لماذا أصبحت تونس أرض التجنيد الجديدة للجهاديين؟
قبل أربع سنوات، بدأ الجهاديون التونسيون يتدفقون إلى ساحات المعارك في العراق وليبيا وسوريا، كي ينضموا إلى تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وتنظيم القاعدة، أكثر من أي جنسية أخرى. ومنذ ذلك الحين باتت السلطات التونسية والغربية تخشى عودتهم، والفوضى المحتملة التي قد تتبع ذلك، ولكن ظهر خطر مختلف.
ووفقاً للسلطات التونسية والدبلوماسيين الغربيين والمُحلِّلين الإقليميين، لم تتحقق هذه المخاوف حتى الآن، ولم تحدث عودة جماعية للمقاتلين في الخارج، ولكن شهدت البلاد مصدراً مختلفاً للعنف.
إذ بدأ داعش والقاعدة في تجنيد جيلٍ جديد من السكان المحليين لشنِّ هجمات إرهابية داخل البلاد، منها هجوم وقع في يوليو/تموز قرب الحدود الجزائرية، وخلَّف ستة قتلى من الحرس الوطني، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
الهجرة أو التطرف.. أين المفر؟
«هذا أمرٌ مَنشأه داخلي بالأساس، فمعظم الجهاديون التونسيون الذين ظلوا على قيد الحياة في ليبيا وسوريا لم يعودوا»، حسبما يقول مات هربرت، وهو شريك بشركة Maharbal للاستشارات الأمنية، مقرها تونس.
ويُسلِّط استمرار التجنيد المحلي للمُسلَّحين الضوءَ على التحديات التي تواجه تونس، الدولة الوحيدة التي تبرز كديمقراطية بعد ثورات 2011 الشعبية، في أنحاء المنطقة المعروفة بـ «الربيع العربي».
ورغم ما يبدو من تراجع الجاذبية الأيديولوجية لداعش والقاعدة في مناطق عديدة بالبلاد، يقول دبلوماسيون ومُحلِّلون، إنَّ حقبة ما بعد الثورة من الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تزال تثير الاستياء، خصوصاً بين الشباب التونسي.
فوفقاً لوكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، دفع الإحباط الناتج عن غياب الفرص الاقتصادية والحراك الاجتماعي (التنقل داخل الطبقات الاجتماعية وبينها) أكثر من 3 آلاف تونسي لمغادرة البلاد، قاصدين أوروبا، هذا العام 2018، أكثر من أي جنسية أخرى.
حلم الهجرة يعرض حياة الآلاف للخطر
وهذه العوامل نفسها تسبَّبت في انضمام الجهاديون التونسيون إلى مجموعات مُتطرِّفة، خصوصاً في المناطق التي تعرَّضت طويلاً للإهمال من جانب الحكومة.
وقال باتريس بيرغاميني، سفير الاتحاد الأوروبي لدى تونس، إنَّ «الأزمات الاجتماعية-الاقتصادية هي الوقود الأفضل للهجرة غير الشرعية أو تأجيج الإرهاب في أسوأ السيناريوهات».
وفي هذه المنطقة القريبة من الجزائر يكمن الخطر
ويحدث معظم التجنيد في منطقة جبال تونس الجنوبية الغربية الفقيرة، على طول الحدود مع الجزائر.
ولدى داعش وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وهو فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في شمال وغرب إفريقيا، فروع تابعة تعمل على طول الحدود.
وقال مُحلِّلون إقليميون، إنَّه على الرغم مما يُقال حول أنَّ المُتطرِّفين معظمهم تونسيون، فإنَّهم يضمون أيضاً جزائريين ومن دول غرب إفريقيا وليبيين. وأضافوا أنَّ نحو 15 إلى 20 تونسياً فقط يُعتَقَد أنَّهم العائدون من ليبيا وسوريا.
ولكن أين ذهب آلاف المقاتلين التونسيين الذين حاربوا في سوريا وليبيا
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، سافر في السنوات الأخيرة 5500 تونسي على الأقل إلى العراق وليبيا وسوريا، للانضمام إلى داعش والقاعدة.
وقال مُحلِّلون إنَّ معظم الجهاديون التونسيون الذين ذهبوا إلى ليبيا لقوا حتفهمفي أواخر 2016، في معركة استعادة سرت، عاصمة ما يُسمَّى بخلافة داعش في شمال إفريقيا، وكذلك في معركة بلدة بن قردان الحدودية.
ويُعتَقَد أنَّ كثيراً من المُتطرِّفين الذين ذهبوا إلى سوريا والعراق سقطوا وهم يقاتلون هناك. ويُعتَقَد أنَّ من نجا من تلك المعارك موجودون في جيبٍ لداعش، يسيطر عليه المُسلَّحون شرقي سوريا، أو موجودون في السجون السورية. وبعضهم ربما يختبئون.
وتسلَّل آخرون إلى ليبيا للانضمام إلى فرع داعش هناك، أو ربما انضموا إلى الفرع الموجود بمصر في شمال سيناء.
عاد إلى تونس ما يُقدَّر بـ800 مقاتل، الغالبية العظمى منهم مسجونون في أنحاء البلاد.
والآن باتت تونس أرض التجنيد الجديدة.. وقد يكون ذلك مرتبطاً بسياسات الحكومة
ويقول بعض المُحلِّلين، إنَّ المُتطرِّفين نشطون الآن في تونس، ويستخدمون البلاد كنقطة انطلاق لشنِّ هجمات في الجزائر، التي خاضت مواجهة طويلة مع القاعدة، ومؤخراً مع فرع تابع لداعش.
قال مايكل بشير العياري، وهو مُحلِّل تونسي بارز في مجموعة الأزمات الدولية: «تونس هي أرض التجنيد».
ويقول آخرون إنَّ تونس نفسها تظل هدفاً بسبب الرؤى الليبرالية نسبياً، من جانب الحكومة، تجاه الإسلام والمرأة وحرية التعبير.
إنه ليس مجرد إرهاب.. هكذا تحول لتمرد عنيف
ويخوض الجيش التونسي وقوات الحرس الوطني والشرطة منذ سبع سنوات معارك ضارية، ضد مجموعتين جهاديّتين هما: كتيبة عقبة بن نافع التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة جند الخلافة في تونس، الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية.
وقد أسفر هذا الصراع عن مقتل ما لايقلّ عن 127 متشدّداً و118 جنديّاً وعنصراً في قوات الحرس الوطني، وضابط شرطة في شمال غربي البلاد، وإصابة أكثر من 200 عنصر من طاقم الأمن والدفاع. ويشمل هذا الرقم غالبية الخسائر التي تكبّدتها هذه القوات منذ نشوب الثورة.
وتختلف طبيعة الصراع الدائر في شمال غربي تونس عن التحديات الأمنية الأخرى التي تعانيها البلاد، لأن هذا الصراع أقرب إلى تمرّد منه إلى حملة إرهابية متمادية، حسب وصف تقرير لمركز كارنيغي.
فالغالبية الساحقة من الهجمات تستهدف قوات الأمن والدفاع، فيما تحافظ المجموعات على وجود دائم على الأرض، وتعمل على حشد الدعم في أوساط السكان المحليين. يُضاف إلى ذلك أن كل مقاتلي المجموعات تقريباً هم تونسيون، جرى تجنيدهم من أرجاء البلاد كافة.
وكان مُسلَّحون تونسيون تابعون لداعش هاجموا عام 2015 منتجع سوسةومتحف باردو الشهير في العاصمة، ما أسفر عن مقتل العشرات، معظمهم من السياح الأجانب. وفي العام التالي، دخل المزيد من التونسيين المنتمين لداعش البلاد، قادمين من ليبيا، وحاولوا السيطرة على بلدة بن قردان، قبل أن تصدَّهم قوات الأمن التونسية.
وهناك مؤشرات على أن الجهاديون التونسيون لهم أعواناً سريين في أوساط المدنيين
ومنذ ذلك الحين، نفَّذ داعش والقاعدة مزيداً من الهجمات في تونس، لكن أيَّاً منها لم يكن بنفس الكارثية. ويقول مُحلِّلون إنَّ هناك الآن ما يُقدَّر بـ200 مُسلَّح ينتمون إما لداعش أو القاعدة يعملون في الجبال، ولو أنَّ أرقام المتعاطفين مجهولة.
وأظهر الهجوم الذي وقع، في يوليو/تموز، قرب الحدود الجزائرية، الطموحات المستمرة للمُسلَّحين. وكانت مركبات تابعة للحرس الوطني في دورية في منطقة جبلية نائية قرب مدينة بلدة، حين أطلق المُسلَّحون المختبئون في كمين قذيفة، ونشبت معركة بالأسلحة النارية.
وقال عمر بن عيسى، وهو مسؤول محلي كبير في غار الدماء، المنطقة الفقيرة التي وقع فيها الهجوم: «كان كميناً غادراً. قُتِل (الجنود) الستة في اللحظة التي وقع فيها الهجوم».
وشكَّ السكان والمسؤولون في أنَّ المُسلَّحين ربما تلقوا معلوماتٍ سرية من أنصارٍ محليين. وأكَّد الفرع المحلي لتنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم، الذي يقول المُحلِّلون إنَّه كان يهدف لإظهار أنَّ المُسلَّحين لا يزالون يُمثِّلون قوة، واستغلاله من أجل التجنيد.
كما أظهر المتطرفون كثيراً من المهارة.. ولكن الحكومة تساعدهم كذلك بأساليبها
«المجموعات التي لا تزال عاملة هناك في الجبال الغربية لديها الكثير من المهارة، حسبما يقول هربرت.
وأضاف: «يبدو أنَّ حجمهم نما في السنوات القليلة الماضية. لديهم قدرٌ كبير من المرونة للصمود في وجه المحاولات التونسية لإنهاء هذا الصراع».
وقال حاتم الهواوي، وهو مُعلِّم ومُدوِّن في جندوبة، إنَّ معظم السكان المحليين يعيشون حياةً صعبة ومستاؤون من الحكومة، وهو ما يجعلهم عرضة لإغراءات المُسلَّحين.
وأضاف: «إنَّهم بائسون، ويمكن للإرهابيين تجنيدهم بسهولة. السلطات التونسية تخلق أرضاً خصبة للإرهابيين، إمَّا بتهميش القوات الأمنية وإما بتهميش الناس اقتصادياً».
وهناك إشادة بقوات مكافحة الإرهاب.. ولكن المشكلة في هذه القوات
وتقول السلطات التونسية إنَّها أحرزت تقدُّماً في التعامل مع التشدد المحلي، لافتةً إلى تراجع الهجمات على مستوى البلاد. وقدَّمت الولايات المتحدة عشرات الملايين من الدولارات لتعزيز الأمن على الحدود الليبية.
ويشيد المُحلِّلون الأمنيون بقوات مكافحة الإرهاب التونسية المُدرَّبة أميركياً، لقدراتها المتعلقة بجمع المعلومات واختراق وتفكيك الخلايا، لكنَّ المُحلِّلين قلقون بشأن القوات العادية الأخرى خارج قوات النخبة، كالشرطة وحرس الحدود، وهي قوات أقل تدريباً وأكثر فساداً.
ولكن يظل هناك مكان أخطر تتزايد فيه فرص التجنيد.. أنه تحت نظر السلطات مباشرة
ويشعر المُحلِّلون بقلقٍ متزايد أيضاً حيال إمكانية التطرُّف داخل السجون التونسية، حيث يجري الإبقاء على الكثير من الجهاديون التونسيون في زنازين مع المجرمين العاديين.
وقال آرون زيلين، وهو خبير في الجماعات الجهادية لدى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومؤلف كتاب قادم عن تاريخ الحركة الجهادية في تونس: «إنَّه بالتأكيد أمرٌ مثيرٌ للقلق، لأنَّ هناك أعداداً كبيرة من الأشخاص في سجون مُكتظة، يُخططون لخطواتهم الاستراتيجية التالية بعد إطلاق سراحهم».
وأضاف أنَّ الدولة التونسية لا تملك برامج إعادة تأهيل الجهاديون التونسيون أو إعادة إدماج كافية للمُسلَّحين السابقين. وتابع: «لذا من المُرجَّح أن يعودوا إذا أُطلِق سراحهم إلى طرقهم القديمة مع داعش أو القاعدة، بحسب التنظيم الذي كانوا ينتمون إليه قبل دخولهم السجن».