لا حل وسط لـ”نتنياهو”.. البقاء رئيساً للوزراء أو السجن
يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي موقفاً حرجاً للغاية بين النجاح في أن يظل في منصبه بعد انتخابات السابع عشر من سبتمبر/أيلول المقبل، أو مواجهة تُهمِ الفساد التي قد تلقي به في السجن، فكيف ستكون نهاية أطول مَن شغل منصب الرجل الأول في تاريخ الدولة العبرية؟
تحت عنوان «هل هذه نهاية نتنياهو؟»، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً تناولت فيه مسيرته المهنية وكمّ المآزق التي تعرّض لها ونجح في العودة للمشهد، حتى أنه أصبح يلقب بالساحر!
«إنه ساحر! إنه ساحر!»
انطلق ذلك الهتاف في حوالي الساعة الثانية من صباح يوم 10 أبريل، من حناجر أنصار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذين تجمّعوا في ساحةٍ رياضية في تل أبيب، احتفاءً بفوزه الكبير في الانتخابات.
إذ إن نتنياهو، الذي قدمت له غرائزه السياسية الخارقة فرصة أن يصبح صاحب مدة الحكم الأطول بين رؤساء وزراء إسرائيل، حقق فوزاً سحرياً آخر بعد خوضه منافسةً صعبة ضد قائد عسكري سابق، في ظل إمكانية توجيه اتهاماتٍ جنائية ضده حول تهم تتعلق بالفساد.
وبعد أقل من شهرين، وبعد أن أرغم فشله في تشكيل ائتلافٍ حاكم البلادَ على إعادة الانتخابات لأول مرة في تاريخ إسرائيل، يتساءل المفكرون الإسرائيليون عما إذا كان هناك ما يمكنه إنقاذ رئيس الوزراء، حتى ولو كان سحراً.
من الحماقة أن نستبعد احتمالية فوزه مجدداً بالكامل، خاصةً أنه ما زالت هناك أكثر من ثلاثة أشهر على الانتخابات. لكنَّ الأرقام والتقاويم لا ترحم.
المؤشرات ليست جيدة
زعم نتنياهو أنه حصل على 60 مقعداً في ائتلافه خلال الأسبوع الماضي. وكان بحاجة إلى 61 مقعداً للفوز بالأغلبية في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) المؤلف من 120 مقعداً.
ولا يوجد سبب وجيه لافتراض أنَّ النتيجة ستكون أفضل عند إجراء الانتخابات الجديدة في 17 سبتمبر/أيلول. بل وقد تصبح أسوأ بكثير في ظل الشك في قدرته على تشكيل حكومة.
ثم تأتي مشكلة لوائح الاتهام
إذ يواجه نتنياهو اتهاماتٍ بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة في ثلاث قضايا فساد. وقد حدد المدعي العام جلسة استماع في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، حيث يمكن لنتنياهو، الذي ينكر الاتهامات ويصم الدعوى بأنها متحيزة، أن يطعن في التهم الموجهة إليه.
وقد تعقبها إدانةٌ رسمية بفترةٍ وجيزة، ويتسبب ذلك في مشكلتين كبيرتين لنتنياهو: الأولى هي أنَّه حتى إذا فاز في الانتخابات، فسيواجه صعوبةً في ضم شركائه للائتلاف في ظل ملاحقته بلوائح الاتهام. ونظرياً، لا يمنع القانون رئيس الوزراء من الخدمة وهو رهن المحاكمة، لكنَّ هذا لم يحدث من قبل.
ومن الممكن أن تتدخل المحكمة العليا، لكنَّ ذلك سيشكل أيضاً ضغطاً هائلاً عليه للتنحي.
وتتعلق المشكلة الثانية بالتقويم. إذ ألزمت خطة هروب نتنياهو البرلمان بمنحه حصانةً، وبإصدار قانون يسمح له بإلغاء حكم من المحكمة العليا برفع هذه الحصانة حال إصدارها له.
لكنَّ فرص تمرير هذه القوانين قبل إدانته ليست كبيرة، في ضوء تأجيل عقد جلسات البرلمان إلى ما بعد الانتخابات.
وكتب الصحفي المخضرم يوسي فيرتر في صحيفة Haaretz الإسرائيلية الليبرالية أنه في يوم الخميس 30 مايو، وهو اليوم الذي حُلّ فيه البرلمان، لبدء إجراء انتخاباتٍ جديدة: «بدأ العد التنازلي لنهاية عهد نتنياهو«.
وقال أميت سيغال، كبير المحللين السياسيين في قناة 12 News الإسرائيلية، إنَّ حل البرلمان والانتخابات الجديدة «تسبّبا في خطرٍ حقيقي له، وهو أنَّه لن يكون قادراً على الهروب من الملاحقة القضائية«.
وقال سيغال في مقابلة: «لو كانت الحكومة قد تشكّلت هذا الأسبوع، كان من الممكن أن يتمكن من إسقاط الدعوى المرفوعة ضده».
ليست المرة الأولى
كُتب النعي السياسي لنتنياهو عدة مرات من قبل: في عام 1996، عندما قالت استطلاعات الرأي، خطأً إنه خسر أمام شمعون بيريز؛ وفي عام 1999، عندما خسر أمام إيهود باراك وأعلن اعتزاله السياسة، وفي عام 2006، عندما فاز حزب الليكود المحافظ الذي ينتمي إليه بـ12 مقعداً فقط.
وفي كل مرة كان يعود للحياة مجدداً. وقد خدم ثلاث فتراتٍ متتالية في منصب رئيس الوزراء، من أصل أربع، لمدة 13 عاماً إجمالاً. وفي يوليو/تموز، سيتفوق على الأب المؤسس لإسرائيل ورئيس وزرائها الأول ديفيد بن غوريون.
لكنَّ خياراته أصبحت محدودةً إلى حد كبير
ففي انتخابات أبريل/نيسان، كان نتنياهو نفسه هو بالفعل المشكلة الأساسية للحملة. وكان منافسه الرئيسي بيني غانتس، وهو قائد عسكري سابق، ينتمي لحزب «أزرق وأبيض» الوسطي، الذي يتسم برنامجه الانتخابي باختلافاتٍ جوهرية مع نتنياهو، إلى جانب حقيقة أنَّ غانتس ليس مثل نتنياهو.
وقال حزب غانتس، الذي حصل على 35 مقعداً، إنَّه سيدرس الانضمام إلى ائتلافٍ مع الليكود، لكن ليس في ظل زعامة نتنياهو للحزب.
وإذا كانت الانتخابات السابقة بمثابة استفتاء على نتنياهو، فمن المرجح أن تكون انتخابات سبتمبر الشيء نفسه، لكن المرشح هذه المرة أكثر تضرراً، وهامش الخطأ أقل.
ويقول عوزي عراد، مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو الذي أصبح منتقداً له، إنَّه بعد تولي نتنياهو منصبه، أصبح لا مبالياً ومتغطرساً، ما أدى إلى تناقص عدد حلفائه.
وأضاف عراد: «قد يخسر الانتخابات بسبب أسلوب قيادته المُهلك، الذي يتسم بالاندفاع، والتسرع، ويحيطه بالمتملقين الذين لا يتمتعون بالكفاءة، مستخدماً أسلوب فرِّق تسُد على كل المستويات، وهو الأسلوب الذي دفع الكثيرين إلى الانقلاب عليه».
حتى قاعدته في التيار اليميني قد تتردد في دعمه
إذ قال يوهانان بليسنر، رئيس معهد إسرائيل للديمقراطية، وهو معهد أبحاث محايد: «بدأ المنتمون للتيار اليميني، في محادثاتٍ مغلقة فقط في الوقت الحالي، يفكرون في أنَّ نتنياهو ربما حقق لهم النصر، وأيضاً الفشل الذريع الذي أعقبه، وربما حان الوقت لإيجاد من يخلفه. ربما لم يعد نتنياهو ذلك الرجل الذي لا يُقهر».
ألقى نتنياهو باللوم على أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» الصغير المتطرف، لحرمانه النصر. إذ كان نتنياهو يعتمد على مقاعد الحزب الخمسة ليحقق أغلبيةً.
لكنَّ ليبرمان رفض التوافق مع شركاء ائتلاف نتنياهو من اليهود الأرثوذكس المتشددين بشأن قانون جديد يلغي الإعفاءات بالجملة للأرثوذكس المتشددين من الخدمة العسكرية.
وقال بعض المحللين إنَّ موقف ليبرمان كان خدعةً للفت الانتباه لحزبه الصغير. لكن مهما كانت دوافعه، فقد كشف عن خط صدعٍ حقيقي في الائتلاف اليميني التقليدي بين القوميين العلمانيين وأحزاب الأرثوذكس المتشددة.
ويقول المحللون إنَّ هناك سبيلاً صعباً يمكن أن يسلكه نتنياهو لينجح في الانتخابات المقبلة.
إذ أوضح سيغال أنَّ حوالي 300 ألف صوت من التيار اليميني ذهبت إلى الأحزاب التي لم تتمكن من حصد المقاعد البرلمانية. تمثل هذه الأصوات ما يصل إلى ثمانية مقاعد، وهي أكثر من كافية لوضع نتنياهو على القمة إذا أمكن تحويلها إلى الليكود أو الأحزاب الأخرى التي تدعمه.
وإذا فاز في الانتخابات، فسيتعين عليه أيضاً تشكيل حكومة بسرعة كافية، حكومة مستعدة لتمرير قانون يحميه من الملاحقة القضائية.
ويقول فيرتر إنَّ هذا غير ممكن. فيما يرى سيغال أنَّ فرصة حدوثه ضئيلة.
وأضاف سيغال: «قبل كل حملة انتخابية، يبدأ الجميع في تأبين نتنياهو ويقولون إنَّ هذه هي النهاية، وأنَّه قد انتهى، لكنه يعود إلى الحياة، ويفاجئهم جميعاً ويفوز. لذا فإنَّ نصيحتي للمحللين السياسيين الإسرائيليين هي، حتى إذا رأيتم الجثة السياسية لنتنياهو بأم أعينكم، وأكد ثلاثة أطباء خبراء وفاته، فتمهلوا. فلن يعني هذا بالتأكيد نهايته».