لاكرو: حرب المياه هي الحرب القادمة في البصرة
في تقرير نشر في عددها الصادر الثلاثاء، قالت صحيفة “لاكروا” الفرنسية إنه إذا كان حجم المظاهرات هذا الصيف في مدينة البصرة العراقية أقل مقارنة مع تلك التي اندلعت العام الماضي، إلا أن الأزمة الصحية تزداد سوءا في هذه المدينة الغنية بالنفط، حيث وصل تلوث المياه إلى مستويات دراماتيكية. ومع أن المنظمات غير الحكومية تعمل جاهدة على تحسين أنظمة الإمداد، لكنها لا تستطيع تعويض عدم وجود إجراءات فعّالة من جانب السلطات العراقية.
فقد تظاهر هذا الصيف مئات الأشخاص مجددا ضد الوضع الكارثي الذي تغرق فيه البصرة، التي تعد إحدى أغنى مناطق العراق: انقطاع التيار الكهربائي وتلوث المياه والهواء والبطالة. وهو وضع يقول المتظاهرون إن سببه الرئيسي يعود إلى الفساد الذي ينخر الحكومة. هذه الحكومة، سارعت هذه المرة إلى خنق طموحات المحتجين – المعارضين عن طريق الاعتقال وحظر التجمعات، وذلك خشية أن يتكرر سيناريو العام الماضي، حيث اندلعت مظاهرات عنيفة في يونيو/حزيران 2018، وأسفرت عن مقتل 27 شخصا على الأقل على مدار عدة أشهر.
وقتها، كان المتظاهرون ينددون بتسمم الآلاف من المواطنين عن طريق المياه غير المأمونة، والتي تستخدم فقط لغسل وشطف الطعام، حيث تم إدخال ما لا يقل عن 118 ألف شخص ممن تم تسميمهم إلى المستشفيات، خلال ثلاثة أشهر في عام 2018، وفقا لتقرير صدر حديثا عن هيومن رايتس ووتش.
هذا العام، تبدو هناك حالة كبيرة من الحذر في أوساط عدد من المحتجين، بمن فيهم خالد الديراوي، وهو مواطن من البصرة، الذي يقول لـ”لاكروا”: “منذ عام 2015 شجعت الناس على النزول إلى الشوارع، لأنني كنت أعرف أن تلوث المياه سيؤدي إلى كارثة مثل هيروشيما. أما الآن فهناك لعبة سياسية تحاك في الكواليس، ونحن لا نعرف ما هي”.
من جانبها، تقول ريهام يعقوب: “كانت أول مرة أتظاهر فيها، ثم تلقيت بعد ذلك تهديدات بالقتل من الميليشيات. أنا لا أجرؤ على الذهاب بعد الآن”.
وتشير “لاكروا” إلى أن تلوث نهر شط العرب ليس بالأمر الجديد، فهو نتيجة لعدة عوامل، تتراوح بين الاحتباس الحراري الذي يرفع درجات الحرارة ويقلل هطول الأمطار، إلى العادة السيئة المتمثلة في التخلص من النفايات. يضاف إلى ذلك ملوحة المياه الناتجة عن انخفاض مستويات نهري دجلة والفرات التي سمحت بإدخال المياه المالحة القادمة من بحر الخليج.
أخيرا، تتفاقم حالة عدم الحصول على مياه الشرب بسبب سوء حالة المنشآت والأنابيب المكسورة والمضخات القديمة، مما يتسبب في تسرب ما يقرب من نصف المياه أثناء توزيعها، وفقا لدراسة أجرتها اليونيسيف.
وبالإضافة إلى الطبقات الشعبية، فإن الأطفال هم أول ضحايا هذه الأزمة الصحية. في المتوسط، تنفق الأسرة 54 يورو شهريا لشراء مياه الشرب، في الوقت الذي يصل فيه الراتب الشهري للموظف إلى 360 يورو. منذ الصيف الماضي، اضطر آلاف المزارعين أيضا إلى مغادرة أراضيهم لأنهم لا يستطيعون ريّها.
وحتى في ظل جهود المنظمات غير الحكومية من أجل تحسين أنظمة إمدادات مياه الشرب، تؤكد “لاكروا” أن ذلك غير كاف ولا يستطيع التغلب على عدم وجود حل حكومي طويل الأمد. وحول هذا الموضوع، فإن السلطات العراقية مكتفية بإلقاء اللوم فيما بين إداراتها، إذ يتهم نشأت المنصوري، عضو مجلس محافظة البصرة، بغداد بأنها “تعتبر البصرة مدينة تجارية تنتج النفط، وأن صحة الأشخاص تأتي بالنسبة لديها بعد المال الذي تجنيه من عائدات النفط”.
وتشير بلقيس ويل، الباحثة المتخصصة في شؤون العراق والشرق الأوسط لدى منظمة هيومن رايتس ووتش، إلى أن “الحكومة العراقية وضعت خطة وقررت القيام ببعض الإجراءات الملموسة، لكن هل سيتم ذلك حقا؟”، تتساءل الباحثة.
وترى صفية شاكر، الأستاذة في جامعة البصرة التي كانت أطروحتها عن نهر شط العرب، أنه لا شك في أن “الحرب القادمة ستكون حرب المياه”.