لعبة حزب الله المزدوجة بعد الحريري
“منذ سنوات عديدة، أخذ حزب الله دولة لبنان “في الأسر”، وأقام فيها جيشاً خاصاً به، وهو الذي يقرر عملياً سياستها الأمنية”، هذا قال رئيس الأركان افيف كوخافي قبل نحو أسبوع في حديث مع المراسلين العسكريين.
يتناول هذا القول موقف الجيش الإسرائيلي من مدى سيطرة حزب الله الأمنية في لبنان وميزان القوة الراجح له أمام أجهزة الأمن الأخرى التي لا تقف في مستوى التمثيل السياسي لحزب الله في الحكومة اللبنانية. وذلك رغم أن مكانة حزب الله قد تعززت حتى في الجانب السلطوي الرسمي من حيث التمثيل السياسي في الحكومة اللبنانية في السنوات الأخيرة، وفقا لصحيفة “معاريف” العبرية.
وإذا أمكن الافتراض، في ظل موازين القوى هذه، أن يكون بوسع حزب الله السيطرة العسكرية على لبنان، وليس صدفة، ففي سنوات تعزز قوته أيضاً اختار طريقاً آخر. بخلاف حماس، مثلاً، يلعب حزب الله لعبة مزدوجة، فهو يدير جيشاً مستقلاً في لبنان، يسيطر في جوانب عديدة على الجيش اللبناني أيضاً، وهو على علاقات عميقة مع الاستخبارات اللبنانية، وهو قوة مهمة كجزء من تعزز المحور الشيعي في الشرق الأوسط، عسكرياً وفكرياً. ولكنه لا يعمل ليكون صاحب السيادة السياسية. هذا الفصل يسمح للبنان بأن يتمتع أيضاً بفضائل العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول الغربية، بما في ذلك المساعدة العسكرية التي تمنحها الولايات المتحدة.
وفضلاً عن ذلك، يفهم حزب الله على نحو جيد الثمن الذي تنطوي عليه المسؤولية السلطوية وضررها في دولة ذات تاريخ من الحروب الأهلية ومفتاح ديمغرافي طائفي مركب على نحو خاص.
الفرضية المعقولة أنه لن يكون هناك تغيير في الفكر الأساس لنصر الله حتى بعد استقالة رئيس الوزراء الحريري. ويعتقد جهاز الأمن، حتى قبل الاستقالة، بأنه لا توجد للأحداث الأخيرة آثار أمنية فورية على إسرائيل. فهي لا تصعد التهديدات من جانب حزب الله ضد إسرائيل في هذه الفترة بهدف صرف الانتباه، وربما وقف الاضطراب الداخلي في الدولة. وليس هذا هو السيناريو المعقول حتى الآن، فلدى حزب الله الكثير مما يخسره في هذه الحالة. والثمن الذي سيدفعه في مثل هذه الحالة، داخل لبنان ومع إسرائيل، كفيل بأن يكون باهظاً جداً.
ما يجري في لبنان له وزن في تقويم الوضع الأمني، حين يكون كل شيء متوتراً ومتحفزاً أمام إيران وأمام حزب الله حتى قبل الأحداث الأخيرة. وللنشاطات الإسرائيلية في سوريا وفي مواقع أخرى، ضد أهداف لحزب الله أيضاً، كفيل بأن يكون ذا تأثير آخر، وستكون إسرائيل مطالبة بأن تكون حذرة جداً في أعمال الحرب ما بين الحروب، مثلما يسمون ذلك في أوساط الجيش.
من غير الممكن احتساب الأحداث العملياتية بأثر رجعي، تلك التي سبق أن وقعت في الفترة الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، ولكن قد نفترض في هذا الواقع بأن إحباط عملية الحوامات والتصعيد الذي نشب بعد ذلك كان كفيلاً بأن يتطور بشكل مختلف، كعامل للتصعيد أو كعامل للّجم؟ هذا خاضع لتقدير تحليلات مختلفة، ولكن المؤكد هو أن مركب انعدام الاستقرار في لبنان له وزن في تقويم الوضع الجاري في الجيش الإسرائيلي أيضاً، وستكون إسرائيل مطالبة بألا تصبح لاعباً فاعلاً في داخل الاضطراب بلبنان.
في المدى الأبعد، ستقول الأيام إلى أين سيتدحرج لبنان من الأزمة الأخيرة، التي يجب أن نتذكر: لم تتحول بعد إلى عنيفة، ولكن في نظرة واعية تجاه ما يسمى خطأ “الربيع العربي” في نهاية السياقات، أفكار التقدم والليبرالية، فإن المحور الشيعي – الإيراني هو الذي تعزز في منطقتنا، وهو العدو الأخطر اليوم على دولة إسرائيل. في لبنان، لا يزال احتمال ذلك عالياً على نحو خاص، وهذا بالتأكيد ليس بشرى طيبة لدولة إسرائيل.