه البرلماني الخاص حول الملف الروسي. وثار غضباً عندما سمع الرئيس يتملق نظيره الروسي فلاديمير بوتين ويهادنه.
وقال إن «الوثوق في كولونيل في (كاي جي بي) (الاستخبارات السوفييتية) بدل مجمل أجهزة الاستخبارات الأميركية ليس على الإطلاق وضع (أميركا أولاً)، في إشارة إلى شعار ترمب الانتخابي».
وفي الأشهر الأخيرة من حياته، بدا كل ملف من الملفات المطروحة مناسباً لمجابهة الرئيس وتحديه.
الخلاف حول أوباماكير
كان ماكين واحداً من ثلاثة أعضاء من الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ أفشلوا في يوليو/تموز 2017 مشروع إلغاء الضمان الصحي المعروف باسم الرئيس السابق «أوباماكير»، ما أثار غضب ترمب.
وهو كان يصف الرئيس بأنه «نزق» و»قليل الاطلاع»، وندد في خطاب بـ «القومية الهشة والزائقة التي يفتعلها أشخاص يفضلون إيجاد كبش محرقة على تسوية المشكلات».
وهاجم ترمب في أكتوبر/تشرين الأول 2017 في موضوع عزيز عليه، فقال خلال مقابلة حول فيتنام: «أحد أوجه النزاع الذي لن أتخطاه أبداً هو أن الأميركيين الأكثر تواضعاً تم تجنيدهم في الخدمة العسكرية، في حين كان الأكثر ثراء يجدون طبيباً يعلن أن لديهم ورماً عظمياً»، في إشارة إلى الحجة التي تذرع بها الشاب دونالد ترمب للإفلات من الخدمة في حرب فيتنام.
وبقي العداء جلياً بين السيناتور والرئيس حتى النهاية. وقبل بضعة أسابيع، لم يشأ ترمب التلفظ باسم السيناتور الجمهوري خلال مراسم إصدار قانون دفاعي أطلق عليه «جون ماكين».
وحين أعلنت عائلة ماكين، الجمعة، أنه قرر وقف العلاج، لم يصدر أي رد فعل عن ترمب، خلافاً لمجمل السياسيين الأميركيين.